احنا مش ملايكة ولا أنبيا ولا معصومين

د. أسماء السيد سامح | مصر

مهما كان الشخص اللي اصطفيته عشان تحكي له أسرارك وتحط إيده على مواجعك النفسية ومخازيك -وحتى لو كان في نفس محنتك!- غالبا عمره ما هيقدر يتحرّر من الحكم الأخلاقي والديني عليك، وهتلاقيه في وسط ما انت منهار أو بتتوجع يشاور بإيديه ويقول لك: ده غلط وده صح وده حلال وده حرام!

هو مش فاهم إنك عارف كل ده وبتتكوي بيه ليل نهار، وإنه مش جاي لعم الشيخ يوعظه، وحتى لو عم الشيخ وعظه هو مش في المود ده، وإذا كان بيعمل شيء غلط فمش بإرادته ولا مبسوط بيه.

في بعض مراحل الخلل النفسي والانهيار، ساعات بيُخيل إلينا إن مشينا الصح وقيمنا ومبادئنا هي اللي وصلتنا لكل الخسارات والفقد اللي بنكابده، فنقرّر نجرب الطريق التاني.. يمكن. الموضوع بيبقى فيه جزء قهري ولا إرادي كبير جدًا حتى واحنا واعيين بنعمل إيه، وممكن -بلا شك- يُفضي بينا لمزيد من الخسارة، لكن مع ذلك بنبقى محتاجين نجرّب، ونطرق كل الأبواب المتاحة والممكنة.

ورغم إن الدين مكوّن أساسي في حياتنا، ولا مفر من الانصياع تحت لوائه في النهاية، لكن ساعات بتخرج شوية عن إطاره، بتغلط، بتحيد عن الطريق، مش عشان انت كافر ومارق وابن كلب قدر ما هي محاولة للتخفف شوية، لعزل العوامل وتحييد الحاجات، ورؤية الدنيا بمنظور جديد والتجربة، والأكيد إن كل واحد ليه حساباته وخياراته في الحياة، ومنظومته القيمية والاجتماعية، والحاجات اللي ما يقدرش يخسرها، ويقينا ما حدش هيحاسب على مشاريب حد.

بتكلم عن الناس العادية، مش أولياء الله الصالحين، اللي بركعة يحلوا كل مشاكل الدنيا، وبسجدة يصلوا لليقين وخلاصات الأشياء، بتكلم عن ملح الأرض، المهزومين والمحبطين والخائفين والمجروحين والمطعونين والضالين، اللي بيحبوا ربنا وموقنين من رحمته لآخر المدى، وواثقين إنه مش واقف لهم على الواحدة، ولا مستني لهم غلطة عشان يخلّيهم رماد تذروه الرياح، لكن هيمد لهم بساط التجربة وهيصبر عليهم لحد ما يكتملوا.

ولما حد يفتح لك صدره ويفضفض لك، في الغالب ما بيبقاش عايز منك غير إنك تسمعه، يعني لا تحل له حاجة ولا توعظه ولا تباهي بطهارتك في مقابل سقوطه ولا تكذب وتقول له كل شيء هيبقى كويس، فخلي بالك: الكلام اللي هتقولهوله في لحظة المكاشفة بالوجع واللهجة والتون بيفرقوا جدا جدا جدا، لأن كلمة واحدة غلط تتقال هتقفله منك للأبد، وتخليه يهرب، مع إنك يمكن تكون آخر إيد ممدودة له!

احنا مش ملايكة ولا أنبيا ولا معصومين من الغلط، والله العظيم احنا في منتهى منتهى الهشاشة، منتهى الضعف والاحتياج، منتهى اليأس من كل حاجة وأي حاجة، منتهى التعلق بما هو أقل من القشة، وقرار الكلام مع حد أصلا والفضفضة ليه زي الجبل على قلبنا لأننا عارفين إن مفيش حاجة هتتغير، بس بنعمله، عشان نقول لنفسنا إننا جربنا وفتحنا قلبنا للناس وحاولنا لآخر لحظة!

والقرارات اللي دايما ناخدها بالابتعاد عن الناس، وقفل حياتنا على روحنا، بتبقى جادة وحقيقية وممضية بالقهر والمكابدة،ما بتبقاش تهويش ولا عشان الناس تقول لنا: ما تمشوش، انتو حلوين وكيوت وإحنا بنحبكم، لكن اللي بيخلينا نرجع تاني كلمة افتكرناها لحد فرقت معانا، ذكرى اتحفرت عميقا في القلب أو الأمل- أفيون القلوب- ابن الكلب الأمل، إن فيه حاجة هتتغير!

فما تقطعوش إيد حد اتمدت لكم، وما تحكموش على حد، انتو ما تعرفوش أي حاجة عننا، ولا ما كابدناه عشان نقف قصادكم النهارده بما يبدو إنه ثبات ونضج، ولا الصراعات والوحوش والعفاريت والمواجع اللي بتلتهم روحنا ليل نهار، خليكم على الحافة، وبينا وبينكم المودة والرحمة والونس.. بس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى