من أسرار اللغة – الزبور  (2)

أ.د. عنتر صلحي عبد اللاه | مصر – أستاذ اللغويات التطبيقية – جامعة جنوب الوادي

الزبور هو اسم الكتاب المقدس الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى لسيدنا داوود عليه السلام، وأسماء الكتب السماوية توقيفية بمعنى أنها لا تترجم بمعناها وإنما يبقى نطقها باللغة التي نزلت بها… فالقرآن الكريم – وهو آخر الكتب المنزلة – والمهيمن عليها- يكتب باللغات المختلفة Quran, Koran ولا يكتب مثلا The Reading، وكذلك الإنجيل، فهي كلمة أصولها آرامية – لغة السيد المسيح عليه السلام – وتعني البشارة والأصل هو  ديوانجيليون ܕ݁ܶܐܘܰܢܓ݁ܶܠܺܝܳܘܢ. واستخدم اليونان لفظة Bible  المشتقة من لBiblio  بمعنى الكتاب(ومنه مكتبة الإسكندرية  Bibliotheca Alexandrina ). والتوراة Torah  عند اليهود بمعنى التعاليم  أو الناموس law، مع ملاحظة ان اللغة العبرية ليست هي لغة كتاب موسى، فهي لم تكن تكونت وقتها، وإنما لغة التوراة التي كتبت بها هي الهيروغليفية (انظر في ذلك كتاب التوراة الهيروغليفية للدكتور فؤاد حسين علي) وعلى هذا ينبغي البحث في معنى نطق التوراة في المصرية القديمة، ما لم يكن الاسم نفسه (التوراة) هو ترجمة اليهود العبرية للفظ الأصلي الذي لا نعرفه. كما ينبغي أن نعلم أن اليهود يطلقون اسم التوراة على أسفار موسى الخمسة فقط:

Bereishit (Genesis)  سفر التكوين

Shemot (Exodus):  سفر الخروج

Vayikra (Leviticus):  سفر اللاويين

Bamidbar (Numbers):  سفر العدد

Devarim (Deuteronomy):  سفر التثنية

أما الكتاب المقدس عندهم فاسمه التناخ  תנ״ך وهو يشمل التوارة وكتب الأنبياء (نبيايم) 

 وكتابات الكتبة المتأخرين (كتوبيم).  وأول أسفار الكتوبيم هو (تهليم) المزامير תהלים.

نصل إلى الزبور، والكلمة بهذا النطق  – الذي ورد في القرآن- لا توجد في العبرية ولا اليونانية، وإنما تستخدم الترجمة Psalms  بمعنى المزامير (لاحظ أن الP والL لا تنطقان)، وهي في العبرية (تهليم)،  فما أصل كلمة الزبور؟ وهل هو زبور واحد أو أكثر من زبور؟ وما علاقة المزمار بالزبور؟ وكيف ترجمها مترجمو معاني القرآن الكريم؟ والكلمة ليست عربية الأصل، إنما تذكر المعاجم ان الزبور هو الكتاب وخص به كتاب داوود عليه السلام.

يقترح د. نديم السيار في كتابه المصريون القدماء أول الحنفاء أن كلمة الزبور من أصل مصري قديم هو: زَبَر ، زَمَر ، بمعنى أناشيد دينية تؤدى على أنغام المزامير ، وهذا الأصل في الكتابة الهيروغليفية توضع في آخره علامة تفسيرية في هيئة رجل ينفخ في المزمار. بل كلمة (زبور) نفسها بنطقها ومعناها (كتاب مقدس يُرتل أو ينشد) موجودة في المصرية القديمة، ويوضع في آخرها علامة تفسيرية في هيئة صحيفة او لفيفة مقدسة مطوية، كما في الصورة:

ويرى السيار أن قدماء المصريين كان لهم كتاب سماوي هو الزبور نزل على نبيهم إدريس عليه السلام، ويستشهد لذلك بان القرآن لم يذكر (زبورا) واحدا معرفا، وإنما ذكر أنه (آتينا داوود زبورا) وليس (الزبور) بمعنى أناه واحد من مجموعة كتب كل واحد منها يطلق عليه (زبور)، ويذكر الآية الكريمة: (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين….. وإنه لفي زبر الأولين) وفي تفسير ابن كثير: إن ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب الأولين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر.  وهناك آية (إن هذا لفي الصحف الأولى)، في تفسير الطبري: الصحف التي أنزلها الله على النبي إدريس.

وسواء أتفقنا مع المرحوم الدكتور نديم السيار أو اختلفنا معه في اقتراحه لاسم كتاب المصريين القدماء، تبقى الحقيقة وهي أن بالقرآن لفظ الزبور ورد مفردا (زبورا) وجمعا (زبر)، ولم يحدث هذا مع الإنجيل أو التوراة أو القرآن… فهل ترجمه المترجمون كعلم Proper noun أم كمكافئ ثقافي للمزامير Psalms  مع ملاحظة ان الكلمة الإنجليزية يغلب عليها حالة الجمع، في حين العربية يغلب عليها المفرد، أم اتخذوا سبيلا آخر…؟

وآتينا داوود زبورا (الإسراء: 55)

Pickthall: and unto David We gave the Psalms.

Yusuf Ali: and We gave to David (the gift of) the Psalms.

Muhammad Sarwar: and We gave the psalms to David.

Arberry: and We gave to David Psalms.

The Study Quran: and unto David We gave the Psalms.

اختار هؤلاء المترجمون الخمسة المكافئ الثقافي للزبور وهو سفر المزامير Psalms، وجعلوه معرفا بأداة التعريف the كما اختاروا اسم النبي داوود كما ينطق بالإنجليزية David

Mohsin Khan: and to Dawud (David) We gave the Zabur (Psalms).

Ghali: and We brought Dawû‍d (David) a Scripture (Zabûr, the psalms).

AbdulHaleem: We gave David a book [of Psalms].

Sahih International: and to David We gave the book [of Psalms].

وهؤلاء الأربعة جعلوا هذا المكافئ الثقافي بين قوسين وأطلقوا على الزبور كتابا a bookأو كتابا مقدسا  a scripture ، واختار محسن خان والدكتور غالي فقط أن يذكرا الاسم الأصلي Zabur بحرف استهلالي للدلالة على علمية الكتاب، بل وضع له محسن خان أداة التعريف  the رغم ان الأصل نكرة، ومن ذكر اسم الزبور كما ينطق بالعربية ذكر اسم داود كذلك كما ينطق بالعربية.

Shakir: and to Dawood We gave a scripture.

Jusur: and to David We gave a Book.

أخيرا، فهم شاكير وفاضل سليمان أن المقصود كتابا من الكتب المقدسة، فتجنبوا ذكر المزامير Psalms ، وتجنبوا التعريف، والتزما -كما الأصل- بتنكير الكلمة مع إعطاء معنى كتاب (بحرف استهلالي) أو كتاب مقدس a scripture.

وإنه لفي زبر الأولين. (الشعراء: 196)

فلننظر ما فعلوا عندما جاءت الكلمة في حالة الجمع.

Sahih International: And indeed, it is [mentioned] in the scriptures of former peoples.

Pickthall: And lo! it is in the Scriptures of the men of old.

Shakir: And most surely the same is in the scriptures of the ancients.

Mohsin Khan: And verily, it (the Quran, and its revelation to Prophet Muhammad SAW) is (announced) in the Scriptures [i.e. the Taurat (Torah) and the Injeel (Gospel)] of former people.

Arberry: Truly it is in the Scriptures of the ancients.

AbdulHaleem: This was foretold in the scriptures of earlier religions.

The Study Quran: It is indeed in the scriptures of those of old

استخدم هؤلاء المترجمون السبعة لفظة scriptures  ترجمة للزبر، دون إشارة إلى نطق الأصل، وزاد محسن خان بإضافة المقصود وأنها كتب الإنجيل والتوراة فقط، وهو بذلك يضيق واسعا كما ذكر في كتب التفسير.

Muhammad Sarwar: Its news was also mentioned in the ancient Books.

Jusur: And it is in the books of the ancients.

سرور وفاضل سليمان استخدما books وهو موافق لمنهجهما في التعامل مع المفرد من الكلمة، كما أتفقا على أن الأولين  ancient  أي القدامى في التاريخ السحيق، بعكس من استخدم القدم العادي old أو الترجمة الحرفية former

Ghali: And surely it is indeed in the Scriptures (Literally: Zubur, i.e. the Psalms) of the earliest people.

الدكتور غالي هو الوحيد الذي أشار إلى أصل الكلمة العربية بنطقها (زبر) وأعطى مكافئها الثقافي Psalms لكن كل هذا بين القوسين ، اما اللفظة التي ارتضاها فهي  scriptures  على أصل معنى الكلمة.

Yusuf Ali: Without doubt it is (announced) in the mystic Books of former peoples.

وأما يوسف علي فاختار شيئا مختلفا تماما، وهو اعتبار الكتب السابقة (الزبر) هي كتب الأسرار والحكمة الباطنة والمعرفة الغنوصية mystic  التي كانت بها بقية من الوحي الإلهي، ويبدو ان هذا أقرب للتفسير منه للترجمة، خاصة أنه يفترض أن هذا الكتب المقدسة التي أنزلت للأولين تحورت وصارت حاملة للحكمة المختلطة بالممارسات الصوفية السرية، ولا أظن يوسف علي يفعل ذلك دون الاعتماد على سند من تفسير ما.

…… والله أعلم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى