عمان في عيون مغترب عاشق (3)

عبد الكريم الطراونة |الأردن

عبد الكريم الطراونة متحدثا بجوار الدكتور محمود السليمي مستمعا

كانت رحلتي لعمان المجد والتاريخ بلد الحصون والقلاع، بلد الافلأج والسفن التي جابت البلاد تنشر الخير السلام والإسلام، في بدايتها محفوفة بالتخوف والتردد؛ لأنني كنت أجهل عمان الحضارة والمجد الضارب في أعماق التاريخ منذ أن وطئت أقدام مالك بن فهم أرضها المباركة وحررها من طغيان الفرس الذي كان يجثم على أرضها .وطئت أرضها فجر الحادي عشر من شهر أيلول لعام ١٩٨٤ متعاقدا مع مدرسة السلطان في منطقة الخوض مدرسا لمادة اللغة العربية .كنت أنذاك ما زلت في مقتبل العمر مفعما بالنشاط والإقبال على العمل بعد أن غادرت العمل في شركة أرامكو في السعودية مدرسا للغة العربية للأجانب.

كان وصولي للمدرسة برفقة ابن عمي الذي أوصلني للمدرسة، وكان قد سبقني للعمل في عمان مخرجا في التلفزيون العماني، وقد قام بإخراج عدد من الافلام الوثائقية عن تاريخ عمان وتراثها والتي نال بعضها جوائز دوليه في مهرجانات دولية،كان وصولي لساحة المدرسة ساعة الغروب وقت قيام طلبة القسم الداخلي بإنزال العلم متحلقين حوله بوقار واحترام وانتظام،وذلك أول ما شد إعجابي وجلب انتباهي.

عبد الكريم الطراونة بصحبة زملائه بمدرسة السلطان

كان زميلي الطيب الأستاذ عادل العيسى من الحبيبة مصر هو أول من استقبلني بحلاوة وترحيب كونه رئيسا للقسم الداخلي ومدرسا لمادة الرياضيات في المدرسة .ومن هنا بدات رحلتي مع عمان التي وقفت بها على عظمة التاريخ والحضارة وطيبة الشعب وتنوع التضاريس التي يجهلها الكثيرون وللأسف.

كانت مكتبة المدرسة التي تعج بأمهات الكتب التي تتحدث عن تاريخ وحضارة عمان هي المعين الثر الذي كنت ألجأ اليه لأنهل منه ما أدهشني عن تاريخ عمان الضارب باعماق التاريخ من الصين شرقا حيث سفينة صحار والسلطانة تجوب بحارها تنشر الحضارة وتثري الاقتصاد، وتنشر الاسلام إلى أمربكا غربا حيث أحمد بن النعمان أول سفير عربي إلى تلك البلاد .عمان قاهرة البرتغال وراعية الإسلام ،عمان بلد القلاع التي تجاوز عمر بعضها آلاف السنين شاهدة على تاريخ حافل بالأمجاد العسكرية وهندسة البناء (بهلاء وغيرها) وصد الغزاة وجامعات عصرها التي تخرج منها العلماء في شتى صنوف العلم وخلفوا لنا تراثا دينيا أدبيا علميا متنوعا ثرا ما زلنا نتفيء ظلالة وننهل من نعيمة.

عبد الكريم الطراونة في يوم رياضي لمدرسة السلطان

عمان أحمد بن ماجد ومازن بن غضوبة وجابر بن زيد وابن دريد والخليل بن احمد، عمان اليعاربة بناة القلاع والحصون وقاهري الغزاة وغيرهم ممن تولوا أمر قيادتها ذات يوم عمان أحمد البوسعيدي مؤسس الدول وابنه سعيد حاكم الامبرطورية العمانية في آسيا وافريقيا، عمان قابوس الرفعة والمجد والبناء ووريثه هيثم الخير والصلاح.

عمان بلد التضاريس العجيبة؛ وديان سحيقة ينساب ماؤها زلالا رقراقا يبعث الحياة في جوانبها نخيلا شامخا وتمرا لذيذا وخيرا وفيرا على يد مزارع مجاهد مؤمن بربه منتم لارضه ،عمان الجبال الشاهقة الصماء والتي قهرها الانسان العماني فشق خلالها أوسع الطرق وأسهلها ليجمع شمل قراهها ومدنها بعد أن كانت عصية، عمان الشواطيء الفسيحة الجميلة الممتدة النظيفة، والبحار العميقة التي لم تبخل عليها بما حباها الله من الخيرات حلية وغذاء وارتحالا ومتعة وسياجا.

عمان الشعب الطيب المتواضع الوصول الكريم المتحدي لقسوة المناخ والطبيعة والظروف .قد يطول الحديث عنك ياعمان، يا من احتضتني وعائلتى ما ينوف على ثلاثةعقود هنية عشناها على أرضها بوئام ومحبة وسلام .عمان التي تخرج منها أبنائي جميعهم متسلحين بجميل العلوم والثقافة، وكانت مسقط رأس أصغرهم، عمان طلبتي الكرام النابهين الأوفياء وصحبنا الكرام الطيبن،عمان الذكريات الجميلة الشفيفة،عمان التي قضى على ثراها رفيق دربي وتربي وقدوتي ونجله الحبيب.عمان عمان عمان .

عمان المجد حياك الحيا

وسقاك دمع شوق قد هما

|||
وسقتك مزنة حافلة

شفها الوجد وأثراها الهوى

حماك الله ياعمان وبارك في شعبك الطيب،ووفق بانيك لما فيه الخير والرشاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى