رحلت أيقونة الأغنية السورية ميادة بسيليس بعدما اطمأنت لعودة وطنها
زياد شليوط | شفاعمرو – الجليل – فلسطين
احتضن تراب حلب الشهباء يوم الجمعة الماضي، جثمان المغنية والمرنمة السورية الشهيرة ميادة بسيليس – أيقونة الأغنية السورية، والتي انتقلت للأخدار السماوية ليلة الخميس 18 آذار 2021، عن عمر يناهز 54 عاما، بعد صراع مع مرض السرطان الخبيث. وشكل خبر وفاتها صدمة كبيرة للجمهور السوري والعربي، حيث جاء بعد أقل من شهر من إعلان زوجها الموسيقي والملحن سمير كويفاتي، نبأ إصابتها بالسرطان. وقد عرفت بسيليس بتقديمها سلسلة من الأغاني على مدار أكثر من خمس وعشرين سنة، أبرزها أغنية “كذبك حلو”، إضافة لتقديم أغاني العديد من المسلسلات والأفلام السورية والعربية.
بسيليس من مواليد مدينة حلب في العام 1967 وبدأت مسيرتها الفنية مبكرا، إذ صدر لها 14 البوما، وحازت الراحلة الجائزة الذهبية لأفضل أغنية عربية 1999 عن أغنية “كذبك حلو” وتولت غناء شارات مسلسلات عدة مثل “أبناء القهر” وآخرها “حارس القدس” الذي روى سيرة المطران الراحل هيلاريون كبوتشي، وهو ابن حلب كذلك لكنه حرم من الدفن في ترابها بينما حظيت بذلك بسيليس، حيث حمل نعشها في شوارع المدينة ووصل إلى كاتدرائية “أم المعونات”، بينما كان صوتها المميز يصدح بالترانيم الدينية، وسط حضور عائلتها وعدد كبير من الفنانين والفنانات بينهم أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، أمل عرفة، وائل رمضان، سلافة معمار، غسان مسعود، سامر البرقاوي وآخرون من محبي وأصدقاء الفنانة الراحلة، الذين سبق ونعوها بكلمات دافئة اثر اعلان وفاتها بينهم الفنان أيمن زيدان الذي وصفها بـ”الأيقونة المبدعة”، وكتب على صفحته الشخصية “تهزمني الكلمات وأنا أشيع قطعة من القلب”، وكتب باسم ياخور “كم هو محزن خبر رحيلك أيتها الفراشة. وداعا ميادة بسيليس”.
وعندما وصل الخبر إلينا هنا فوجئت أن عددا لا يستهان به من الناس تساءل من هي ميادة بسيليس؟ ورغم دهشتي الكبيرة الّا أنها سرعان ما انقشعت، فالمسؤولية تقع على وسائل الاعلام وليس على الناس الطيبين. صحيح أن سجل ميادة حافل بالأغاني والأعمال الفنية الراقية والملتزمة، لكنها لم تنل شهرة كاذبة كالتي تنتشر في أيامنا لبعض مدعيات الفن والدخيلات عليه، من أصحاب الفضائح والمظاهر الفاضحة والكلام الفارغ الذي تتناقله وسائل الاعلام للأسف وتكشفهن على الشاشات، وميادة لم تكن من هذا الصنف، بل هي من مدرسة فيروز التي تخرجت منها ماجدة الرومي وجوليا بطرس وميادة بسيليس، لذا لم يكن لهن مكان في اعلام الشهرة الكاذبة والنميمة.
رغم عدم حصولها على الشهرة الواسعة إلا أن ميادة بسيليس رحلت بعدما تركت بصمة في الأغنية السورية خاصة والعربية عامة، تتلخص بذلك النهج الغنائي الراقي وصوتها الذي يجمع بين القوة والرقة الملائكية، وما يؤكد ذلك تلك الجوائز التي حصلت عليها منها “الأورنينا الذهبية” ثلاث مرات، والجائزة الأولى في مهرجان الموسيقى العربية في الدار البيضاء، والجائزة الذهبية لأفضل أغنية مصورة والذهبية في مهرجان القاهرة وغيرها. كما أحيت بسيليس عددا كبيرا من الحفلات داخل سوريا وخارجها، بينها حفلة في مجمع “قصر الفنون الجميلة” في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، وأخرى في دار الأوبرا في مدريد بإسبانيا ودار الأوبرا المصرية.
عرفت ميادة بسيليس واشتهرت بأغنيتها المميزة “كذبك حلو” الرائعة كلمة ولحنا وأداء، ويمكن اعتبارها من أجمل الأغاني العربية على الاطلاق، وقد استذكرها الكثيرون لدى اعلان نبأ وفاتها، وتمنوا لو كان خبر وفاتها “كذبة حلوة” من ميادة، لكن سرعان ما تبين الخبر الحقيقي المر والمؤلم. عرفت ميادة بتواضعها وخجلها واهتمامها بأسرتها وبيتها، ولم تتخذ الغناء احترافا ومهنة، مما جعلها مقلّة في الأعمال الفنية لكنها مجيدة فيها.
عرفت ميادة في البداية كمرنمة في الكنيسة، ولها الكثير من التراتيل والترانيم الدينية المسجلة والمصورة، وخاصة ترانيم الأسبوع المقدس وآلام السيد المسيح (له المجد) التي سنستمع إليها كثيرا في الأسبوع المقبل. وبعدما التقت بالموسيقي سمير كويفاتي، الذي اقترنت به فيما بعد وكونا أسرة، تأكد بأنها تمتلك خامة صوتية مميزة تنقل الأحاسيس والمشاعر وتترك أثرا في النفوس، فوجد فيها ضالته المنشودة لأداء أغاني شارات المسلسلات، حيث أدت منها الكثير، كان آخرها شارة مسلسل “حارس القدس”، الذي روى سيرة المطران المناضل، ابن حلب، هيلاريون كبوتشي والذي درس وخدم في القدس وكان حاملا للقضية الفلسطينية حتى الرمق الأخير من حياته ودفع ثمن ذلك سنوات كثيرة من حياته سجنا وتعذيبا ونفيا. وسبق أن أدت ميادة قصيدة “أجراس بيت لحم” للشاعر الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب، الذي كتب أيضا قصيدة “حارس القدس”، فكانت ميادة نصيرة للقضية الفلسطينية بفنها، مما وضعها في خانة الفنانات الملتزمات.
كما عرفت ميادة بروحها الوطنية وانتمائها الكبير لوطنها السوري ومدينتها حلب، حيث رفضت الرحيل عنها طوال سنوات الحرب الكونية على سوريا، وبقيت وفية لوطنها وشعبها على عكس عدد من الفنانات اللاتي كشفن مدى ضعف انتمائهن الوطني، وتركن سوريا تأييدا لأعدائها وغارقات في مستنقع خيانة الوطن صاحب الفضل الكبير عليهن وعلى نجاحهن. مثلت ميادة قيمة الصمود الحقيقي أمام التآمر على بلدها، وقدمت العديد من الأغاني للشهباء حلب ولسوريا الأم، حيث أدت أغنية جميلة من كلمات وألحان زوجها سمير بعنوان “مشتاقة أنا”، عبرت من خلالها عن اشتياقها لمدينتها حلب التي تعرضت للتدمير والتخريب وتهجير أهلها من قبل العصابات الإرهابية ومن يدعمها، فتقول في أغنيتها مخاطبة حلب ” مشتاقة أنا أمحي سنين الحرب ورجّع يلّلي كان، مشتاقة أنا أمسح دموع البكيو من غدر الزمان”. وأغنية “شوفوا بلدي” التي تتغنى بها بالمآثر السورية من عادات وحضارة وعيش مشترك، فتعود فيها وتردد المقطع الذي يقول “شوفو بلدي بلد الشمس اللي بتشرق حرية، شوفوا بلدي وكيف الحب بيتصدّر للبشرية”.
وما يعزي في وفاة ميادة أنها عاشت أجمل اللحظات التي شهدت فيها تحرير حلب من العصابات التكفيرية المدعومة تركيًا وغربيًا، وبداية عودة الاستقرار لوطنها السوري الحبيب، فإلى جنّات الخلد يا قيثارة وأيقونة الأغنية السورية الشامية ميادة بسيليس التي سنبقى مشتاقين لطلتك وصوتك وأغانيك الرائعة أيتها “الطيوبة” و”الغالية” و”رح دايما نهواك على عيني” مع “حارس القدس” في قرعه لـ “أجراس بيت لحم” وهو يرى بلده يستكمل تحريره واستقراره.