الشاعر المصري صبري مقلد وناصر أبوعون.. في حوار مع جريدة عالم الثقافة
خاص | القاهرة
(1) عودة إلى البدايات.. متى اكتشفت قارة الشعر المفقودة داخل جغرافية روحك المتوثبة ؟ وكيف ولجت إلى أبواب القصيدة؟
||| بدء اكتشاف قارة الشعر في نفسي كان مع بداية المرحلة الإعدادية حينما كنت أعيد مع نفسي صياغة بعض الجمل الغنائية للمطربين العمالقة ٱنذاك خاصة مايتعلق منها بالشجن والمعاناة أو بالوطن ثم انتقلت إلى مرحلة الكتابة معتمدا على قريحتي في نهاية المرحلة الإعدادية وكانت كتابتي ذات طابع عاطفي بما يناسب طبيعة مرحلة المراهقة ثم مع بدء دراستي بدار معلمين الصف التقيت أستاذي معلم التربية الرياضية الشاعر القدير – رحمه الله – الأستاذ محمد الأمين الذي تعهدني بالنصح.. لكني توقفت لانشغالي بأعباء الحياة والإنفاق على نفسي خاصة وأني من أسرة شديدة الفقر ووالدي كان متوفيا وأنا في المرحلة الابتدائية. أما عن العودة فهي عجيبة بكل المقاييس؛ لأني عدت للشعر منذ ثلاث سنوات فقط أي بعد ما يقارب خمسة وثلاثين عاما ولم أكن أعرف من علم العروض إلا اسمه ومكتشفه رحمه الله، وبمساعدة أخي الشاعر الكبير الأستاذ عبد العظيم الأحول تمكنت من اجتياز عقبة العروض ثم وجدتني أصدر ديواني الأول “نداء العمر” ولدي ديوانان جاهزان للطباعة “انحناء الأمنيات” “اشتهاء وارتقاء”.
(2) تعريف الشعر بعيدا عن الأدلجة والخطابين القومي والعقائدي بما يدعم مرتكزات الهوية الثقافية؟
||| الشعر ترجمة لفكرة امتزجت بوجدان الشاعر يعبرعنها بأدوات منضبطة عديدة أهمها الكلمة وصدق الإحساس وملاصقة الواقع.
(3) يُطْعَنُ في الحداثة بوصفها إنجازًا غربيًّا، وهي كذلك بالفعل، أليس من حداثة عربية وكيف يسهم الشعر في تأصيلها؟
||| الحقيقة أن الحداثة في الشعر لم تكن غربية خالصة فثمة محاولات في التحديث في الشعر العربي بدءًا من صدر الإسلام حيث الانتقال من البكاء على أطلال الديار إلى البكاء على قبر رسول صلى الله عليه وسلم.. وصولا إلى شعر التفعيلة ثم قصيدة النثر ومدرسة ما بعد الحداثة حتى وقتنا المعاصر، يتفاوت فيها موضوع وحجم وشكل المساهمة في التحديث. لكنّما الحداثة العربية لم تكن واضحة المعالم لسببين:
أولهما: أنها إمَّا جاءت مقيدة بأطر التراث كما في (الشعر الخليلي) الذي حتى وقتنا الحاضر نرى بعض المنتسبين إليه كأنهم يكتبون لأهل البادية في العصور التي خلت.
ثانيهما: أنها جاءت متمردة على تراثنا وحاولت قطع الصلة به فخرج مولودها أقرب إلى المسخ.. وبين هذا وذاك هناك مساحة واسعة تقبل التحديث والتطوير خاصة في (الشعر الخليلي المنضبط)، وهناك بالفعل شعراء عديدون لهم تجارب رائعة من حيث طرقهم لموضوعات جديدة، وتحديث معجمهم اللغوي دون التقعر في اللغة أو التساهل والركاكة، والارتقاء بالخيال وابتكار صور جديدة، وإيقاع الجملة المناسب لطبيعة العصر، فالجملة القصيرة هي الأقرب لطبيعة المتلقي هذه الأيام.
(4) رزح الشعراء العرب في العقود الثلاثة الأخيرة تحت نير العديد من المتغيرّات السياسية والاجتماعية محاطين بسياج اقتصاديّ شائك مما خلّف آثارًا خطيرةً على الإبداع.. كيف يمكننا الانفلات من هذه الأزمة والخروج بأقل كلفة من الخسائر؟
||| الحقيقة أن هذه الأزمة لاتزال قائمة في عالمنا العربي وربما كان المتغير السياسي أشد العناصر تأثيرا فيها إلا أنه يمكن التقليل من ٱثارها السلبية حينما يؤمن المبدع العربي بقيمة الكلمة وبدوره التنويري الذي يسبق دوره السياسي، أما المتغير الاقتصادي فلا شك أنه جعل الأدباء يفرون إلى البحث عن لقمة العيش أولا، ثم يأتي المتغير الاجتماعي في ٱخر المتغيرات رغم تأثيره أيضا.. وللخروج من هذه الأزمة سريعا وبأقل الخسائر وجب طرح مشروع أدبي عربي عن طريق هيئة مستقلة تعنى بالأدب مجملا، تقدم المسابقات، وتنظم المناقشات، وتلقي الضوء على أهم القضايا التي يمكن تدارسها وغيرها مما يوكل إليها.
(5) ما أبرز ملامح قصيدتك الشعرية دونما التَّماس مع تجربة جيلك الإبداعي؟ وكيف يتحقق الشاعر في ظل تداخل السياسي الإقصائي مع الإبداعي الديموقراطي وتجاذبات الشللية المقيتة التي تستقطب أنصاف المبدعين والمتعلمين؟
||| تجربتي الشعرية تكاد تكون مستقلة؛ ذلك أني لم أقرأ لشاعر بعينه بل جمعت بين قراءة دواوين ومقتطفات لشعراء في عصور مختلفة إضافة إلى ما أقرأه من خلال الفيسبوك وهو الٱن الأكثر وتبقى القرية عاملا مؤثرا في تجربتي الشعرية بكل تفاصيلها فأنا ابن “قرية الصف البلد” وطبيعي أن تنعكس نشأتي على شعري.
أما الكيانات والصالونات والمنتديات الأدبية الٱن فهي تعج بالشللية المقيتة إلا القليل منها لذلك ٱثرت النأي بقصيدتي عن مثل هذه الأماكن وعدد مرات حضوري لمثل هذه الأماكن لم يتعد أصابع اليدين، ثم تكونت قناعة لديّ مفادها: أن المبدع المستقل ينجو بنفسه في مثل هذه الأجواء.
(6) لم يعد الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية.. ما السبب؟ ولماذا صارت “أسئلة الشعر حائرة بين منجزه التراثي، ووظيفته الاجتماعية والحياتية، وبين طارئ خلخل قواعد التعاطي الشعري العربي، بانفتاحه على التجديد والتطور الشعري” وفق تعبير عثمان حسن.
||| لقد كان الشعر العربي يطرح أسئلة وجودية خلال العقود التي مضت ولعل أبرزها ما جاء عند البارودي ثم تلامذته شوقي وحافظ ثم من خلال أصحاب المدارس الأدبية الأخرى بيد أن مكانة الشعراء تراجعت عن عمد وأحيانا دون عمد لعوامل عديدة وتراجع معها دورهم فاتجهوا إلى التراث وإلى الجوانب الاجتماعية ذات المشهد الرمادي مما يعكس حيرتهم وخوفهم، فلم نر لهم تلك الأسئلة الوجودية واكتفوا بالطواف حول حياتهم وأنفسهم.
(7) هل من دور ووظيفة للشعر؟ وما أهم ملامح الأزمة التي يعيشها الشعر العربي؟ في ظل غياب المؤسسات التنظيمية؟
||| لا شك أن للشعر دور ورسالة تتمثل في الارتقاء بذوق الجماهير والالتصاق بقضاياهم وتوعيتهم والتعبير عن انتصاراتهم وانكساراتهم
أما ملامح أزمة الشعر العربي فأهمها:
– عدم وجود هدف قومي موحد أو قضية محددة يلتف حوله أبناء الامة وفي مقدمتهم الشعراء.
- المعارك الشخصية التي تقع بين الشعراء أنفسهم تستنزف طاقاتهم الإبداعية وتجعل الجماهير تفقد الثقة في الشعراء صىمت أساتذة الجامعات والعلماء المتخصصين عند نشوب خلاف فكري مما أدى إلى أن قضايانا الأدبية الخلافية تظل معلقة وأحيانا تحسم بشكل ينعكس سلبا على الإبداع ولعل ٱخرها المعركة الناشبة حول البحر الوافر التام..هل الكتابة به تعُـدُّ خروجًا عن علم العروض أم لا ؟! وغيرها من القضايا المشابهة.
(8)تكاد القطيعة ما بين القارئ والشعر العربي الحديث أن تصبح شاملة.. ما العوامل التي أدت إلى هذه الأزمة؟
||| القطيعة طالت كل روافد الأدب ولكن يأتي الشعر في مقدمتها ولعل السبب يعزى إلى ما يأتي:
– الحالة الاقتصادية ومانتج عنها من انصراف القارئ مصدر رزق، إضافة إلى ارتفاع أسعار المطبوعات.
- صخب الحياة وسرعة وتيرتها وتزاحم أحداثها.
- اتجاه القارئ إلى الثقافة المسموعة والمرئية اليسيرة المتاحة ليلا ونهارا عبر هاتفه.
- تهميش الإعلام للثقافة ويكفي أن تعقد مقارنة بين ساعات البث المخصصة لكرة القدم وساعات البث المخصصة للثقافة والشعر.
- تردي الذوق العام وانفصال المجتمع عن لغته الفصحى وحالة السخرية منها من السوقة الذين صاروا الأكثر تأثيرا في المجتمع ولعل المقارنة بين كلمات أغاني أم كلثوم وعبد الحليم وأغاني المهرجانات يؤكد ذلك.
- إفقار الأدباء المتعمد، فعند استضافة الأدباء والشعراء بالقنوات إذا تقاضوا أجرا فإنه يكون زهيدا جدا مقارنة بلاعبي الكرة والفنانين إضافة إلى مبالغ المكافٱت الهزيلة للجوائز الثقافية.
(9) كثير من الأصوات تبشر بعودة القصيدة العمودية لتتسيّد المناطق المضيئة في المشهد الشعري العربي.. هل تعتقد أن هذه بشارة أم خسارة في ظل أزمة النمطيّة؟ والتكرار في الرؤية واللغة والصورة والإيقاع التي أصابت قصيدة التفعيلة خاصة، في إطار حركة الشعر العربي المعاصر، منذ ستينيات القرن الماضي، إلى حالة من السأم و”الإرهاق الجمالي”.
||| من خلال متابعتي أرى أن عودة القصيدة العمودية لتتسيد المناطق المضيئة في الشعر العربي بشارة، ولعل الجيل الحالي من شعراء العمود يدرك بالفعل ضرورة اجتياز عقبة النمطية مما جعل القصيدة العمودية أكثر حيوية في اللغة وأخصب خيالا وأسرع إيقاعا وأحدث رؤية عند شعراء كُثر في الوطن العربي من هذا الجيل فقط هم يحتاجون الدعم المعنوي والإعلامي والمادي .
(10) هناك فشل للنظريات النقدية الغربية التي تمّ شتْلُها في البيئة العربية وبتعبير “فخري صالح” (لا تتجذّر في الواقع الثقافي وظلت مجرد أيقونات ثقافية نخبوية لا تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية.. ما تقييمك للمنتج النقدي العربي المشتت بين الأكاديمي والصحفي الانطباعي؟
||| بداية أود أن أشير أن النقد الٱن يواجه تحديات لا تقل عن التي تواجه الشعر ولعل أهمها:
– عدم اكتمال النظريات النقدية العربية لتصبح عربية خالصة متصلة بشقِّها الإبداعي شعرا أو نثرا
- غياب كثير من النقاد المتخصصين عن المشهد الشعري لأسباب عديدة جعل ساحة النقد منفتحة أمام المتكسبين بالنقد ولو على حساب أمانة الكلمة، الانطباعيين الذين لا يملكون أدوات النقد الكاملة وهم أيضا ربما رفعوا منتجا أدبيا تقليديا وحطوا من ٱخر حداثي متقن
(11) في ظل اتساع حرية التعبير على مواقع الإنترنت، وتحطيم جدار الاحتكار داخل الصحافة الورقية وظهور مصطلحات من قبيل: (المواطن الصحفي)، وشعراء (الفضاء الأزرق)، و(المؤسسات والصحف الإلكترونية)، و(الجوائز وشهادات الدكتوراه الفخرية) التي تتطاير في الفضاء.. ما ملامح مستقبل صناعة النشر.
||| رغم كل التحديات التي تواجه الثقافة الورقية جراء الثورة الإلكترونية إلا أني أثق في عودة الكتاب الورقي لحياتنا تدريجيا أما عن تلك “الأوسمة والدكتوراه الفخرية” التي تتطاير في الفضاء، فهي حالة من الفوضى تستوجب سن تشريعات لها للحفاظ على هيبة العلم والعلماء والمبدعيين الراسخين. و(هذه القصيدة كنت كتبتها أعبر عن سخطي من ميل النقاد لشعراء بعينهم وللون معين من الموضوعات ولك مطلق الحرية في ان تستدل ببعض أبياتها أو لا تستدل): بعنوان: (غِوَايةُ الـقَـصِيـدَةِ)
ما للـقَـصَـائِـد قَد أُرِيــقَ حَيـاؤُهَــا
بَـاتَــتْ تَــهُزُّ الـجِـذعَ والأَطـرَافَــا؟!
///
خَـفَّتْ حَواجِبَ حَرفِـها”، وتَمَنَّـعَـت
كَـشَـفَـت نُــهُودَ البَـيـتِ والأَكـتَافَـا
///
عُـنوانُهـا كَـالوَجـهِ صَـارَ مُـشَـوَّهًـا
أَصـبَـاغُـهُ قَـد شُــكِّـلَـتْ أطـيَـافَــا
///
وَالحرفُ عَـــارٍ كَالحَـدِيقـةِ فُـتِّحَـتْ
أَغصانُـهَا ؛ للـرَّاغِـبِيـــنَ قِـطَـافَــــا
///
تُـغْـوي بِـغَـثِّ حُروفِـهـا مُـتشَاعِرًا
وَعلَى العَروضِ تَراقصَ استخفافـًا!
///
صَارتْ بُحورُ الـشِّعرِ ساحةَ لَهوِهم
يَـثـنِي القَصيدُ بِـشَطِّهَـا الأَعطَافَـا!
///
حَتَّى المَعَانِي خُـنِّثَـتْ، فَتَـشَوَّهـَتْ
أَلـقَـتْ ثِيابًــا، أظـهَـرَت إسفـافَـــا!
///
تَاهَتْ عَروبُ قَصَائِـدِي في سُوقِهم
بَـينَ الجَوَاري، تَـبـتَـغِي الإنصَـافَــا
///
تَـنْأَى لِحينِ صُدورِهِـم عَـن عَينِها
تَـخشَى الهُرَاءَ؛ يُـلَــوِّثَ الأَصدَافَـا
///
دَومَـًا سَيَـبقَى الدُّرُ تَـاجَ شُـمُوخِهَـا
والسِّـحـرُ حَــولَ خَـيَالـِـهـا أَلـفَـافَــًا
///
هيَ في عُكَاظِ رَقيقِهم وضجيجهم
صَـانَتْ أُصُولَ الشِّعرِ والأَعـرَافَا
///
مَاضـَـرَّهَـا أَنْ غُـمِّـيَتْ أَقْـلَاَمُـهُـم
عَـن حُـسنِـِها؛ ليؤكِّـدوا الإجحَـافا
///
بِكْـرُ القصَائدِ قَدْ تَـموتُ بجُوعِهَـا
تَأبَى الـحَياةَ بِـهَـزِّهَـــا الأَردَافَـا
(12) ما الذي يحكم علاقتك بفنون الأدب الأخرى ومشروعك الأدبي الذي تطمح إليه؟
||| علاقتي بفنون الأدب شعرا ونثرا علاقة حب وتقدير مادامت تحترم عقل المتلقي فأنا أقرأ الشعر بكل صوره وابحث فيه عن متعتي رغم انحيازي وإيماني الشديد بالخليلي “العمودي” وأقرأ النثر بكل روافده وأنحاز للقصة القصيرة وأكتبها…أما مشروعي الإبداعي فهو بمشيئة الله بعد الانتهاء من طبع الديوانين الثاني والثالث وهما قيد المراجعة والتدقيق سأتوجه لتكملة مجموعتي القصصية.الأولى.