مساءلة الصبر ومعاتبته في الأغنية المصرية
أ.د. كاميليا عبد الفتاح – مصر – الإسكندرية
الناس قالو لي الصبر جميل
شافوه صحيح ولا حكاية؟!
وكل شيء ما علهشي دليل
مالوش لا أصل ولا نهاية!
حتى العطّار في الصبر احتار
ياعطّارين دلوني الصبر فين ألاقيه!
ربما تكون هذه الكلمات- للشاعر أبو سمرة- أول جرأة مصرية على الصبر. وقد وجدتْ هذه الجرأة تشجيعا وترحيبا كبيرا من الشعب المصري المُترع بكأس الصبر، فشجّع المطربة “أحلام” -إلى حد وضعها في مصاف الشهرة والمجد- بعد أن شدتْ هذه الأغنية من لحن الكبير جدا محمود الشريف.
حرّضت كلمات هذه الأغنية على التشكيك في جمال الصبر، والنشكيك في (الرواة) الذين تناقلوا أخبار جماله، انطلاقا من رؤية جديدة.!
أمّا الشاعر “صلاح أبو سالم”، فقد خطا -في الجرأة على الصبر- خطوة أبعد، محطما الخطاب الشعبي الموروث حول الصبر، فخاطب “أيوب” مستنكرا: ما صبرت صبرك/ لقيت الصبر يا أيوب/ لا بيوصّل ولا يقرب/ فى يوم محبوب. وقال متشككا: وازاى الصبر طيب/ وطريقه مش قريب ؟! وأعلن في شجاعة عزمه على عدم اصطحاب أيوب في رحلته:
أيوب: أنا مالى ومالك؟
أيوب: ليه أقول موالك؟
أيوب: أنا بعت الصبر../بعت الصبر يا أيوب!
من المُدهش أنّ الشاعر ساق على لسان الكورس خطابا – مغايرا – احتفائيا بالصبر، مليئا بالرضا والاحتضان -والقبول- لمراراته، يتردد هذا الخطاب بمثابة القفل لكل فقرة- أو كوبليه -من الأغنية. رامزا بالكورس إلى الضمير الشعبي والموروث التقليدي حول الصبر. يقول الكورس:
الصبر طيّب/ صبرنا أجمل دوا
للعاشقين والمغرمين وأهل الهوى
على صعيد اللحن -وتوزيع الأدوار بين المطرب والكورس- يستهل الكورس الأغنية مناديا:
“يا صبر أيوب” معبّرا عن ثقته بهذا الصبر، وانتمائه لنهج أيوب، ثم يظهر صوت محرم فؤاد، ليقدم الخطاب المغاير، بادئًا بنقد الصبر، ومساءلة أيوب فيما يشبه السخرية الخفيّة:
أيوب يا صابر/على صبر ما بتسأل
أيوب وفاكر/ إن الصبربيوصّل!
يرد الكورس-على هذه المساءلة الساخرة-بالعبارة الثابتة التي تمثل القفل لكل (كوبليه):
الصبر طيب/ صبرنا أجمل دوا
للعاشقين والمغرمين وأهل الهوى
تتصاعد وتيرة الخلاف بين الطرفين بالانتقال من كوبليه إلى آخر، حيث يطرح العاشق تجربته: حرمانه، سهده، شوقه، مؤكدا عجز الصبر عن مساندته في الوصول إلى الحبيبة، وعجز الصبر عم مواساته.
وبهذا التباين بين الخطابين: خطاب العاشق، وخطاب الضمير الجمعي، استطاع الشاعر أن يحلق مناخا من التوتر الدرامي حول أهمّ سمة من سمات المجتمع المصري، وأهم مكوّن من مكوناته الشخصية: الصبر. يجسد اللحنُ هذا التوتر الدرامي، حيث تأتي عبارة الكورس في جملة لحنية ثابتة تحاكي دقة الزار الشعبي – إيقاع الذّكر في الوقت ذاته- ممّا يتناسب مع تمثيل الكورس للضمير الشعبي. أما خطاب العاشق، وهو الخطاب الذي يخلخل النظرة الموروثة للصبر، فيأتي في جمل لحنية متنوعة، مغايرة، متصاعدة في تجسيد التوتر الدرامي، ممّا يشهد ببراعة حلمي بكر الموسيقية.
كلمات الأغنية كاملة:
يا صبر أيوب
أيوب يا صابر
على صبر ما بتسأل
أيوب وفاكر
إن الصبر
بيوصّل ..!
|||
الكورس:
الصبر طيب
صبرنا أجمل دوا
للعاشقين والمغرمين
و أهل الهوى
|||
دلَّال ومشيت أنادى
وخدت الصبر زادي
دوبت بيه الليالى
ولا نولنيش مرادى
وازاى الصبر طيب
وطريقه مش قريب
ما صبرت صبرك
لقيت الصبر يا أيوب
لا بيوصل ولا يقرب
فى يوم محبوب
الكورس:
الصبر طيب
صبرنا أجمل دوا
للعاشقين والمغرمين
و أهل الهوى
|||
ليالى الشوق يا ليالى الشوق
عاشق واحتار يا ليالى الشوق
يا ليالى الشوق توهنى الليل
والليل دوار يا ليالى الشوق
ورسمت الآه على خد الليل
تاه بيَّا الليل ملقتش نهار
ولقيت الصبر ملهوش حدود
دبّل وردات الهوى ع العود
ما صبرت صبرك
لقيت الصبر يا أيوب
لا بيوصل ولا يقرب
فى يوم محبوب
الكورس:
الصبر طيب
صبرنا أجمل دوا
للعاشقين والمغرمين
و أهل الهوى
|||
أيوب أنا مالى ومالك
أيوب ليه أقول موالك
أيوب أنا بعت الصبر
بعت الصبر يا أيوب
خليه يحلالك
انا عمرى ما ح استنى مداوى
ولا هخدك ليَّا معداوى انا عمرى
رراح اطير اطير اطير اطير
راح أطير وارجع أحبابى
والصبر ما يعرف يوم بابى
ما صبرت صبرك
لقيت الصبر يا أيوب
لا بيوصل ولا يقرب
فى يوم محبوب
^^^
كلمات: صلاح أبو سالم- ألحان:حلمي بكر- غناء:محرم فؤاد