موسى أبو محاميد شهيد آخر من المعتقلين نتيجة التعذيب والإهمال الطبي
المحامي علي أبوهلال
محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي
أصبحت سياسة التعذيب والإهمال الطبي المؤدية إلى القتل سياسة رسمية ومنهجية لحكومة الاحتلال وقواته العسكرية والأمنية، في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولم تعد عمليات قتل الفلسطينيين من قبل حكومة الاحتلال جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية، أو مخالفة للقانون الدولي الإنساني، أو مخالفة حتى لقانون الاحتلال طالما لا يترتب على ارتكاب هذه الجرائم أي عقوبة أو مسؤولية جنائية، وهذا ما يشجع حكومة الاحتلال على الاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم، طالما أنها تفلت من العقاب، وطالما أنها تبقى سلطة فوق القانون.
وفي إطار هذه الجرائم المستمرة أعلن يوم السبت الماضي 3/9/2022، عن استشهاد المعتقل موسى هارون أبو محاميد (40 عاما) من قرية بيت تعمر شرق بيت لحم، في مستشفى “اساف هورفيه”، نتيجة التعذيب وسياسة الإهمال الطبي التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى والمعتقلين، ويذكر أن أبو محاميد اعتقل على خلفية دخوله للعمل في القدس المحتلة بدون تصريح، وذلك وفقًا لعائلته، وتدهور وضعه الصحي بشكل كبير مؤخرا، حيث جرى نقله إلى المستشفى إلى أن استشهد، وهذا يقتضي المطالبة بتحقيق دولي مستقل وشفاف للوقوف على أسباب قتله، ومحاسبة من ارتكب هذه الجريمة.
استهداف الفلسطينيين بذريعة الدخول بدون تصريح إلى القدس المحتلة، وأراضي عام 1948 تصاعد منذ مطلع العام الجاري، ليس فقط عبر عمليات الاعتقال والاعتداءات العنيفة عليهم، وإنما من خلال إطلاق النار عليهم، وتعذيبهم الذي يؤدي إلى تهديد حياتهم بل قتلهم، كما جرى مع الشهيد أبو محاميد وغيره.
وتشكل سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال بحق المعتقلين الفلسطينيين، سياسة رسمية وقد أدت إلى وفاة عدد كبير من المعتقلين، كأن آخرهم الأسير سامي العمور، البالغ من العمر 39 عاماً في مستشفى سوروكا الإسرائيلي”. وهو من مدينة دير البلح في قطاع غزة ومعتقل منذ عام 2008، محكوم بالسجن 19 عاماً، وطوال هذه السنوات حرمه الاحتلال من زيارة العائلة، حيث تمكّنت والدته من زيارته لمرات محدودة في بداية اعتقاله فقط”.
وقد استشهد نتيجة لسياسة وجريمة الإهمال الطبي المتعمّد (القتل البطيء). وتبيّن أنه “كان يعاني مشكلة خَلقية في القلب تفاقمت جراء سياسة الإهمال الطبي والمماطلة في متابعة وضعه الصحي، وظروف الاعتقال القاسية التي تعرّض لها على مدار سنوات اعتقاله”. وبارتقاء الشهيد العمور، ارتفع “عدد الشهداء الأسرى في سجون الاحتلال إلى 227 شهيداً منذ عام 1967، منهم 72 أسيراً ارتقوا نتيجة لجريمة الإهمال الطبي. ومن بين 4650 أسيراً فلسطينياً في سجون إسرائيل، يعاني نحو 550 أسيراً فلسطينياً أمراضاً مزمنة كالسرطان والكلى والقلب.
وتفيد تقارير الهيئات والمؤسسات الفلسطينية المعنية بالدفاع عن الأسرى والمعتقلين، أن عدد الأسرى المرضى قد بلغ 1200 منهم، من بينهم 25 أسير يعانون من مرض السرطان، 24 أسير معاق حركي ونفسي، 8 أسرى يعانون من فشل كلوي، 20 أسير يقيمون بشكل دائم في مستشفى سجن الرملة وهم أصحاب أخطر الأمراض والجرحى. ومن أبرز أسماء الأسرى المرضى القابعين في سجن “عيادة الرملة: (خالد الشاويش، منصور موقدة، معتصم ردّاد، ناهض الأقرع)، علما أن غالبيتهم يقبعون منذ اعتقالهم في سجن “عيادة الرملة”، وشهدوا على استشهاد عدد من زملائهم على مدار سنوات اعتقالهم.
ويعد الأسير ناصر أبو حميد المصاب بالسرطان نموذجا لما يتعرض له الاسرى المرضى داخل سجون الاحتلال وفي أقبية التحقيق، أيام وليالٍ طويلة ومضنية لا يقوى فيها الأسير أبو حميد على استخدام أطرافه ويستخدم كرسيا متحركا للتنقل، وهو بحاجة ماسة للعلاج. وكانت إدارة السجون نقلت أبو حميد في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من مستشفى “برزلاي” إلى “عيادة سجن الرملة” التي تفتقر لأدنى المستلزمات الطبية الضرورية للأسرى المرضى المتواجدين فيه، رغم وضعه الصحي الحرج وحاجته الماسة للعلاج.
ولا يختلف الحال كثيرا مع الأسير عبد الباسط معطان، المعتقل إداريا منذ تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وهو يعاني من سرطان القولون والغدد اللمفاوية، ولم يجر له أي فحوصات طبية، ولم يتلق أي نوع من العلاج الخاص بمرضه داخل السجن، رغم خطورة وضعه الصحي، وحاجته إلى متابعة حثيثة من أطباء الأورام. وكان من المفترض أن يجري فحوصات قبل أن يقطع الاحتلال علاجه ويعتقله، وخضع لعدة عمليات جراحية لاستئصال جزء من القولون، وهناك احتمالية لانتشار الورم أكثر، وهناك أسرى كثيرون يعانون ظروفا مشابه.
ان سياسة الإهمال الطبي التي تمارسها إدارات سجون الاحتلال بحق الأسرى والمعتقلين، يجب أن تتوقف وتنتهي، وان لم تنتهي ويحاسب من يمارسها، نتوقع المزيد من الشهداء في صفوف الأسرى المرضى والمعتقلين بشكل عام، وعلى المؤسسات الدولية ومنظمات الأمم المتحدة تحمل مسؤولياتها القانونية والإنسانية، لوقف هذه السياسة، ومحاسبة المسؤولين الذي يرتكبونها.