أعلمني يا ربُّ وطمْئِنّي
سجى مشعل | فلسطين
لا أعرف الحقيقة الكاملة وأنت تعرفها، ولا أدري ما وراء السّتار وأنت تعلمه، كم مرّة خبا البريق لكنّا ما زلنا نقاوم بأمل منك، كان الدّوي الدّاخليّ مجرّد وهم وصراع لا طائل منه، فالمرايا تتعرّض دائمًا للشّقوق قبل الكسر، وتصدّعات أرواحنا يشفيها انكسارها أمامك. إذا ما انقضت الأيّام أمامنا ونحن هنا فإنّا ننظر إلى الطّريق الفرعيّ القصير الأقرب إليك، وكلّما كانت حدّة الأيّام أقوى وأشدّ وأعتى كان الحبل أقرب وأقرب، والوريد فينا تتخلّله عذوبة وجودك في حياتنا، أنت البراح حين الضّيق، والكلمة حين السّكوت، والنّور حين الظّلام، والأمل حين اليأس، والعنفوان حين الفتور، والحيويّة حين العجز، أنت كلّ ما طاب في دنيانا العابرة وأكثر بكثير.
ومثلما تكون خطَّ دفاعنا الأوّل ضدّ كلّ شيء وأمام كلّ عقبة صعبة المنال أو المرام، فإنّا لا نملك سوى كلماتنا لنطلب أو حتّى نشحذ عونك، نمضغ سيّئها ليتلاشى لكنّه فينا، نبتلعه ليختفي لكنّه يكبر داخلنا. ومثل بذرة صغيرة عتيدة يكون نورُك فينا، أمّا الصّمت فما هو إلّا صراخ وهمهمات تتأهّب للبزوغ في وقتها المناسب، يتحتّم علينا في غير موضع وغير حينٍ أن نتكوّن من جديد، فكلّ بداية هي النّهاية بالنّسبة لنا، وكلّ بوح هو نهاية جديدة، أصغِ لقيلنا فأنت أصدق قيلًا، وهبنا طمأنينة فأنت خيرُ مَن وهب. كلّ الطّعنات في أفئدتنا ليست إلّا ضغائن مؤجّلة من المحيط، ووحدك النّجاة، ألا توقف فينا انمياث أقدام النّزف الدّاخليّ! نعرّفك علينا نحن الوحيدين في هذا السّباق الّذي نبحث عن نهاية أسطره، نبحث عن متعة رحلته، نبحث عن أُنْس واستئناس في الطّريق وأثناء الخفر والتّبختر. كلّ الكلمات لا تفي بالغرض، وكلّ الشّموس لا تُبرد نيران الرّوح، كلّ السّكون لا يَمحو الضّجيج، وكلّ شيء لا يمكن أن يُبرئنا عداك أنت، أنت وحدك.
أبرئ تلك الصّدور، واشفِ تلك النّفوس، وارحم ذاك الضّعف، وخفّف المصاب، وأرخِ الحبال، وأسدل ستائر الخور، وارفع شرائع الإشراق والخفّة لنصير مثل الغيم، وألهمنا اليفاعة اليفاعة! والقوّة القوّة! وأعلِ من شأن مَن رفع كفّيه إليك، وانصر مَن اسُتضعف على شرّ مُحتّم أصابه، وارفع القوافي ولا تكسر فينا الضّلوع، فأنت خيرُ مَن يُذكر ويُشكر ويُطلب منه رجاء ولا يُؤمر. شكرًا لأنّك موجود، لأنّك تُصغي فتُجيب، وتقترب لترفع، ولا تبتعد حتّى في أشدّ أوقات البلاء وقوعًا، شكرًا ليس لشيء فقط لأنّك هنا، تمدّ العون، وتشدّ الأزر، تكون العضد المشدود في ارتخاء اللّحظات والشّعور.