كنت في مصر
حسين بن صبح الغامدي | السعودية
مصر لم تتغير.. لازالت الناس تستمد أوقات متعتها من النيل رغم تغير لونه.. ولازال بعضهم يقرأ الأهرام رغم اختفاء الفتاة التي كانت تردد “أهرام أخبار جمهورية”. الناس هم أنفسهم الذين يطربون للغناء ولكن الفرق الموسيقية التي تتجمع تحت المباني وتغني لم أرها. مكتبة المدبولي ودار الشروق وحتى سور الأزبكية لاتخلو من الكبار.. ولكنهم يتفرجون ولا يشترون إلا القليل. الزحمة لازالت ولكن الحمد لله خفت الحوادث.
مصر باعثة للنشاط والهمة.. حتى لو سهران ممكن تصحى الفجر عادي، وتنخرط في الزحمة عادي.. كل شخص يدور رزقه، أغرب شيء في مصر الفجر أكثر دفئا من الظهر. أجمل شيء في مصر المصريين ابتسامتهم وبشاشتهم وحبهم للناس.. واسوأ شيء الدولار والذين يتعاملون بالدولار.. الجنيه مريح نفسيا أكثر من الدولار حتى لو تضاعف الرقم.
لازالت المقاهي تستقبل أصحاب المزاج.. لكن لم يعد يرتادها مثل نجيب محفوظ.. ولا ذاك الطيب صاحب العود الذي يأخذ مقعده بهدوء في إحدى زوايا المقهى.. حتى يستدعيه أحدهم ويدندن “إني رأيتكما معًا…..”، السينما والمسارح لم تعد مغرية للذهاب إليها.. “الزعيم” أحرق كل شيء أتى بعده. ميدان الحرية تغيّر اسمه.. أو ربما التبس الأمر على سائق التاكسي الذي زودني بالمعلومة.
أصبحنا مرعوبين من المطاعم، وفضلنا تدوير الطبخ بيننا (نحن الأصدقاء) كل واحد يطبخ يوم، ومن لايجيد الطبخ يعزمنا في فرحات المهندسين.. حمام محشو بالرز اللذيذ.
السايس ثبّت مكانه على الخارطة، والبواب زادت مهامه وأصبح يحتاج إلى فريق عمل.. أصحاب المهنتين الأخيرتين لم يدرسا أو يلتحقا بدورات في مهارات الاتصال، ولكن يبدو فُطِروا عليها، أو اكتسبوها من صراع الحياة المعاصرة، وضغوطاتها التي لاتنتهي.