عبد الرزاق الربيعي مع الفنان الكبير د. صبيح كلش.. وجها لوجه
عالم الثقافة | خاص
أساليب مابعد الحداثة تشكّك بأسئلة الفن
أرسم ضد الخوف والرعب والجوع
عندما تعلّم الدكتور صبيح كلش كيف يرسم وجوه أهل منطقته البائسين والعمال المتعبين والفقراء والمتسولين والشجن الكربلائي وحياة الريف ونهر دجلة و عبد الكريم قاسم حينما شاهده لأول مرة حينما كان عائدا من المدرسة قرب شارع المشجر حيث سكنه البسيط, عرف إنه قبض على سر من أسرار العالم , هذا السر قاده الى التتلمذ على يد الفنان الكبير فايق حسن في معهد الفنون الجميلة وأكاديمية الفنون الجميلة ببغداد ثم يكبر الحلم ويصبح السر هاجسا أخذه الى فرنسا حيث جامعة السوربون ومتاحف ومعارض عاصمة النور, ليصقل موهبته ويطور ماتعلمه ومن خلال مشاركته المميزة في المعارض الجماعية للفن العراقي المعاصر تبلورت شخصيته الفنية.
تجربة(صبيح كلش) المتجددة تعتمد على صياغة خطاب يعتمد الأرث اللغوي للربط بين ثنائية العقلي والحسي ، وخلق نوع من الحوار “كما يقول الناقد محسن الذهبي. مضيفا “ان محاولة الفنان (صبيح كلش) اقامة علاقه نفسية بين الشكل الفني للوحة ومضمونها جعله يستخدم الفعل لاسترجاع الماضي وعلي هذا الاساس فهو يعتمد علي مخزون الذاكرة الفردية للفنان والجمعية بتاريخيتها واساطيرها ليسترجع كل المواريث المؤثره في الذاكرة وسكبها علي سطح اللوحة بمفاصل متعددة فاللغة والفن وحتي السياسة تلتئم لتشكل مادة اساسية للتصور ،فالمزاوجة بين المعاصر والتّاريخيّ ما هي إلا محاوله للكشف عن مدي الاضطهاد الذي تعانية الذّات الإنسانيّة المعاصرة. وحنين بالعودة لطفولة أنسانيّة كحلم البحث الانعتاق الى عالم أرحب يحقق ولو جزء من سعادة الإنسان”
في جامعة السلطان قابوس التي يعمل تدريسيا.. فيها التقينا به وسألناه:
حملت أعمالك(رموزا تراثية تعكس محنة الإنسان المعاصر)،هي خطوط مليئة بالأحاسيس والأفكار التعبيرية ضمن تناسق لوني عاكس من خلال معاناة الإنسان وصراعاته المستمدة من معترك الحياة.هل لك أن تحدثنا عن هذه المرحلة؟
– في أعمالي عملت على تجسيد رؤية جديدة لمعاناة الإنسان بعيد عن المباشرة والإسفاف الواقعي من خلال بنية تجريدية ذات طابع تعبيري رمزي ومن خلال تبسيط أكثر للمساحات والأشكال برموز تعتمد على الموروث الشعبي، للتحرر من الدلالات المحددة والسعي نحو التعبير المجرد والمطلق معتمدا على تقنية قي المواد والخامات المتوفرة، حيث جاءت الأعمال مجسدة الفكرة والهدف الذي أردت من خلاله عكس رؤيتي المعاصرة لأحداث الفترة المضنية لمحنة الإنسان العراقي .
على سطوح لوحاتك تبدو للمتلقي إحداثيات تتقارب في الرسم على شكل ثلاثيات تتداخل معا، تنبثق معا،وتنزوي معا فالنافذ المتابع يستطيع تحليل علاقة البعد الأول (خلفية اللوحة المجردة) مع البعد الثاني (مقدمة الوحدة الملونة) مع البعد الثالث (ديناميكية حركة التواصل) (1988-1997) فكيف تفسر لنا العلاقة بين الثلاث إحداثيات؟
– لدى كل فنان رؤية بصرية في التكوين البنائي والشكلي العام لإنشاء اللوحة يعتمد على الخلفية الثقافية للفنان، ورؤيتي تكونت من خلال دراستي الطويلة لمفاهيم ومبادئ العمل الفني وتجاربه المعاصرة، وأعتبر تجربتي في ثلاثية التداخل على سطح مستوي لتجسيد البعد الثالث من خلال إحياء العمق وربطه بمقدمة اللوحة واللعب الجميل على ديناميكية الحركة، هذا ذكاء منك لاكتشاف هذا الظاهرة في أعمالي، إذ أن هذا الأمر غاب كثيرا عن دائرة النقد الضيقة في مجتمعنا والتي تتم باتفاقات ثنائية خلف الكواليس، لقد اعتبرت ذلك تجديدا في مفهوم اللوحة، مضاف له المهارة والتقنية في بناء اللوحة العام، تلك الأعمال قادتني في تجاربي الجديدة إلى أضافت أشياء جديدة مكملة لتلك الرؤية من خلال الملمس والبناء النحتي المبني على الإيهام والتهميش والاختزال، وهي نفس العلاقة الثلاثية بالموضوع والشكل وسأبحث عن بعد جديد واستقلالية منفردة .
نرى في لوحاتك تضمينا لحروف و رموز لها صلة بواقعنا المعاصر هل تعني بذلك الواقع الراهن و الحقبة التاريخية العصيبة؟
– دائما أعيش الواقع وأتأثر فيه ولا استطيع التنكر له ، ويظهر ذلك جليا في تعبير لوحاتي ، كما يبدو ذلك واضحا في تعبير وجهي، لقد عشت المأساة وضمنتها في لوحاتي رغم صعوبة الموقف وانتشار الوشاة، هذه الأعمال ذات المحتوى الاجتماعي غالبا ما تملك تأثيرا تعبيريا مباشرا، وسيبقى تأثيرها وقوتها كامنان في عمقها التاريخي رغم تغير الظرف السياسي وتبدل الحال الاجتماعية ،فوحشية الحرب والدمار الذي خلفته، والانتهاك الصارخ للعدالة في زمن الطغاة، الخوف الرعب،الجوع، هي مواضيعي، مغطاة برمزية تصويرية لا تخلو من عنصر الإيهام بتفاصيل القصة التي حاولت سردها من خلال مفردات الأشكال التقليدية في الإيصال البصري الغير مباشر، تحسبا لأي طارئ لذلك يأتي هذا التضمين للحروف والرموز ألتشبيهي كمعالجة أسلوبية،إذ ليس من السهولة أن يغير الفنان لغته التصويرية خصوصا وهو يحمل رسالة مقدسة يخاطب فيها حشدا كبيرا من العالم .
في تجاربك التجريدية حس شعبي كيف وظفته؟
– لقد اتخذت في بعض أعمالي الجديدة مسارا تجريديا مدروسا واعيا لا تشوبه السذاجة أو المجانية يتماشى مع الحس الشعبي الذي حاولت توظيفه في تلك الأعمال ،فمن خلال تبسيط أكثر للمساحات والأشكال وزخرفة متنوعة وخطوط شفافة وقوية أحيانا تتداخل ضمن تلك المساحات الهندسية، الوجوه دوائر والعيون نقاط والملابس مجموعة من المربعات والمثلثات والمستطيلات تتمازج بعلاقة لونية تركيبية منتظمة تعتمد الموروث الشعبي مع تكوينات بنائية باستخدام مواد مختلفة تحيطها هرمونية شفافة لبساط عربي على أرضية ملساء كلون الخلفية،وهذا الحس الشعبي وجدته منسجما تماما مع فكرة الموضوع التجريدي ، ثم انتقل بحماسة قوية إلى الرهافة الحسية والشفافية اللونية التي كنت سابقا ارسم وألون فيها أعمالي الواقعية
أنت وريث تجربة تشكيلية عراقية متينة, ماذا أخذت من الأجيال السابقة؟
– أني أفتخر دائما بأساتذتي من الأجيال السابقة، لقد تعلمت وأخذت منهم الكثير خصوصا أنهم حملوا إلينا خبرات وتجارب دراسة الفن في بلدان العالم المختلفة، وقد كنت محضوضا بإطلاعي على تجاربهم العالمية ،لأن أغلبهم قد درسني الفن في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة، فمن جيل الرواد والخمسينات والذين درسوا وأطلعوا على الفن الفرنسي فايق حسن وشاكر حسن آل سعيد وإسماعيل الشيخلي وخالد الجادر و صالح القرغلي ونزيهة سليم ومن درسوا الفن في بريطانيا حافظ ألدروبي وكاظم حيدر وفي مصر فرج عبو وفي إيطاليا إسماعيل فتاح الترك ومحمد علي شاكر ومن جيل شباب الستينات محمد مهر الدين وقد درس في بولونيا ورافع الناصري درس في الصين، وهذه المجموعة تعكس جانب جميل من الفن العراقي المعاصر بكل أطيافه وتنوعاته، فمنهم الأكاديمي والواقعي والتعبيري والتجريدي والتجريبي والمجدد، ويبقى فن هؤلاء المبدعون سواء الراحلون منهم أو الأحياء أطال الله في أعمارهم مدرسة أزلية تنهل منها حتى الأجيال القادمة.
برزت في الآونة الاخيرة اتجاهات جديدة تدعو الى الخروج من الإطار، الفيديو أرت،كيف تنظر إلى هذه الاتجاهات؟
– كثير من الفنانون الذين وجدوا في الشكل الفني البحث مجالا للهروب من الواقع نحو التبسيط و التجديد والتجريد وهذا الخروج ليس إلا التعبير عن الشعور بالحرية وهي عملية تخدم اللوحة من ناحية المضمون والشكل في آن واحد، والفيديو أرت هذا الفن توجه نحو نمطين في التعبير تربط بينهما منهجية واحدة هي البنية المبرمجة والصورة المتبدلة حركيا وهاتان الوسيلتان ستقودان العملية خارجة عن حدود الفن إلى حدود ما لم يعد فنا، وبات الآن أن نعرف ما هو الفن، إذا كان ما زال يحتفظ بدور موجه في المجال أو انه خلاف لذلك وبالأضواء المنعكسة من عارضة الفيديو والكمبيوتر على ألأشياء أو بالبريق الغماز المنعكس على وجوه المشاهدين ليكون فكرة الموضوع وهنا لابد من القول أن استخدام الكمبيوتر يعيدنا إلى موضوع العلاقة بين الإنسان والآلة ظاهرة التلاقي بين التكنولوجيا والأغراض الجمالية تجمع بين الضوء والحركة سواء على مساحة مسطحة ذات بعدين أو في إبراز حقيقية ثلاثية الأبعاد ليتحد فيه الحس أللمسي مع الحس البصري وإدخال المشاهد نفسيا وجسديا في العملية الجمالية وليتحول فيه الشيء المنظور إلى عمل فني، والمبرمج بدلا من الفنان ، والمشارك بدلا من المشاهد، إلا أن ذلك سيحجم من دور اللوحة التشكيلية وسيقود إلى تقسيم الفنون وتباعدها وتعود القطيعة بين الفنان والجمهور ، خصوصا في محيطنا الذي لا زال فيه الجمهور ينتظر من الفنان أن يقدم له صورا يمكنه التعرف عليها ويجد لها مثيلا في الواقع.
أثرت الظروف المحيطة بالمنطقة و العراق منذ فترة 1980 م على توجهاتك في إختيار المضامين كيف عبرت عن كل هذا في لوحاتك ؟
– لقد تبنيت منذ بداية تجاربي الفنية قضايا الإنسان العربي ومعاناته ، فكانت لوحاتي تعطي الانطباع العام بتأثيرات اللون الواحد الأزرق الممزوج بهرمونية الألوان وهو الانطباع الذي يتولد من المزج البصري بما تتضمنه من خطوط لمدى فضائي متعدد الأبعاد ،وثم يبرز الحدث في مقدمة اللوحة دائما لرجال يحملون بنادق الحرب والمقاومة، ليبدد الهدوء والاستقرار يوحي بالعنف والموت ، واستمر هذا الشعور والإحساس، ودون أي تساؤل أجد نفسي منكبا على رسم بقايا إنسان ، أو أثار تخريب وتعذيب ودمار، إنسان سحقته الآلة، أو معذب في زنزانة، أو ثكلى، وضحايا وشهداء، وناس تهوى من جسر مرتفع بفعل إرهابي، وبعد رجوعي للوطن اتبعت طريقة رسم قريبة من الكلاسيكية الحديثة تعتمد على استخدام التشريح الجسدي في التعبير وبفضل هذه التقنية المعقدة وخطوط الحصار الموضحة في الموضوع والمتفاوتة الأعماق والوضوح في عين الناظر تبعا لقوتها اللونية وما تشكله من تناغم داخل اللون الأحادي الأزرق المهيمن الذي يوحي بالحركة والسكون لأبين مدى تدمير بنية الإنسان من جذوة الحصار والحرب والاضطهاد .
أمضيت نحو خمس عشرة سنة في باريس ماذا عطتك هذه التجربة؟
-من خلال أبجدية السفر والغربة أدركت أن العالم غريب في داخلي وأنا أشبه بوديعة في تلك البلاد وعندما استمر بي هذا التغرب تأكدت[أن الجدار الذي يفصلني عن الوطن سينهار يوما وسيصبح العالم كله وطنا واحدا ، هذا على صعيد الغربة .
أما على صعيد الفن فقد أعطتني باريس أشياء وأخذت مني أشياء فخلال السنوات التي قضيتها استطعت أن أدرس الفن دراسة فعلية عملية وعلمية وأن أطلع عن كثب على تجارب الفن المعاصرة وطرق تدريسه، قدمت معرضين شخصيين واشتركت بعدة معارض، وقد أدركت أن هناك عناصر كثيرة تجعل وسائل الأعلام الكبرى تبتعد عن الفنان العربي منها العنصرية والانحياز السياسي .
هل أتيحت لك الفرصة في التعرف على أكبر فناني أوروبا وذلك من منطلق مكوثك في باريس لمدة طويلة وهل كان له الأثر في التعبير عن لوحاتك؟
– على ضوء المفاهيم الدراسية استطعت التعرف عن كثب ومعايشة الحركة الفنية في أوربا عامة وفي باريس خاصة واطلعت على المنطلقات الأساسية الحديثة في الفن وغاياتها بعد إن تبدلت وسائل التعبير وتنوعت مفرداتها ولم تعد اللوحة تمثل العالم المرئي كما لدينا من معارف بظواهر الأشياء بل أصبح تجسيدا عفويا للمعاناة أو تجسيدا للحركة وتبدل الشكل والملمس على سطح اللوحة وأصبح فعل العمل على سطح اللوحة كأسلوب وطريقة معالجة وهدفا بحد ذاته يجمع بين التجديد والتحول الدائمين، وبات على الفنان أن يواكب حركة التطور ومرافقها من اكتشافات علمية أثرت في البني الاجتماعية، ضمت باريس فنانين كبار شغلوا الأعلام وحركة السوق الفنية ، وأذهلني النتاج الإبداعي للفنان مالكوفيج، الذي تبناه أستاذي المشرف الناقد مارك لو بوت بالدراسة والتحليل، وهناك فنانين فرنسيين وأجانب درسوا معي ربطتني بهم معرفة أصبحوا اليوم مؤثرين في الفن الفرنسي والعالمي .
حمل معرضك الشخصي الثامن الذي أقمته بدبي عنوان “رؤية نقدية في عالم متغير” كيف تبلورت تلك الرؤية ؟
لقد أدركت أهمية المعاصرة .وضرورة التوصل إلى نتائج توازي المتغيرات في الواقع الاجتماعي والثقافي ً لبلورة الأسلوب المعبرّ عن قضايا تخص جوهر الإنسان.
أن رؤيتي النقدية قد ارتبطت بإنجاز العمل الفني المتكامل الذي يمتلك مقوماته الإنسانية في جدلية العلاقة بين الموروث الإسلامي والتراث الإنساني العالمي المعاصر.
وأعتبر التقنية على سطح اللوحة بهذا المعنى ليست تقليداً للأساليب الأخرى.. بل هي إبداع وشعور ذاتي يتمثل فيه روح العصر دون تقاطع مع الحلقات المشرقة للموروث . بأسلوب غير تقليدي.. فالعودة إلى الموروث ، إذن ، كانت بمثابة مراجعة للتاريخ الخاص بالأسلوب.. وبالموضوعات أيضاً . فمن خلال دراسة أسرار الفن وخفايا الأسلوب استطعت التوصل إلى أن الحداثة في العمل الفني ذات أثر كبير في الواقع اليومي، لا يرتبط بقانون محدد حيث كثفت في رسومي المشاهد الدلالية والإيحائية والإشارات التي من المؤكد أنها لا تخلو من حكاية، حيث ركزت على التشخيص في التعبير الرمزي و التجريدي، هذا ما أعطاني الحرية في اختيار المشاهد والأشخاص والجدران المهشمة والنوافذ والفضاءات التي كانت عالقة في ذاكرتي، وفي الحياة اليومية بأسلوب مزجت به أكثر من مدرسة في آن واحد، بلغة بصرية ثلاثية الأبعاد مرتكزة على التشخيص والتهميش خصوصا في ثلاثية الجوع، لاتخلو أعمالي من خطوط وكتل من الهندسة المقصودة، خالقا بها عالما يجسد واقعية الحديث والقديم،ابتعدت بديناميكيه عن التكرار الذي اعتاد عليه الكثير من الفنانين، لذلك اعتمدت التنويع كي أمنح المتلقي الذي يراها رؤى جديدة يزاوج بها التراث والحضارة بالواقع الحالي، متأثرا بكل الهموم التي أحالت أعمالي إلى حكايات ، ضمن رؤية نقدية في هذا العالم المتغير
وقد لجأت الى موضوع جديد وتقنيات جديدة وهو تطور جديد في أعمالي على صعيد الشكل والمفهوم ،فكرة المعرض دائما الإنسان وهي فكرة كونية لا انفك أفكر فيها دائما تشدني سعادة غائبة ومعانات أزلية وجمال متخفي في عمق المصيبة ابحث في معرضي عن إجابات صادقة لجمال الكون وخلق الباري عز وجل ، هذه فكرت المعرض أما سماته فهي رؤية بصرية تعتمد على الملامس والسطوح وبروز الشكل واقتحام جديد لكثافة اللون وما يولده من جذب بصري
كيف تجمع بين الواقعي والتجريدي في بودقة واحدة ؟
– أعتبر ذلك تجديدا في مفهوم اللوحة وهو المهارة والتقنية في بناء اللوحة العام وأن إدخال البعد لثالث لفضاء اللوحة أي العمق وفق مفهوم وقواعد المنظور الفني هو ليس غريبا على اللوحة الحديثة ولا عن تراثنا الفني القديم في حضارات وادي الرافدين، صحيح أن الفن الإسلامي كان يعتمد مبدأ التسطيح في بناء اللوحة والمنمنمة من (أعلى إلى أسفل أو بالعكس) ومن (يمين اللوحة إلى يسارها أو بالعكس) وكانت الصورة في الفن العربي الإسلامي تبقى مستقلة عن الواقع، وهي نزوع للتحرر من الدلالة المحددة، وسعي نحو التعبير المجرد والمطلق، والفن الإسلامي فن مجرد وهي محاولة لاستلهام الجمال أو لتطوير في الأشكال المجردة، فالخط العربي قد يخرج عن أصوله وقواعده لكي يصبح جزءا من اللوحة وهي عملية انسجام وصيغة جديدة دون أن تكون الكتابة هي المقصودة كما يتجلى ذلك في المتحفيات والآثار القديمة، فعمدت إلى تقسيم اللوحة إلى أجزء محاطة بشفافية باردة تجاورها مساحة خشنة وبارزة تنتهي بأرضية ملساء متوخيا بذلك خلق عالم كوني متكامل تعتمد لغته بالأساس على الرموز والإشارات والأرقام والحروف التي تعوض عن شكل الإنسان ولكي أبين خبراتي التراكمية وكأستاذ فن لسنوات طويلة، أني لا أخاف الرسم الواقعي الأكاديمي، فاستطعت توظيف التراث الشعبي بالتجريد و عمدت إلى مزجه بماهو واقعي بعيدا عن كل المؤثرات والقوانين الفنية المفروضة
تنتمي إلى جيل السبعينات الذي احدث نقلة على مستوى التقنيات في التجربة التشكيلية العراقية ، كيف ترصد هذه التحولات التي أحدثها هذا الجيل؟
– أن الفترة التي عاشها جيل السبعينات تعتبر من أصعب وأحرج الفترات التي مرت بها الحركة الثقافية عموما، تلك الأحداث التي هزت كيان الوطن العربي وجرحت الإنسان العراقي في كبريائه من خلال الحروب المتكررة وسياسة الحزب الواحد التي ضغطت على الفنان العراقي بالعمل بأسلوب فني يخدم أفكار النظام وأهدافه من خلال معارض المناسبات الكثيرة التي كان النظام يفتعلها وينظمها وتتبناها مؤسساته الثقافي والإعلامية ورغم حالة التفرد في العمل التشكيلي فأنها أدت إلى معطيات جديدة وضمن توجه جماعي، ومن هنا فليس اعتباطا أن نرى المباراة بين شباب السبعينات في التكنيك والتقنية العالية التي توظف لخدمة المضمون والشكل وهذه الحالة عمقها وعي الفنان في انتمائه للعراق وليس انتمائه إلى الفكر العفلقي،ومن خلال الأساليب الحديثة في استبطان و استلهام الرموز والإشارات والثيمات العراقية الشعبية أنتج الفنان السبعيني أعمالا أبداعية أرتقى بها إلى تقنية عالية في استيعاب حركة التطور العالمي للفن المعاصر بعيدا عن تأثير أيديولوجية المؤسسة الإعلامية وتبعيتها وشعاراتها …( وأن موهبة خارقة كموهبة بيكاسو مثلا لم تنتظر مباركة المؤسسات ولم يستطع أصحاب الشعارات أن يعتقلوا جموح ريشته في سجونهم البائسة)، ورغم ما قدمه مبدعو جيل شباب السبعينات من منجز رائع فقد تناساهم وأهملهم الأعلام ألبعثي وحتى أولئك النقاد الذين كانوا يكتبون وبتحريض من المؤسسة الإعلامية لأستماله الفنانين من جيل الرواد وجيل الستينات وقد أصدرت وزارة الأعلام عدة كتيبات عن الفن العراقي فلم تشير بها إلى المبدعين من جيل السبعينات سوا أولائك المقربين والمنضوين تحت لواء المؤسسة السابقة .
ما الذي يشغلك وأنت تمسك الفرشاة وتدخل في مرسمك؟
– أهم ما يشغلني حينها العمل على تجسيد رؤية جديدة للوحة وذلك باستلهام ارثنا الشعبي الذي ما زال مطمورا و التوفيق بين التقاليد وروح العصر، سواء من ناحية التقنية أو ومن حيث الموضوعات والخامات التي استخدمها، معتمدا في البحث على الوثائق والصور والزيارات الميدانية أحيانا وأحيانا أخرا على خصب المخيلة والخبرة في تناسق الألوان لصور الحياة والبيئة العمانية والمسلمات الجمالية والأخلاقية الإسلامية واختيار ر رموزا من عناصر الطبيعة والاهتمام كذلك بالمفهوم الإسلامي والزخرفة ذات الألوان الحادة وأحيانا الهادئة والخطوط الرشيقة ذات الزخم الفني الميتلوجي كما حاولت نقل السحنة الشرقية العربية خاصة فيما يتعلق بمفهوم الجمال الشرقي للمرأة الجسد الممتلئ والشعر المعطر بالمسك والورد والأيادي المطرزة بالحناء ورائحة البخور
كيف تنظر إلى الفن الأوربي هل هناك آثر في تجربتك؟
-لقد مر الفن الأوربي بتحولات فنية كبرى مع نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أفرزت تيارات واتجاهات فنية عديدة متمثلة بحركة الفن الحديث، ومع الألفية الجديدة والتحولات المهمة في وسائل الأعلام وظهور شبكة المعلومات الإنترنيت وما أفرزته من قيم اجتماعية جديدة تركت بصماتها واضحة على المنجز الفني الأوربي والعالمي ..لقد فتحت تجارب الفن الأوربي ومدارسه الحديثة المجال واسعا أمام الفنان في كل العالم للبحث عن التقنية واكتشاف البدائل المحلية في استخدام الخامات للبحث عن الخصوصية والتميز وبحكم متابعتي الطويلة للفن الحديث في فرنسا ، فلابد أن يكون هناك أثر واضح له في تجربتي وتقنيتي للوحة