الحب معجزة البشر
د. ريم سليمان الخش | سورية – فرنسا
كم أغبطكَ يا إلهي غبطَ المتناهي للامتناهي! ذاتُك المتعالية لاتعرف القلق وأنا أمشي على خناجره أتعثر وأقع وتجري دمائي ثم أعاود السير صارخا متألما إنه ظلي إنه الوفي حيث لا ينفع الوفاء
.
أغبطك ياإلهي فذاتك المتعالية لا تعرف العذاب وعمري تواريخ للعذاب لا تنقضي إلا بإغلاق الكتاب ولكن حقا هل سينتهي الألم؟…
.
لماذا يارب…ماذا فعلتْ ماهيتي الناقصة؟ وهيهات أن تبلغ الكمال مهما حاولت واجتهدت
تلك الذات المتقدة المشتعلة حتى تُنير وتُستنار ولو ببصيص من الوعي هيهات لها أن تبلغ المطلق!
كم أغبطك وأنت العارف بكل شيء والمدرك لحقيقة الأشياء ومبتغاها…كم أغبطك وعواصف الشفقة تجتاحني ومشاعر الكرم تجرفني وأرى نضوب الماء في مجرى النهر وعندك الغمام الظليل والودق الوفير …كم انهمرت عيناي بدلا عن المطر حيث الأرض الجدباء والخيم الصماء …ولا أحد…
أريد يارب أن أستر خيبة الوجوه الصفراء الشاحبة وأنا العاجز عن ستر وجهي!
الإيثار يارب صفة إنسانية , فالرب ذو ذات متعالية لا يصل إليها أحد لكنها تحب الإيثار خُلقا وأنا أحب تمثّله آثرت أهلي من أبنائي والدواب على نفسي حتى لا متني وقالت -أيها المحدود لكل شيء حد فالزمه-
وأنت اللامحدود يارب فهل لي من إيثارك مايقل عثرتي؟…
كم أغبطك يارب وأنت الحي الدائم لا تشيخ أبدا وأنا المتصارع مع الفوضى تريد أن تقوض بنائي تقضمني الأنتروبي كل يوم تراودني على نفسي وتفتح لي أبواب القبر لتمدني مائدة لأعراس الدود تهزأ مني ومن مكابرتي وانت ربي لا تسخر من شيء فأنت العليم بكل شيء ..أما انا يارب فأسخر من مفارقات الحياة وأتعالى عن تناقضاتها رغم ارتكابي لها كل يوم …
ربي أنت سبحانك لا تشعر بالذنب وذاتي ترجم بذنب لا تعرفه؟ حوكمت غيابا وقادوها للحساب وهي المتهمة بالوجود!! ماذنبي ياإلهي؟ مافعلت؟ هل للناقص أن يكتمل؟ هل للحم وللدم أن يغدو مطلقا؟…
أيها الكامل في صفاتك أنى لي أن أغدو مثلك؟….
عزائي يارب هو يقيني ومضات من الطمأنينة تملأني بين قلق وقلق ..ولو رفع الحجاب ماازدت يقينا..عليٌ قالها قبلي ومات شهيدا وارتاح من دنيا الفساد…
هل تذكر وعدي لك أن أدافع عن وجودك بالعقل؟ مازلت طالبة علم ربي أحمل حقائبي منذ رشدي وأتبع العلم والعلم بحر كبير …عرفت أنك القيوم أنشأت الأنظمة وسيرتها أدركت حقيقتك الدامغة في قلب عقلي فلم أتزعزع في الزوابع بل تابعت وأنا أبتسم بصمت ساخر وأنا أرى هشاشة الذوات المتعالية المتصارعة مع ظلالك والمتحدية لك يالهؤلاء الأطفال كم حاولوا ..وكم سيحاولون دعس ظلال الأب كي يثبتوا رجولتهم ولن يثبتوا إلا عجزهم وخصيهم …ينصبون أنفسهم أشباه آلهة على أرض الخراب وهم ربائب أوديب استهوتهم عقدته يحاولون قتل الأب وامتلاك الأرض وماامتلكوها إلا خواء جرداء خالية من المعنى ترتاع فيها العبثية وتفخ فيها أنفاس الشياطين
أليس الشيطان من خلقك؟؟…ربي كيف لهم أن يدعوه حيا؟ عندما أماتوك ياإلهي ماتت البشرية ماتت الغاية وتلاشى المعنى وبقي الشيطان حيا!! مازالت تقام له المعابد والصلوات أين ابتكاراتهم؟؟يارب قد صنعوا آلهة كثيرة ..آلهة تشبههم لئيمة ظالمة طاغية وادعوا أنها تجسدك وماجسدت إلا ذواتهم المرضى …أحفاد السامري قد ملأوا العالم الموبوء وقد قيل للمؤلفة قلوبهم -لا مساس!!-
يارب ماجدوى يقيني والظلم يغتال أحلامي ويفسد عطر حدائقي ويمنع عصافيرها من الغناء والمرح …ماجدوى يقيني وللظلام مشانق ممتدة لخنق الأحرار ومنع الصبح من التنفس…
كم أغبطك ياعزيز وأنا أرى اهتراء عزتي وعزتي ردائي فأصلح لي ثوبي ولا تدعه يقع وأنت الرافع يارب العزة .
كم أنت صبورٌ ربي ..انتظرت ملايين السنين حتى اكتملت صورة الكون العظيم والتحمت الذرات حبا وسمحت لأشعة النور بأن تنطلق وأشرقت السماء بنور ربها …هل لمخلوقٍ آنيٍ مثلي أن ينتظر ويصبر؟ وعمره لمحة من عمر الأرض ..مثل حلم عابر أو طرفة عين في منحى الوقت الممتد دهورا ودهورا …
وهل للذرة اللامتناهية صغرا أمام كونك الشاسع أن تصبرَ على مالم تحط به خبرا ؟…ذرة بوعيٍ مغوار يريد أن يتمثل حقيقة الجبار وماهو بالواصل ولكن يحاول…
ربي إني المحدود إلا حبا.. بالحب فقط أبلغ المطلق.. الحب يطلقني من قوقعتي يمدني بأجنحة نحو الخلود ..الحب معجزة البشر فلا حدود في الحب…
التضحية ربي إنسانية محضة ..فأنا الأضحية والمضحى به والمضحي أنا كل هؤلاء مادمت من لحم ودم…
كم أنت حليم ربي ..ترى اللئام يتنادون لقتلك فتبتسم السماء وتقهقه الأبالسة ويتوعد الرعد وتبكي الغمائم وأنت الحليم لا يهتز عرشك ولا تبطل قوانين طبيعتك!…ماإن تراءت لهم نظرية مترنحة تمتلك وميضا من نور حتى تهافتوا عليها ونصبوها شرعا جديدا فلم يُبقِ إلا الخراب وحثالة من تراب …يارب أنت أدرى بمن خلقت…أحرارا أردت .. وشرورهم أطلقت…
لكنّ الزمنكان الممتد الى مالانهاية ينبئ أن المستقبل قد حُدد وأن التواريخ قد نقشت وأن الأحداث جميع الأحداث قد عرفت ..وما نحن وما هوياتنا وما حرياتنا إلا احتمالات قائمة ..إلا اختيارات ممكنة لمسارات ما من جملة مسارات كلية واختياراتنا الحرة من تحدد هويتنا المستقبلية وماالحرية إلا نسبية فلا حرية بالمطلق….
لا حرية بالمطلق وانا الآلي المخلّق المبرمج على أن أحقق ذاتي بذاتي وبها أتعملق..فخوارزميتي الجبارة تمنحني الابتكار والعمارة ..ماهيتي أشكلها بخلقي لخوارزميات جزئية أصيلة لكن محال أن ألغي ذاتي المبرمجة أصلا .. فهل أنا حر فعلا؟…محال أن أوقف برمجتي أو أن أفرمتني أوأن أعيد خلق ذاتي… من أنا يارب؟…مافائدتي؟…ماغايتي؟…وعلام كل هذا العذاب..