أفكك الموت إلى عناصره الأولية
بقلم: خالد جمعة
له بداية، هو ذاته بداية، ويلزمه جثة وقبر ومشيعون ومعزون وبكّاؤون…
في غزة، تتغير صورة الموت، لأن صورة العناصر الأولية تتغير كذلك… لماذا؟
لأنه بدون بداية، هو دائماً هناك، في الهواء والسماء والماء، قد يأتيك، وقد “نصف” يأتيك، وقد لا يأتي وينظر إليك من بعيد هذا مبدئياً…
ولأنه كذلك لا جثة هناك، يد ربما، أو فحمةٌ فقدت لونها البشري ربما، أو اختلاطُ أفكارٍ بين شهيدين ربما، لا أحد يعرف فأنت في حضرة مجهول الهوية، هذا ثانياً…
قد تموت على فترات حين تبقى تحت الركام، قد تنتمي للموت ولا تموت، تفقد الوعي، وتصحو، وما زال قضيب الحديد يمسك بساقك، ولا تعرف الليل من النهار، تشعر بالجوع والعطش، وكتلة أوهام تتكسر في قلبك وعقلك ولا تموت، يصبح الموت أمنية ولا تموت… هذا ثالثاً
القبر؟ لا مكان، وحين يقصف طيارٌ محترف تلك المقبرة، فأنت تموت ثانيةً هذا إن وجدوا لك مكاناً، المقابر في غزة طبقات، أسعد المقيمين فيها هم من مر عليهم أربعون عاماً فصاروا تراباً، لا يهمهم أي شيء… الباقون معذبون في الموت كما كانوا معذبين في الحياة، منسجمون مع أنفسهم حياةً ومماتاً… رابعاً طبعاً…
المشيعون يشيعون فكرةً لا جسداً، والفكرة تبقى في قلب الأم عادةً والأم لم تعد هناك… خامساً…
البكّاؤون فقدوا دمعهم… سادساً وأخيراً
الخلاصة: الموت في غزة لا عناصر أولية له كي نفككه، الموت في غزة لا ينتمي للموت في المعجم، ولا يفهمه أحد إلا من مات فعلاً..