حالة فُصام..
سهيل كيوان | فلسطين
يعيش العرب الفلسطينيون في إسرائيل حالة من الفُصام في تصاعدٍ مستمر، بين مواطنتهم وبين هويتهم القومية. هذا يظهر في كل مجالات الحياة، ولكن أكثرها وضوحًا هي كرة القدم، نظرًا لجمهورها الكبير أوّلا، ولأن الصورة تبدو واضحة أكثر من غيرها بصورة مباشرة.
لعب كثير من الرياضيين العرب مع فرق يهودية من مختلف الدرجات، وخصوصًا الممتازة والعليا، وكثيرون منهم كانوا وما زال بعضهم نجومًا في فرقهم، ووصل بعضهم إلى أوروبا وأميركا اللاتينية وحتى إلى الصين،
كذلك حققت فرقٌ عربية عديدة، إنجازات رياضية كبيرة في الدوري الإسرائيلي، ولعبت في الدرجة الممتازة والعليا، وفاز أبناء سخنين مثلا في كأس دولة إسرائيل عام 2009 لأول مرة منذ قيام الدَّولة، وبلا شك أن هذا أغاظ العنصريين، الذين يحلمون بدولة خالية من العرب، أو مع أقلية من عاملين في الأشغال الشّاقة والخدمات لا غير.
هنالك لاعبون من العرب في المنتخب الإسرائيلي، وكذلك في النوادي الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي منتخب فلسطين.
مشاركة لاعبين من العرب في المنتخب الإسرائيلي كان مكسبًا إسرائيليًا صافيًا، فهي بمثابة شهادة حسن سلوك للدولة تجاه مواطنيها العرب، على الأقل في هذا المجال، وهي غمزة عن رغبة في التقارب الحذِر بين الطرفين.
لهذا اعتبر أكثر الجمهور العربي هذا إنجازًا، وتفاخر بلاعبيه في المنتخب الإسرائيلي ولكن بحذَر، فقد منحهم شبكة أمان وحاضنة شعبية تؤيِّدهم وتشدُّ على أياديهم، ليس حبًّا بالمنتخب، بل تقديرًا لجهودهم الفردية في التميُّز وتحقيق الذات، ولكن هذا الحب والاحترام مشروط بعدم التنازل عن الهوية القومية والوطنية كعرب وفلسطينيين، ومن يتنازل في قولٍ هنا أو هناك، يفقد جمهوره ويخسر على المدى القصير والبعيد، وهو ما حدث لأحد اللاعبين قبل بضع سنوات، الذي اضطر لتوضيح وتبرير أحد تصريحاته والتراجع عنه.
إن ظهور عربي بصورة متميِّزة في فريق ما، سواء في البلاد أو خارجها، يعزِّز شعورًا داخليًا لدى أبناء شعبه بالفخر القومي وبالقدرات الذاتية والثقة بالنفس.
إلا أن العنصريين يأبون إلا أن يزدادوا توحُّشًا، ويصرّونُ على رفض الآخر، حتى لو تماهى معهم وكان عاملاً مُهمًّا في تحقيق الفوز لمنتخبهم أو فريقهم.
العنصرية لا تتقبل وجود العرب من الأساس، ولهذا من الصعب عليها أن تهضم وجود لاعبين مميزين عمومًا وفي المنتخب بشكل خاص! العنصريون يريدون انتصارات “طاهرة” يحققها اللاعبون اليهود فقط بدون ختم عربي، ولأنهم لا يرون العربي إلا مهزومًا وضعيفًا وممنوعًا من التعبير عن مشاعره الحقيقية تجاه شعبه ومقدساته، ويرفضون أن يروه مميَّزا حتى ولو كان مردود تميُّزِه لصالحهم.
في الحقيقة أنه كي يُقبَلَ عربيٌ ليشغل منصبًا كبيرًا في مركز علمي أو فني أو رياضي وغيره، فعليه أن يكون مميَّزًا جدًا ومتفوقًا بمسافة كبيرة عن زملائه اليهود، هذا ما يعرفه الجميع في مؤسسات الدولة، وفي الشركات والمصالح الخاصة، إلا أن هذا الأمر يبقى غير ظاهر للأعين، ولا يدري به سوى أصحاب الشأن في تلك المؤسسات، إلا في كرة القدم، فاللعب مكشوف، والجميع يستطيعون أن يروا المتميِّز من العادي أو المتوسط.
يشتد الانفصام خلال منافسة الفرق العربية على كأس الدولة إذ يبرز تمسُّك جمهورهم بالرموز الفلسطينية خلال المباريات، مثل رفع علم فلسطين، وإنشاد الأغاني الوطنية الفلسطينية والعربية، تشجيعًا لفريقهم.
ما حدث لمؤنس دبور في الأسبوع الأخير، عندما سجَّل هدفًا لصالح المنتخب الإسرائيلي ضد منتخب جزر الفارو، عكس حالة الانفصام بصورة ساطعة، مؤنس الفلسطيني ابن الناصرة يُسجِّل للمنتخب الإسرائيلي هدفا مهمًا ويَطبخ هدفًا، والجمهور المتخم بالعنصرية يردّ في (بوز) ضده، بدلا من أن يفرح ويعبِّر عن تقديره، مؤنس يواجه الجمهور العنصري بحركة يقول لهم من خلالها هشششش، اصمتوا.
أيال بيركوفيتش نجم الكرة السابق، ومقدِّم لبرنامجٍ صباحي يوم الجمعة في القناة الثانية عشرة، يحرِّض ضد وجود لاعبين من العرب في المنتخب ويدعو لطرد دبُّور منه، ويرى العنصريون في حركة دبور جريمة لا تغتفر، ويرى “المعتدلون” أنه تجاوز حدوده وعليه الاعتذار والبقاء في المنتخب.
بعض اليساريين الإسرائيليين يدعون مؤنس دبّور واللاعبين العرب إلى الصمود في وجه الغوغاء العنصريين، فاليساريون يعون ما تعنيه القطيعة مع العرب في كرة القدم، هذا المعقل الجماهيري الكبير، ويدركون أهمية هذا القاسم المشترك شعبيًا رغم كل التشويهات التي يعانيها، القطيعة في الرياضة وفي كرة القدم تعني فقدان الأمل وحتى اليأس من إمكانية التعايش بين الشعبين في أبسط صُورِه.