وقفات مع القرآن في رمضان (4)

عبد الله جمعة | شاعر وناقد مصري يقيم في الإسكندرية

الوصف بالجملة الفعلية في الموصوف حدوثٌ طارئ وليس أصيلاً

 

انظُرْ لهذا الجمال القرآني!.. {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)} [البقرة]

هؤلاء القوم الذين تخبر عنهم الآية لهم فيها موقفان متناقضان؛ الإيمان والاستهزاء؛ فأي الموقفين هو موقفهم الذي هم مستقرون عليه؟ أو بصورة أخرى: ما القصد الحقيق من وراء قولهم (آمنا) ثم قولهم (مستهزئون)؟ فهل كانوا يقصدون الإيمان أم يقصدون الاستهزاء؟

أخبرنا الدلاليون أن الوصف بالفعلية إنما يدل على حدوث الوصف في الموصوف حدوثًا طارئا ليس أصيلاً فيه وأما الوصف بالاسمية إنما يدل على ثبوت الوصف في الموصوف ثبوت الأصل؛ فإنك إن قلت : “فلان يسعد” ، فقد أنبأت أن السعادة طارئة عليه حادثة فيه، وإنك إن قلت “فلان سعيد” فقد أثبتَّ فيه السعادة ثبوت الأصل فهو سعيد قبل أن تلحظ أنت عليه السعادة.

وبالعودة إلى الآية نجد أنهم في موقفهم الأول قالوا (آمنا) بالفعلية وفي موقفهم الثاني قالوا (مستهزئون) بالاسمية .

إذن فالطارئ عليهم هو الإيمان والأصيل فيهم هو الاستهزاء… وكشفت الآية موقفهم الأصيل بالتغاير الحادث ما بين دلالة الفعلية و الاسمية .

ما أحكم هذا الكتاب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى