فايز حميدي | شاعر فلسطيني – السويد
-١-
هُناكَ في البعيدِ البعيد
الصَّمتُ يَتمادى والضياءُ شاحبُ
وتتوهجُ في المَدى أرصفة المَدينة
طريدةٌ
ظامئةٌ
ذابلةٌ
بقدمينِ عاريتينِ تَخطوان الهُوينى
في بيداءِ الوَطنِ المَذبوح
الدِّيارُ مُباحةٌ
والدِّماءُ رَخيصةٌ
وسحائبُ الموتُ تغتصبُ السَّماءَ
والمُدن المَهيبة والأفقُ غُراب
ألفُ مجزرةٍ ومجزرةٍ
لم يبقَ من الضَّحية سوى الهشاشة والعظام
وينتحرُ الكلامُ
وأبواقُ الغُزاة تمادتْ في الضَّلال
نُباحاً
وعواءً
وفحيح
والقَلبُ يُرخي أدمعه
أيُّها المَحزون
هو زَمنٌ لا بُدَّ أن يَمضي
هل تفتحتْ زهرةٌ يوماً على فننٍ عَقيم ؟
كمْ من شِعاراتٍ مُوشاةٍ بأزهارِ العَدالةِ
ورحيقِ الزَّعفران وأصابع الحنَّاء
أفرغتْ من مَضمونها فأمست :
هُلامية التَّكوين ، خَاوية المَعنى
خباءّ للريح واحةٌ للمُرهقين
جثةٌ بيضاء مثل تمثالٍ حَزين
مُسمرةٌ كسلعةٍ تُباع مَعكوفةٌ على الصَّليب !!
-٢-
يَا سيدةَ الناياتِ الحَزينة
في شَراييني أقصوصةُ حبٌّ إليكِ
هو زمنُ العَتم واليُتم وغضب الطَبيعةِ
وصبوة الإقدام
والجُرّحُ على الجُرحِ
وإن بزغتْ دَوائر الإصباحِ
وغردَ طائرُ الحنينِ
هي لعبةُ الحياة الغَامضة
وغربةُ المصيرِ
يَا دَمعةَ القَلبِ
وأنتِ تَقتفينَ خُطى الطيّر المُغرد
وتنامينَ على عتبٍ وَتُصبحينَ على همِّ
هو حَصاد الصَّمت وإن شَابَ جُرْحُكِ
بَاعوا مَفاتِحكِ يا أماهُ بالبخسِ وجَاهروا
يا حُلم الغَريبِ وَجنةَ الأوطانِ
يا حُرَّة الرُّوح
يا مدينةَ التَّاريخِ
في غَفلةِ البَصيرةِ والجُّوعِ والعَتمةِ
” لا يبقى في الوادي إلا حجارته “*
“ولا في الكرم إلا الحطب “*
أنا المُتيَّم الدَّنف سيءَ الحَظِ
أشعلُ شمعةَ الذِّكرى
كابتسامةِ الوجهِ البريء في البُكاءِ
كنحلةٍ شَفافةٍ تُعانقُ رحيقَ وردةٍ حَمراء
كأغنيةٌ حزينةٌ مَسحتْ دُموعها
ونامتْ على ألحانِ قيثارةٍ
وأنشدتْ نشيدُ الحياةِ
-٣-
يا قبلةَ العُشاقٍ والحَبق المُعتق
ما زالَ الشَّوق يُعانقكِ ويُضنيك الحَنين
وتٌمطرينَ في جنونِ الحُلم حُباً
في ظلالِ الليلِ الطَويل
وتفتحينَ ذراعيكِ في فضاءاتِ الصَّمتِ
وَصمت المُتعبين
ومع سنابلٍ ضوءِ الصَّباح الوَليد
تَحلمين بالمطرِ
وتُطلقين قُبلاتكِ في تَوقٍ عَميق
لنوارسٍ مُبللة بالأملِ
لأطفالٍ وَأزهارٍ وَخيامٍ ونشيد ..
* * * *
*- لا يبقى في الوادي إلا حجارته: مثل جزائري .
* -لا يبقى في الكرم إلا الحطب : مثل سوري .
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )
