شعر جديد فى ديوان “يأجوج” للشاعر محمد أبو طالب

د. علي محمود الأصمعي | دكتوراه فى الأدب والنقد
رئيس قسم اللغة العربية وآدابها، بكلية الآداب، جامعة خاتم المرسلين العالمية

مثل الشاعر فى صعيد مصر واحداً من أهم رموز هذا الريف ،وساهم فى تشكيل وجدان الناس وحفظ حكاياتهم وأمتع آذنهم وأطربهم فناً، وتسلية وجمالا، وكانت الشاعرية عند هذا الشاعر مهنة يقتات منها ويرتزق عنها أجراً ،وخاصة أن مهنته تأتى دائما مع أيام فيضان النيل وحصاد المحاصيل؛ حيث الخير والرزق والأفرح والمناسبات الدينية مثل الحج والعمرة أو البشرى بالطفل الذكر.
وكان الشعراء الذين يمتهنون هذه المهنة من النساء والرجال، ولكل شاعرة أو شاعر موقف محدد تقول أو يقول فيه شعرها او شعره، وقد امتدت فترة مهنة الشعر والشعراء حتى بناء السد العالى وبعد تمام بنائه بفترة قصيرة
ولعل أبرز شعراء هذه المرحلة وأشهرها شاعر الربابة الذى كان يجوب القرى فى مواسم الحصاد وفيضان النيل راويا أخبار أبوزيد الهلالى والزير سالم وذات الهمة، وغيرهم من أبطال السير الشعبية الذين مثلوا رموز القوة والجسارة والعنفوان والمروءة عند شباب القرى وورثوا فيهم الاستعداد الدائم للدفاع عن الوطن والتضحية من أجله، ولقد ساهم شعراء المربعات أيضا فى هذا الدور وشاعرات العدودة فى أوقات المآتم والأحزان .
محمد أبو طالب شاعر من مواليد قرية شطورة – مركز طهطا – محافظة سوهاج ،وديوانه يأجوج هو الديوان الثانى له بعد ديوان الابتسامة الباكية، ومحمد أبوطالب شاعر من شعراء العامية الذين يتمتعون بلغة قوية معبرة، وأسلوب مميز ،وموسيقى واعية، تدل على شاعرية الشاعر القوية، وإدراكه لمعنى الشعر، وبيناته وأصوله.
ويمثل محمد أبوطالب امتداداً جيدا لشاعر العامية الذى جاب القرية قديماً حاملا السير والمغامرات والمآثر ومتسلحا بالقيم والأخلاق النبيلة والكرم فى أشعاره ومربعاته وعدوداته.
تتمظهر قصائد ديوان ” يأجوج ” للشاعر محمد أبوطالب فى بوتقه فنيه تبشر بشاعر مجيد, ونموذج واعد فى شعر العامية المصرية وتتمثل فى تلك القصائد خلاصة تجربة الشاعر بين الحب والألم والعتاب والأمل..
وتتمثل قصيدة ” يأجوج” حالات متعددة لحب الشاعر الذى رمى نفسه فى غيابه إلى ليالى النشوة الكاذبة , ليتوه يوسف مفسر الاحلام ويستفسر عنها ويسأل:

يا رامية القلب فى غيابة
ليالى النشوة كدابة
يوسف اللى بيفسر
قاعد بيستفسر
قلبه البراح مسجون
ورا سد لسكندر
وتتضح المعاناة فى أوجها حين يصل بها الصبر الى مدى أيوب فى صبره وهو ما يضرب به المثل فى الصبر فيقال “ياصبر أيوب” :
ايوب تعب م الصبر
والصبر منه مل
لو حبى ليكى قل
يا حبيبتى متلومنيش
واذا كان الصبر هنا يحمل التهديد والوعيد ويتجلى ذلك فى كلمة متلومنيش ويظهر بفنية رائعة, ويعود متراجعا فى موضع آخر من القصيدة ذليلاً خادماً نادماً حين يقول :
انا كنت خدامك
اسبارطى قدامك
فارس ف ساعة الغصب
لا وساعة الادب
سيف عنتره شداد
الفيلم كان متعاد
ابطاله متغيره
ويعدد الشاعر مآسيه مه حبيبته بكلمات تدل على الآسى و الحزن فتأتى أسطر النص معبرة :
انا دورى كان من وره
كالعادة كان كومبارس
مع انى بيكى بحس
اكتر مبتحسى
ويتحول الشاعر فى تودده وحزنه إلى طلب الود الأخير لعل محبوبته ترضى فيقول :
يا غالية كنت انا قيس
مكنتليش بلقيس
وبرضك راح اسامح
حبك حصان جامح
وانا اللى مش خيال
الى أن يصل الى قمة اللوعة والتمسك والحب فى قوله :
مرسوم على قبرى
قلبى وجواه سهم
فات اللاوان نندم
امسحى عنيكى
وبرغم قلبك صنم
برضه بموت فيكى
وتتوالى القصائد فى الديوان بتوالى وجدانى معبر يوضح فيه الشاعر عن حاجاته وآماله :
محتاج لبله
ريق
كلمة صفا
ع الريق
جننى لون
حضنك
قلبى اشتهى
لرحيق
من ندي
خدودك

ويكمل بقصيدة “يوم ما قابلتك أو مرة ” :
يوم ماقبلتك اول مرة
طلعت كل مشاعرى لبره
وادلدق
نصها ع الارض
واتحول
نار شوقى لجنة
والحنة هنا هى رمز بداية الفرح والعرس فى صعيد مصر الذى ينتمى إليه الشاعر وينتسب ، ويتميز صعيد مصر بحدة الحرارة صيفا، وشدة البرودة شتاءً , وربما انعكس ذلك على ديوان الشاعر ,فالشاعر الذى أحب حد المسكنة عاد يشكو قسوة القلوب التى ترسل الجمر على حد قوله :
وقلوب من طوب
بتحدف جمر
وعنب مغصوب
اتحول خمر
كل المطلوب
بقى بالمركوب
كل المرغوب
اتحول امر
ياقلوب من طوب
بتحدف جمر
وقصائد الديوان تتعدد وتتباين بين قصائد الوجد والمعاناة والوطنية التى تنال نصيبها فى صور قوالب فنيه تصف مشاهد للنصر كما فى قوله:
1000 تحية
1000 شالوم
قالوا عن خط لا يقهر
دمرناه بحتة خرطوم
وكذلك قول الشاعر محاربا الإرهاب :
تبت يدا الارهاب
تبت اديهم تب
ما اغنى عنهم دين
فى الآخرة نار ولهب
دول ف السعير خالدين
ليها وقود وحطب
وتظهر براعة الشاعر حين يستخدم التقنيات الحديثة فى القصيدة ومنها الحوار فيقول :
فنجان القهوة
او طعم البوسة
ال على سهوة
انا غيرك عمرى ما اهوى
دانتى شعرى
وانتى غناى
وفى حوار آخر يقول أبوطالب :
تردى بضحكة بتحلى
مرارة الموت
أعيش ازاى
وروحى يا حياة روحى
مفارقة الارض
ليشهد هذا الحوار وقصائد الديوان السابقة على ميلاد شاعر متمكن , سيكون له شأن عظيم فى المستقبل القريب , بفضل جده واجتهاده ومثابرته وحرصه على الإطلاع على كل ما هو جديد فى الشعر والإبداع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى