أبَتاهُ

أحمد القسوات | شاعر سوري مغترب

أبَتاهُ :
لا تذهب فإني خائِفٌ
أن يَحضُرَ الأوغادُ يا أبَتي
فَخُذني يامُنى عَينِي مَعَك .

لاتَترُكِ القَلبَ الصَغيرَ مُعلَّقاُ ،
مابينَ خوفٍ
مِن جُنودٍ ـ إن أتَو صُعِقَ الفؤادُ ـ
وبينَ خوفٍ
أن تعودَ مُضَرجاً ياوالدي
مَوتي يَهونُ ولا أُشاهدُ مَصرعَك .
أبَتاهُ :
هل كلُ الطفولةِ هكذا !؟
هل كلُ أطفالِ العُروبةِ مِثلُنا !؟
مُتَشردونَ وخائفون !!
وكُلُّنا مُستهدفونَ بأبشعِ الطُرُقِ التي
للقتلِ سَنّوها لنا !!؟؟
أبتي تَمالَكْ !!

فالبُكاءُ يَزيدُني ألَـماً إذا عَينِي رَأت دَمعاً تَغَشَّى ذاتَ يومٍ مَدمَعَكْ

بالأمسِ ياأبتي :
قرأتُ حِكايةً ، مَلأت فُؤادي فَرحةً ،
لكنها قد غادَرَتهُ !!
ولم تَـدُم لمَّـا سَمِعتُ القاذفاتُ تَدُكُّنا ..!!!
فأخذتُ أقرأ ( والضُحى )
وهُدَأتُ عندَ : (إذا سَجَى ماوَدَّعَـكْ ) .
سَبعٌ مِنَ الأعوامِ مرَّت ياأبي
وكأنها سَبعونَ
بل وكأنها تاريخُ شَعبٍ قد طَوَت صَفَحَاتِهِ الآلامُ والآمالُ والأحلامُ والإجرام
والأزلامُ والأقزامُ !!!
قد قتلوا الطفولةَ ياأبي !!!
فاحذر كِلابَ الفُرسِ ألَّا تَخـدَعَك .
خُذني وَخُذ روحي مَعكْ !
لن أستطيعَ على الفراقِ
وإنَّني
أرجوكَ لا تذهبْ ..
فإني قد شُفيتُ
ولم أعُـد
أبغي الدواءَ
وها أنا !!
بيديَّ أدفعُ عَجْلَتَي كُرسِيِّيَ الأبديِّ حتى أتبعَكْ .
بالأمسِ قد قَتَلوا زِياداً عِندما اقتحموا البُيوتَ
وقُطِّعَت أطرافُ ليلى
والكثيرُ تَقَطَّعَت أطرافُهم . … .!!!
وأنا كذلك قد جَلستُ إلى الأبد
أو لاقتِحامٍ مُقبلٍ
أنا ماخشيتُ الموتَ خَوفاً ياأبي
لكنني :
أخشاهُ كي لا أُفجَـعَـكْ .
أبتاهُ :
هل جيشُ النِظامِ
حَقيقةً قد كان يوماً جَيشَنا !؟
ورئيسُهُ الجَزارُ كانَ رئيسَنا ؟
وهلِ المدافعُ كُلُّها والطائراتُ
وماحَوَت تلك المَخازنُ مِن سِلاحٍ مُلكُـنا ؟
هل مرَّ يوماً ياأبي :
لم تُخشَ تلك الطائراتُ إذا عَبَرنَ سَماءَنا ؟
وهلِ المدافعُ ذاتَ يومٍ صُوِّبَت نحوَ اليهودِ
ولم تُصوَّب نَحوَنا ؟
قل لي : لماذا اليومَ قَضَّت مَضجَعي ،
بِدَوِيِّها تلكَ المدافعُ
بَل وقَضَّت مَضجَعَكْ
ماعادَ يَلزمُني الطَعامُ ،
ولا الشَرابُ
ولا الدَّواءُ
وإنَّني سَأصومُ كُلَّ الدَهرِ .
رغمَ الرُّعبِ
رغمَ القهرِ
رغمَ مَرارةِ الأيامِ .. فابقى هاهُنا .
ماعُدتُ طِفلاً ياأبي .
فلقد لَمَستُ بِأنَّ وَضعِيَ أوجَعَكْ
ويعودُ سِربُ الطائِراتِ مُدَوِّياً .
وعَلا الصُراخُ
وعَمَّتِ الفَوضى
وأطفِئتِ القَناديلُ التي قد شاركتهُم كُلَّ يومٍ خَوفَهم ..!
وتَزاحَمَ الأطفالُ تحتَ بنايةٍ
ويُرَدِّدونَ جَميعَهُم :
ياااااا قائلاً لِنَبِيِّهِ : ( ماوَدَّعَكْ… ماوَدَّعَكْ )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى