من قال إن العمر يحسب بالسنين؟

د. أسماء السيد سامح | مصر
اترك لهم عدّاداتهم السخيفة واكتفِ بعدادي المميز، هذا الذي يدرك كيف يبدأ تقويمي بكل ابتسامة نصر وكيف ينتهي بكل دمعة خذلان!

سنواتي لا تشبه سنواتهم.. لا تعترف بربيعهم الأحمق ذي الزهور الملونة الزائفة.. لا يعنيها صيفهم الأخرق ذو السحاب المراوغ.. ولا يخدعها شتاؤهم البخيل المبتز بأمطاره.. إنما يبهرني الخريف بصدق مراياه التي لم تخدعني يوماً صورتي فيها!

الساحر المهيب الذي يجيد لفي في عباءته فيطوي بي الماضي طياً ويعيد تسخين ذكرياتي الباردة.. برائحة الجوافة والبرتقال التي تأتي من بعيد حاملةً عبق الطفولة.. برائحة الطين المبلل بالمطر عبر صورة لأطفال يحملون حقائب المدرسة حالمين بالغد.. بملمس ورقة شجر كانت يوماً ما بعيدة ثم هبطت من عليائها فجأة لتنام في راحة يدي.. بصوت الريح التي تأتي على استحياء تلبس ثوب النسيم تارة، ثم تصبغه بلون البرد تارة أخرى.. وبشجن النهار الذي يقصر فجأة فيلوح لي معتذراً كأنما يواسيني على طول الليل بعده!

لو كان لي أن أصوغ عنه أسطورة، لاخترت أن تتعثر طفلة ما بتمثال قد سقط أرضاً فتتسع عيناها بخوف لأول وهلة ثم تنهض من عثرتها لتدور حوله مستكشفة.. يبدو لها قبيحاً علته الأتربة وقد أهمله السائرون منبهرين بما جاوره من تماثيل لا تزال منصوبة فوق قواعدها البراقة، لكنها هي تفتن بعينيه.. تمد أناملها الصغيرة لتمسهما فترتج الأرض تحتها فجأة لتشعر بروحها تنسحب داخل هاتين العينين!.. داخلهما ترى ألعاب ماضيها المكسورة.. حلواها التي أفسدها الحَر.. أسنانها التي سقطت في نومها فلم تجدها.. وثيابها التي لم يعد يناسبها مقاسها..

تهم بالبكاء لكنها تدرك ههنا حقيقة الحياة.. حقيقة مآل كل كامل لنقصان، فتتحول دمعتها إلى ابتسامة وهي تعود لتطارد في العينين الصريحتين بقايا العمر.. لم يعد التمثال قبيحاً وقد شرعت تمسح عنه أتربته مدركةً السر في عينيه.. لولا ما ضاع لما أدركنا قيمة ما نملك!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى