هذيان الحمى

عبد الغني المخلافي | اليمن
انتهيت من كتابة نص جديد وقمت بنشره على صفحتي وأسرعت بالرد على أكثر من تعليق للأصدقاء. تداعى فجأة جسمي ولم أستطع الاستناد على متكأي، استلقيت والألم ينخر مفاصلي والحمى تشعل بدني ورأسي بوزن لا أقدر على حمله.

قبل ذلك كنت قد شعرت بثقل في جبهتي، قلت: ربما عارض زكام أو لفحة هواء. أكثر من مرة أذهب إلى الحمام وأجد حرقة شديدة في بولي، وعزوت ذلك إلى فعل القات، كل ذلك مقدمات لما حل بي. طلبت من زوجتي إحضارِ فراش إلى مجلسي من الصعب ذهابي إلى غرفة نومي وحرارتي تعلو ونشاطي ينخفض.

أدخل في حالة هذيان. أسمع همهمات. أغيب في كوابيس مفزعة وأحلام سريالية متداخلة. أطوف في مدن وبلدان بعيدة. أرجع إلى موطن غربتي، يتساءل أصدقائي: ما الذي عاد بك، و أنا أتساءل :ما الذي جاء بي من جديد.
أقوم بصياغة نص وضبطه وتنقيحه وإلقائه على جمع غفير ويقابل بسخرية صاخبة فأصاب بالذعر، أستفيق بشكل خفيف، أجدُ تمتمات أبنائي وأحفادي يلعبون حولي.
تناديني أمي بصوت مشاب بالخوف والقلق كيف أنت يا ولدي؛ لا أستطيع إجابتها.أرفع جفوني، أرى صورًا هلامية ومشاهد غير واضحة.
أجسام غريبة تتدفق من نوافذ منزلي كالنمل تمزق أعضائي. أجدني قبالة عربة كبيرة لا أستطيع الهروب منها فتسحقني بعجلاتها.
أسقط من شاهق عالٍ فتتهشم عظامي. أعيش عذاب القبر. زرت أبي في آخرته ، قال : مالذي جاء بك سريعًا.
قبل أيام سردتُ نصًا فيه شوقي الجارف إليك فتحقق لقائي بك .
-لقد قرأتُ نصك كاملًا، فأسلوبك في الكتابة تطور،
لكنك تراجعت بأشياء أخرى.
ما هي؟
-صحتك وتواصلك مع الآخرين وجلب نسخ كتبك إليّ .
كيف علمت بإصداراتي، واطلعت على نصي.
-من خلال صفحات الفيس بوك والمواقع الإلكترونية، فلدينا جوالات وكمبيوترات وإنترنت بسرعة عالية .دهشتي كبيرة كانت.
فإذا كان لديكم إنترنت وأجهزة ذكية ووسائل تواصل، فأنتم في نعيم، فالحياة صارت صعبة ولا تطاق، الكل يتمنى لو يموت، فمابالك لو علموا بتوفير خدمة الإنترنت، وبهذه الجودة التي تحدثت عنها؛ أظنهم سيستعجلون رحيلهم، فالأفضل أن تكون بعيداً عن متطلبات الحياة الثقيلة والخانقة، ومنصرفًا عن هموم و أزمات وويلات الحرب.
أظنك تقرأ ما أنشره على صفحتي.
-لا أستطع قراءة كل ما تنشره.
-أرسلت لك أكثر من طلب صداقة، لكنك لم تقبل.
لايمكن أن يحدث ذلك مني.
– لا عليك قد يكون بسبب تغيير أسمي .
-فاسماؤنا تختلف عما كانت عليه في عالم الأحياء.
– سيكون لك من الآن اسمًا مختلفًا وسيصير مرتبطًا باسم أمك وليس كما كان في الدنيا.
بعدها سألني عن أولادي وعن أخواني، وكنت ألمح خلف ظهره أقارب يجلسون في حلقات، أشرتُ نحوهم بإصبعي لكنه قال: لا أحد يعلم بقدومك، لو عرفوا لجاؤوا يسألونك عن أهلهم وأقاربهم،
-دعنا نكمل أحاديثنا وسيكون معهم لك جلسات.

      أعادتني رفسة قوية من حفيدي الصغير النائم جواري إلى همهمات الأبناء والزوجة والوالدة، وضوء المصباح الخافت فوق رأسي، والنباح الذي يأتي ويختفي، وأذان الفجر المتسلل من مِئْذَنَة الجامع المجاور والحمى المتراجعة ببطء تحت وطأة الكمادات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى