من مشكاة النُّبُوَّة

د. خضر محجز | فلسطين

عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ” (متفق عليه بلفظه).

الشرح:
هذا الحديث أحد أعمدة الإسلام الكبرى، إذ هو يفسر معنى التوحيد، الذي هو أن تعبد الله وحده، وأن تتوجه بكل عبادة تعبدها إليه وحده.
“إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ”: “إِنَّمَا” كافة ومكفوفة تفيد القصر، بنفي جميع مفردات موضوعها ثم إثبات واحد منه. فكأن قد قال: لا أعمال معتبرة عند الله. فهكذا نفى كل الأعمال المعتبرة. ثم استثنى من هذا المنفي الأعمال التي نُوي بها وجه الله.
والأعمال هنا هي الأعمال العبادية: كالصلاة والجهاد والصدقة: فمن صلى ليراه الناس فلا صلاة له، لأنه صلى لله وللناس، فنبذ الله صلاته، لأنه أغنى الأغنياء عن الشرك.
وكذا من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا، ومع ذلك ليراه الناس ويصوروه ويفرح بنفسه جميلاً مشهوراً، قبل أن يلقى الله. فهذا لا يقبل الله منه جهاده، لأنه أشرك مع كلمة الله حب الظهور والشهرة. والله أغنى الأغنياء عن الشرك. وهكذا في كل عبادة.
أما الأعمال الدنيوية ـ كالأكل والحب والسفر وغيره ـ فلا يتناولها هذا الحديث: فمن أحب امرأة لنكاحها فلا بأس، إلا إن قال إنه ينكحها لوجه الله، فيغضب الله من زج اسمه في علاقة لا شأن له بها.
ومثله الرجل الذي هاجر ليتزوج أم قيس، فلو أنه لم يقل: هاجرت مع رسول الله لله، لكان خيراً له! لكنه أبدى للناس أنه هاجر لله ورسوله، فأشرك معه أم قيس، فصار مهاجر أم قيس. والقصة عند الطبراني في الكبير عن عبد بن مسعود، بإسناد على شرط الشيخين، كما قال الحافظ في الفتح.
وحاصل المعنى: أن من صلى ليراه الناس، فقد صلى للناس. ومن جاهد ليتصور ويشتهر فقد جاهد للشهرة. ومن تصدق ليُقال: إنه متصدق، فقد قيل وهو ثوابه.
اللهم من قرأ هذا ممن لا يعلمون فافتح قلبه ليتعلم، ومن قرأه من مشركي الأحزاب فاهده ليرى شركه فيتوب، ومن قرأه من زعماء الأحزاب فلم يعمل به، فخذه بكفره.
لا إله إلا أنت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى