أدب

أوراق الخريف.. رحيل (٣)

قصة

شرين خليل | المنصورة

ماتت نادين أمام باهر ..وقف باهر متجمداً. أصابته صدمة شديدة ..
شعر وقتها بالعجز، لم يستطع إنقاذ ابنته…لم ينطق بكلمه ينظر لابنته وهي مُلقاه أمامه على الأرض غارقة في الدماء ..الناس تقف حولها في حالة تأثر شديدة..المشهد رهيب ..
قلوب الناس تتمزق من الحزن …
باهر لا ينطق ولكنه بدأ يقترب من ابنته ويداه تنتفض وجلس على ركبتيه بجانبها في صمت تام..
حتى جاءت سيارة الإسعاف وحملتها إلى المستشفى…
انتشر الخبر وعلمت رحيل بما حدث وذهبت مسرعة إلى المستشفى وعندما دخلت ووجدت باهر بدأت في مواساته ولكنه انفعل عليها بشدة :
إنتي السبب في موتها ..قولت لك مش هاتعرفي تربيها صممتي إنها تقعد معاكي كام يوم …سيبتيها تلعب مع بنت البواب .. عشان تموت…
-أنا ياباهر..أنا بحب نادين وصعبت عليا لما قالت لي إنها نفسها تلعب شويه…
-إنتي إنسانه لا تصلُح لأي شئ..لا تعليم ولا بيت ولا أي شئ..
-اخرجي من هنا مش عاوز أشوفك …
-حرام عليك ..أنا مليش ذنب …
-اخرجي من هنا فوراً..وارجع البيت ألاقيكي مش موجوده فيه وليا كلام تاني مع والدك …
خرجت رحيل وهي تبكى بحرقة شديدة وذهبت لمنزل والدها وحكت له ماحدث …
وكانت الصدمة عندما أخبرها والدها بأنها أخطأت عندما سمحت لنادين بأن تخالف أوامر والدها وتفعل مانهاها عنه…
وطلب منها أن تنتظر باهر حتى يهدأ …
حاولت رحيل الإتصال بباهر ولكنه لم يرد عليها وتركها فترة طويلة عند والدها ولم يسأل عنها أو عن طفلته الصغيرة .. حتى تدخل والدها وحاول الإصلاح بينهما…
وعادت رحيل إلى بيتها مرة أخرى وبداخلها حزن وألم…
وخوف من قسوة باهر عليها فهي لم تجرؤ على إخباره بالحقيقة بأن موت نادين كان سببه الخوف ..خوفها منه هو الدافع وراء هروبها وهو سبب كل ماحدث…

بدأت الحياة تستقر بين رحيل وباهر ..فرحيل لا تُعارض في شئ ..استسلمت للواقع …
أنجبت رحيل طفلة آخرى “فاتن” …
وأكملت تعليمها الجامعي…
عاشت رحيل لزوجها وبناتها وكأنها آله تنفذ كل شئ بمنتهى الدقة …ومع ذلك باهر دائماً ساخط على كل شئ..
مرت سنوات عديدة ورحيل تعيش بقلب نقي وصافي زوجة مثالية بكل المقاييس…
أما باهر فلقد أصبح أكثر ليناً معها، أشياء كثيرة لم يعد يهتم بها …وبدأ يتغيب كثيراً عن المنزل بحجة العمل في إحدى الجامعات الخاصة البعيدة ..
ولكنه دائماً يشكو من قلة المال …
أخذ منها الذهب الذي تملكه لكي يجدد سيارته…
توفت والدتها ومرض والدها مرض شديد ولم يهتم به سوى رحيل فهي الوحيدة التى اعتنت بوالدها في وقت مرضه حتى توفاه الله…
وكالعادة باهر يشتكي من قلة المال ليأخذ ميراث رحيل وهي سعيدة بذلك لإعتقادها بإنها ستُحافظ عليه وعلى حبه لها وكانت المفاجأة التى أخرجت رحيل من دائرة الوهم الذي تعيشه …ففي يوم ذهبت رحيل مع أخيها رأفت لإستخراج بعض الأوراق لكي تستطيع التقديم لبناتها في إحدى المدارس لتكتشف أن زوجها متزوج بأخرى ولديه أبناء منها …
وازدادت صدمتها عندما رأت اسم الزوجة ماجدة صديقتها….
أصابتها حالة من الإنهيار الشديد من صراخ وبكاء وسقطت على الأرض في حالة إعياء شديدة…
حاول رأفت إفاقتها حتى بدأت في استرداد وعيها …
وساندها حتى وصلت البيت …
وطلب منها التعامل بهدوء حتى لا تخسر كل شئ ..
رحيل منهارة، لا تستطيع التفكير بهدوء تتساءل: ماذا فعلت؟ هل استحق كل ما فعله بي؟
هل أخطأت عندما وثقت وأعطيت؟ أعطيته روحي وقلبي وحياتي..
لماذا خدعني وكذب عليّ؟
فعلت كل مابوسعي لكي أرضيه…وفي النهاية قتلني …
لا أدري ماذا أفعل؟؟؟
هل أنفصل عنه؟ أم أعيش في نفس الدائرة؟؟
سأواجهه عندما يأتي ..واسأله هل كنت سعيداً بخداعي؟ كنت تتلذذ بتعذيبي وإهانتي؟؟ كذبت عليّ وأوهمتني بأنك تحبني ولكنك دمرتني…
وجاء باهر وحان الوقت للمواجهة وبدأت رحيل تتحدث وهي تنتفض وصوتها يرتعد : أنا عرفت كل حاجه..عرفت إنك متجوز ومتجوز مين صاحبتي اللي كنت بتمنعني أكلمها عشان كده صح؟
أنا قصرت في إيه وعملت إيه عشان تعمل فيا كده ؟
-أنا اتجوزت لإن دا حقي ..عاوز اخلف ولد والحمد لله خلفت ولدين تؤام كمان … وبعدين لازم تفرحي دول هايكونوا سند لبناتك..
-إنت إنسان أناني مش بتفكر غير في نفسك وبس عمرك مافكرت في بناتك دلوقتي بتقول سند ليهم هي دي الحجة بتاعتك …
-شوفي يارحيل كلمة زيادة هاسيب البيت وامشي أنا مش عاوز وجع دماغ ..واضح إن كلكو زي بعض حتى صاحبتك ماجدة طلعت زيك نكدية وشكلي كده هاجيب لكو التالتة ..
– مش بقولك أناني ومش شايف غير نفسك …
أنا ماشي رايح عند أمي أريح أعصابي منك ومن صاحبتك …
-استنى أنا ماخلصتش كلامي..
-أنا معنديش استعداد أسمع أي كلام أنا راجل واعمل اللي أنا عاوزه…
خرج باهر وترك رحيل منهارة من كلامه …ولذا قررت الذهاب إلى ماجدة وذهبت لها وتحدثت معها وكانت المفاجأة بأن ماجدة تطلب الإنفصال من باهر فهي تشكو من تسلطه واستبداده…
تركتها رحيل وذهبت لإخوة باهر وكان ردهم بأن باهر شخصيته عنيدة ولا يهتم بأحد سوى نفسه فهو يتملكه الغرور والأنانية واندهشت رحيل عندما أخبرتها أخته أنهم كانوا يتعجبون من حبها له وصبرها عليه طيلة حياتها معه…
كاد الجنون أن يُصيبها بسبب ما عرفته عن باهر من أقرب الناس له ..فباهر من الخارج يختلف عن الداخل ..
أمام الناس الملاك البرئ ومع أهله وزوجته الشخص الأناني، المستبد..
طلبت من إخوتها مساعدتها في الإنفصال عنه ولكنهم رفضوا..فالإنفصال من وجهة نظرهم يُعتبر إهانة للعائلة ..
حاول رأفت أن يخفف عنها فهو الوحيد الذي يعطف عليها ولكن صدمتها كانت شديدة وجلس يتحدث معها بلسان العقل: رحيل عاوزك تفكري بعقلك عشان بناتك، بلاش تتسرعي في إتخاذ أي قرار وخصوصاً لما يكون قرار مصيري..
رأفت :
-عارف الصدمة
أيوا الصدمة هي إيه بقي؟؟
هي إنك تتفاجئ بشئ ماكنتش تتوقعه
الصدمات بتختلف لكن المعني واحد
أو النتيجة واحدة
بتتصدم في حد لما تكون راسم له صورة ويطلع عكسها
لما تكتشف إنك اتخدعت في حد وثقت فيه
لما تعرف إن اللي قدامك كان بيمثل عليك المثالية والأخلاق وفي الآخر طلع كداب كبير وقتها بتفقد الثقة حتى في نفسك وتسأل نفسك هو
إزاي في ناس بأكتر من وش
إزاي في ناس بتقدر تتعايش وهي كده بصورة قدام الناس وبصورة تانية بينه وبين نفسه
حاول إنك تتوقع أي حاجه من أي حد في أي وقت وبلاش الثقة العمياء وعلى رأي المثل اللي بيقول حرص ولا تخونش
وإحذر من قلبك لإنه ممكن يخليك ماتشوفش صح لإن القلب يخطئ أحياناً ..
-عارف إنك مصدومة بس فكري في بناتك ومصلحتهم…
-حاضر يا رأفت هافكر ..بس محدش يلومني على اللي هاعمله…
-هاتعملي إيه؟
-بكره تشوف…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى