هل حقاً تصدقون ابتسامة “أم إبراهيم”؟
خالد جمعة | فلسطين
كنتُ دائماً معنياً بزيارة أمهات الشهداء، خصوصاً أصدقائي الذين جمعتني بأمهاتهم علاقة، كما جمعتهم علاقة بأمي كذلك، وظللن جميعاً بلا استثناء، مكسورات القلب حتى لحقن بأولادهن، أما أولئك الأحياء منهن فما زلن يتشممن رائحة أولادهن في الهواء وجوار قبورهم.
فهل حقاً تصدقون ابتسامة أم إبراهيم؟
إذا كنا نحن، الذين لم نعرفه، ولم نقابله، قد بكينا، وانتظرنا الخمسين دقيقة بين نقله إلى المستشفى وإعلان استشهاده، وكأننا ننتظر أملاً سيفتح لنا باب القدر، فكيف يمكن أن يكون شعور أمه؟ أمه التي تضيف الأمومة إلى كل ما تعرفونه عن إبراهيم، إنه لحمها ودمها، حرفياً، فكيف لكم أن تتصوروا أن هذه الابتسامة هي ابتسامة حقاً؟.
حين مرضت خالتي “سكينة”، وكشف عليها الطبيب، قال إن على قلبها “درنتين”، وإن هذا ما نسميه بالعامية “علة على القلب”، وكان هذا بسبب أنهم قتلوا ابنيها بثياب النوم عام 1967، فظلت معتلة القلب عليهما إلى أن توفيت بعدها بسنوات طويلة.
لا تصدقوا دموع الأمهات حين يبتسمن ويزغردن أمام الكاميرات، وأمام حشود الناس، وحين ترونهن في هذه الحالة، فابكوا من أجلهن، لأن هذه الابتسامة تشبه تماماً عداد السيارة حين يصل إلى العدد الأقصى ويعود إلى الصفر، وبعبارة أخرى، يصل الحزن إلى مستوى لا يعود بعده مستوى آخر، فينقلب إلى ابتسامة، سيبدأ عداده من عندها من جديد.
حتى لو رأت ابنها في الجنة بعينيها، فإن هذا لن يخفف حزنها، سيبقى قلبها معلقاً به، بصورته، بغرفته، باللحظات التي كانت تشتاق إليه ويمنعها الجيش من رؤيته، ستبقى متعلقة بكلمته الأخيرة “بحب أمي”، وسيبقى اسمه ملتصقاً باسمها، كتعريف هوية جديد “أم إبراهيم”، وستظل حزينة ما تبقى من عمرها، حتى لو ابتسمت في كل مقابلات العالم.
هي لا تكذب، لا تمثل، لكنها مغيّبة من جلال المشهد…
لا تصدقوا، وإن مثلتم أنكم تصدقون، فتصوروها حين تنفرد بفراشه وصورته بعد أن ينصرف المعزون، واعرفوا في داخلكم أن الأمهات يفقدن لحماً ودماً حين يموت الأولاد، ولا توجد بطولة لأم في مواجهة موت ابنها، مهما كانت قدرتها على التحمل عظيمة.