والدي.. رحلة شقاء وصبر وقناعة
عبدالكريم الطراونة | الأردن
كان والدي الذي ولدت له وقد وخط الشيب رأسه، وكنت آخر أبنائه وأصغرهم فلاحا نشيطا متمرسا بأمور الزراعة المجهدة، كان ورعا تقيا منتميا لأرضه محبا لها،مؤمنا برحمة ربه ورزقه كادحا في طلب لقمة عيشنا بصدق وأمانة وقناعة ورضا.
لم أر أبي قط وقد تجاوز السبعين جالسا بدون عمل في أرضه التي أحب:من حرث وبذر وتعشيب وحصاد ودرس لمدة تتجاوز نصف العام. ليبدأ رحلته الشاقة في تنظيف أرضه من الحجارة الغارقة في بطنها وإقامة السلاسل حول بعضها فقط رغبة وهواية ورفضا للجلوس في الشوارع لطق الحنك كما كان ينتقد ممن يقضون وقتهم على أبواب المتاجر .
كنت ألومه وأحاول منعه عن مثل تلك الأعمال الشاقة مستعينا بفأسه وعتلته ومهده الذي سرق وبترديده لذكر الله والصلاة على نبيه متمتعا بذلك العمل.
كان يسري في الليل البهيم القارس وقت الحراثة إلى أماكن موحشة بدون سلاح سوى عصاته وآية الكرسي التي كان يتسلح بها واثقا برعاية ربه، وبرفقة فدانه الذي كان سببا في تأمين لقمة عيشنا الهنية المرية الحلال. كان والدي عنوان جهاد مضن لا يكل لا يمل حتى جاوز الثمانين من عمره.
كان القرآن الذي حفظه في طفولته هو سلوته وغذاؤه أينما توجه.كان يؤثر الوحدة والتأمل في ملكوت الله. وكان قليل الحديث إلا إذا سئل؛ فعندها ينطلق بتوئدة وسلاسة نطق بما يمتع السامع ويفيده.
كان راوية عصره علامة نسب وقصص وتراث وشعر،وهذا ما قد أورثني بعضه وأسهم في تكوين ثقافتي وشخصيتي.
رحم الله والدي وغفر له ولكل الكادحين من أمثاله.
للحديث بقية طويلة محزنة مازلت أعيش أحداثها بألم وشغف .