ثورة الـ ٢١ من سبتمبر ضد التبعية والتطبيع
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
أصبحت التبعية للقوى الإمبريالية، هي السمة السائدة في طبيعة العلاقة بين تلك القوى والحكومات العربية، وبحكم تلك العلاقة، أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، هو مضمار سباق الحكومات العربية، لإرضاء القوى الاستعمارية، المتبنية لذلك الكيان، وذلك ما تجلت كثيرٌ من مظاهره وصوره، في معظم بلدان الربيع العربي، ناهيك عن دول الخليج العربي، التي لا تعدو الأنظمة الحاكمة فيها، كونها كيانات وظيفية، خالصة الهوى لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرهم، وبسقوط الجماعات الإسلامية أخلاقياً ودينياً وقيمياً، في أكثر من بلد عربي، بعد تسلمها الحكم، سقطت آخر أحلام الشعوب في الخلاص، وحصل تصدع رهيب في بنية المجتمعات، التي انقسمت – بفعل التوجه الإمبريالي – إلى فئة اعترفت بالهزيمة، وأعلنت استسلامها لقوى الهيمنة العالمية، ومدت يدها علناً، معلنة استعدادها المطلق خدمة عدوها، وفئة أخرى وقفت على النقيض ظاهرياً، واحترفت التعصب الديني، لتنفذ مخططات الإمبريالية، وخدمتها من جانب آخر، وبصورة تنم عن غباء فظيع، وعمالة بالغة الانحطاط والتفاهة، وأصبحت المنطقة العربية، تغلي على وقع تحولات عاصفة، ومتغيرات كبرى رسمتها السردية التاريخية الإمبريالية مسبقا، وأصبح التنبؤ بما ستؤول إليه تحولات التاريخ المصنوع سلفاً، عبارة عن تحصيل حاصل.
استطاعت ثورة ال٢١ من سبتمبر ٢٠١٤م، صناعة التحول العظيم، الذي كسر السردية التاريخية الإمبريالية، التي طالما عملت سلفاً، على إخراج تاريخ اليمن حاضراً ومستقبلاً، ضمن السردية التاريخية العامة للمنطقة العربية، ولم تكن تتوقع مجيء ثورة ال ٢١ من سبتمبر ، التي هدمت كل أحلامها ومخططاتها، ونسفت كل مواضعات الهيمنة والتسلط والاستكبار، لتصنع من خلال القيادة الربانية الثورية الحكيمة، والإرادة الشعبية، مسرداً تاريخياً مغايراً للسائد والمألوف، من مواضعات التبعية والإرتهان والاستلاب.
وفي الذكرى السابعة لهذه الثورة المباركة، يستطيع المتابع للأحداث والتحولات، قراءة مابين السطور، ومشاهدة حجم الإرباك والاضطراب، الذي طغى على المشهد السياسي العسكري، إقليميا، وحجم الإخفاقات والهزائم، التي مُنيت بها القوى الاستعمارية، وسقوط هيبتها ومكانتها عالمياً، بالإضافة إلى سقوطها قيمياً وأخلاقياً، الأمر الذي أعاق وأفشل مشاريعها الاستعمارية، وحد من نفوذها وتسلطها، وقضى على أحلام الكيان الصهيوني الغاصب، وأفقده ثقته بحليفيه الأمريكي والبريطاني، بعد عجز هذين عن الوقوف إلى جانب عملائهما في المنطقة، وخاصة حكام الخليج العربي، وتخليهم عنهم بتلك الطريقة المهينة، رغم استمرار عملية (الحلب) ونهب الثروات، لرفد خزائن تلك القوى الاستعمارية.
استطاعت ثورة ال ٢١ من سبتمبر، وهي الآن في عامها السابع – أن تحدث تحولاً فارقاً وهائلاً، في السردية التاريخية اليمنية – التي صُنعت في اليمن – وأصبحت عبارة (Made in Yemen) هي التحول المفصلي الثاني في السردية التاريخية العربية الإسلامية، والإنسانية بشكل عام، حيث كسرت هيمنة السردية الإمبريالية، التي تحكمت فترة من الزمن بمسار التاريخ الإنساني عامة، ودول العالم الثالث على وجه الخصوص، وفتح العالم عينيه، ليرى مارداً يمنياً، قال: (هيهات منا الذلة) والارتهان والاستلاب، لقوى الشر والظلام، واستطاع أن يصنع لتمرده قيمة، ولرفضه معنى، ولم يستسلم لاستراتيجية المحو الإمبريالية، التي استهدفته – عبر تحالف عالمي – سياسيا واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً وقيمياً، وفرضت عليه حصاراً شاملاً مطبقاً، براً وبحراً وجواً، لتمارس أبشع عملية إبادة جماعية وحشية، بحق شعب بأكمله، ضاربة بما تدعيه من شعارات الحقوق والحريات ورعايتها، عرض الحائط، كاشفة عن حقيقتها، كعصابة أممية استعمارية، تمارس أبشع وأقذر أشكال التسلط والهيمنة والنهب والاستعباد، بحق الشعوب المستضعفة.
قدمت ثورة ال٢١ من سبتمبر ٢٠١٤م، خلال سبعة أعوام، من مسيرتها النضالية العظيمة، دروساً بالغة العظمة والثراء، في الحرية والسيادة والاستقلال، وبناء الذات الإنسانية، والانتصار للحق والتحرر والاستقلال، والاعتماد على الذات، وأصبح المستحيل ممكناً، وأصبحت انتصارات الشعب اليمني، هي تاريخه الخاص، الذي يصنعه بنفسه، ومستقبله الحقيقي، الذي يرسم أبعاده، ويحدد فيه مكانته بين الأمم والشعوب، غير عابئ بأنظمة الهيمنة والاستكبار، وعلاوة على كونه قد أصبح محط أنظار العالم، فلن نجاوز الحقيقة، إن قلنا إن شعوب العالم – وخاصة الشعوب المستضعفة – قد عقدت أمل خلاصها على اليمن، مؤمنة بقدرة هذه المسيرة القرآنية العالمية، على انتشالها من هيمنة السردية التاريخية الإمبريالية، ومساعدتها على صنع تاريخها الخاص، ولنا في قادم الأيام شاهد لا يكذب.