هنا فلسطين.. ،،الثلاثاء الحمراء،، ودمع أم كالنشيد
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
هنا فلسطين…
لا يكف التاريخ الفلسطيني عن منحنا العديد من الحكايات ذات الدلالات المُلهِمة، كي نصنع منها ذاكرتنا الوطنية معتصمين بها، كخارطة ضوء مشرقة، من عتمة عابرة…
إنه يوم الثلاثاء، التاسع من آب ٢٠٢٢ يذكرنا بقصيدة إبراهيم طوقان “الثلاثاء الحمراء” والتي كتبها في رثاء الأبطال عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي والذين قامت سلطات الانتداب البريطاني بإعدامهم في عام ١٩٣٠ لدورهم الوطني في ثورة البراق الشهيرة في القدس عام ١٩٢٩.
إنها الثلاثاء الحمراء نفسها بعد اثنين وتسعين عاماً غير أنها هذه المرة في نابلس، البلدة القديمة، حيث قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي باغتيال الابطال إبراهيم النابلسي، إسلام صبوح، حسين جمال طه لدورهم الوطني في نضال شعبنا ضد الاحتلال …
كأنه صوت شاعر فلسطين الكبير، إبراهيم طوقان يعبر الأزمنة في رمزية تجمع بين ثلاثاء راسخة في الذاكرة وثلاثاء جديدة تقف على أعتاب الذاكرة …
كأنها ذات القصيدة تقف اليوم بكل شموخ لرثاء ثلاثة من الأبطال في ثلاثاء حمراء جديدة، يأتي فيه صوت إبراهيم طوقان ثابتاً وراسخاً كجبل عيبال: “أرواحهم في جنة الرضوان/ وهناك لا شكوى من الطغيان …”.
التاريخ حين يندمج في الحاضر يصبح إرادة شعب لاةتنهزم رغم أحكام الإعدام المختلفة وتبدل سلطات الاحتلال على مدار الاضطهاد، فقصيدة “الثلاثاء الحمراء” تتوهج من جديد في وداع فرسان يلتحقون بركب الفرسان ويمضون بأرواح حرة نحو الشمس من أجل ضمان انتصار الضوء على كل أسباب العتمة …
إنه التاسع من حزيران ٢٠٢٢، الذكرى الرابعة عشر لوفاة شاعر فلسطين الكبير محمود درويش …
إنه صوت إبراهيم النابلسي في رسالة صوتية أخيرة، يأتي فيها صوته مشبعاً بكل الثقة والدفء: “بحب أمي …”
وكأن فيها استعادة مباشرة لكلمات محمود درويش ” أحن إلى خبز أمي/ وقَهوةِ أُمّي/ ولَمْسةِ أُمي/ وتَكبُر فيَّ الطفولةُ/ يومًا على صدر يومِ/ وأعشَقُ عمرِي لأنّي/ إِذا مُتُّ/ أخجل من دمع أُمي …
والدة إبراهيم لم تشأ البكاء اليوم، في الجنازة وذلك من أجل يظل إبراهيم حياً، ولا يشعر بأي خجل من دمع أم، رفعت جسد الابن على كتفيها وقالت: كلكم إبراهيم …
فصار الجسد نشيداً حياً في الحناجر وهتافاً في كل الطرقات، وانصهرت كلمات الشاعر في الحقيقة الظاهرة في كل الحدقات …
إنها الملحمة الوطنية في فلسطين المعاصرة، والتي لا تكف عن صناعة البللاغة الوطنية في الحياة والذاكرة …
وكأن في رحيل إبراهيم النابلسي ورفاقه ذروة المعنى حين يأتي بين قصيدتي شاعري فلسطين إبراهيم طوقان ومحمود درويش، ليصبح الرمز مكتملاً في الحياة كما المعنى في حكايات الشهادة …
الليلة أصبح للأمهات حكاية جديدة عن الوطن والأبطال والذاكرة بين سجن عكا، وعطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي والبلدة القديمة في نابلس وإبراهيم النابلسي،وإسلام صبوح وحسين جمال طه …
ذاكرة كهذه يندمج فيها حبر الشعراء مع دم الشهداء لا تموت ولا تهزم، إنما تواصل الحياة جيلاً بعد جيل على درب الحرية والنصر وإنهاء الاحتلال …
هنا فلسطين