سياحة في كتاب.. الحلقة الثالثة في رواية “ليلى… منه وإليه”

محمد خضير:فنان وشاعر-الأردن
رواية “ليلى… منه وإليه” للروائي إياس حواشين، حقوق النشر للمؤلف/ الأردن.

ما زالت ليلى حتى اللحظة تشكلُ الوُجهة الرومانسية لكلِّ من اقترفَ الشعرَ والأدب، فمنذ مجنونها وحتى إياس؛ احتملت ليلى هوَس الشعراء والأدباء لتكون بذلك نائبة وممثلة عن المرأة العربية المعشوقة، كما نابت عنها في جمالها وقبحها وسطوتها وتبعيتها، وكذلك في رأيها الذي غيَّبه من انتقصَ من مساحة عقلها؛ فألبسها ثوب القاصر فكريًا. معتقدًا بأنها كتلةٌ من لحمٍ أنسِجتهُ العاطفة.
هاهي ليلى اليوم تطلُ من بين دفتي روايةٍ حاملةً لنا سلّةً من الشك المفضي إلى السؤال، وسلالاً من اليقين المؤدي إلى الإيمان المفقود، وبهذه الرواية؛ يكون إياس قد علّق الجرس إيذانًا بالبحث عن حقيقة تُناقض ما ألفْناه مِن تورية، وبعيدًا عن تقنية الرواية التقليديّة؛ التي جاوزتها عبقرية الفكرة في تفعيل هيبة العقل… لا النقْل.
الرواية بفطرتها الأدبية تحطيمٌ للشكل، وبناءٌ قادرٌ على امتطاء السوريالية، ومخيالٌ قاطفٌ للخيالِ المتموضعِ داخل كفِّ مجتمع نحياه على استحياءٍ من ما تبقى لنا من الإنسانية. ولأنها كذلك… لم يُزاحم حواشين طابور الرواة الذين يقفون على أبواب الجوائز العالمية وهم يحملون منجزاتٍ فصِّلت على قياس الجائزة بقليل من نكهة السياسة، وكثير من المحسوبية الثقافية. لهذا اقترب حواشين كثيرًا من فكرةٍ كانت عصية على غيره من الرواة، مستثمرًا ثورة الانقلاب على مخلفاتِ بعض التفاسير التي أودت إلى انتشار ديانةٍ سافرت بتابعها إلى وُجهةٍ غيرِ الجنّة. فلم يكن غرضُ إياس إبرازَ حالةٍ أخرى من الحبِّ، أو الحديث عن تضحية نفيد منها؛ كيف نقدم المرأة على الرجل حين يكونان على حافة الموت، إن ما سعى إليه هو ترتيب فوضى الفتاوى على لسان ليلى التي قاربت الثلاثين من غير أن يمسسها رجل، أيضًا لم يتورط إياس في إقحام نفسه داخل مجتمع الرواية، فقد نأى بنفسه تمامًا، ولم يفعل فعلةَ كثيرٍ من الرواة الذين نجدُ ظلالهم ساقطة على أحداث رواياتهم. فكانت سيدة الرواية أنثى، وكانت الأحداث واقفة على مسافة صفر من امرأة لا يليق ثوبها برَجل الكتابة.
ولست هنا من أجل تحكيم الرواية بميزان الدين، لكني هنا من أجل فتح الباب أمام رنين الجرس الذي دقّه الراوي في غرفةِ عقله فذاع صوتُه خارجَ جدرانها.
كم نحن بحاجة الآن إلى منصف يأخذ بيدنا بعيدًا عن فكرة الدمية المعلقة بمجموعة من الخيوط، تتحكم بها كفٌ بخمسة أصابع، وكم نحن بحاجة إلى مراجعة الكثير من الكتب التي صدرت باسم الدين، لكنها شوّهته أمام مرآة الله التي نقف أمامها الآن خاضعين معترفين بأنّا عباد على قدر ألوهيته.
ليلى منه وإليه… روايةٌ فكريةٌ دينيةٌ، نقْدُها في عهدة الناقد، لكنها مفتاحية الأشياء التي تقفُ خلفَ أبوابٍ نملكُ أنْ نُشرعَها أمام من يرغبون الولوج إلى عوالِمها.
هنا أجدُ أثرالموسيقاربليغ حمدي، وهنا يسوقني مقام البياتي إلى ركيزة “الدوكاه” أو “الرِّي”… وأعتقد بأن إياس الموسيقي لم ينفصل عن شخصه الروائي؛ فكان حاضرًا، لأن هوسَهُ بالموسيقا أورثه إلى ليلى عازفة الكمان، والتي وَصفتهُ بدورها “بأن البياتي، شوق وعناق” لهذا أطلق لها صوتها عند أول وترٍ: فايق يا هوى، لِمْ كنا سوى… فكانت الرواية نوطة موسيقية سلَّمها: ألكساندرا سيئة الخلق، والخناس، وفارس الذي كان مثابة الضرِّ للروائي الذي مرضَ بليلى… فأمرَضَنا.
علَّق والدها على خبر طلاقها: “لا تحزني يا ابنتي، هو الذي خسِرَكِ، لكن إياكِ والدعاء عليه، سامحيه واطو صفحته”. بهذه الكلمات أختصر لكم ليلى، فجميعنا خاسر إذا ابتعد عنها…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى