قراءة في قصيدة “شرارة حبه” للأديب السوداني طاق المأمون
بقلم: محمد ثمار
إنّ الشّعر إذا جنح إلى الفلسفة خفتَ خريره وخشنَ حريره وضاق أفق نظرته لينحسر في زاوية فكرته فحدّ ضيق مجاله من بريق جماله.، وعودا إلى القصيدة الآن/ هذه بعض الملاحظات عسى أن تجد فيها شيئا من الصّواب..
شـرارةُ حُبـهِ انبَجَـسـتْ قَديـمَـا
قُبَيْـلَ الضـوء أنْ يَغـدو سَديمـا
فقد جانبك التّوفيق في المطلع برأيي / ـ يقال شرّ شرّا وشرارة وشرّ فلان يشرّ فهو شرير وشرّير والشّرارة واحدة الشّرر وهو ما تطاير من النّار.. لذا فإنّ استهلالك بكلمة شرارة المسبّبة للإحراق والاحتراق وما يرافق ذلك من شرّ حروب أو ثورات أو فوضى غير مناسب لما يفيض به حبّ المصطفى من سكينة وطمأنينة وراحة بال رغم حسن نيّة قصدك في أنّ نار حبّه في قلوب أتباعه كانت وما تزال بسبب هذه الشّرارة القديمة.. لكنّ المرجوّ من الاستعارة أن تزيد من توهّج العبارة لا أن تطمس ما يزينها من نضارة ثمّ إنّ نبل غرض الاستعارة لا يحجب بالضّرورة دلالات الكلمة المختلفة التي قد تجنح بالمعنى إلى غير ما أراد الشّاعر..
وليس أدلّ على قلق شاعرنا وارتباك معجمه من استدراكه بعد كلمة واحدة بفعل انبجس الذي يعكس مكنون ما يرنو إليه الشّاعر . هذا الفعل البعيد كلّ البعد عن طبيعة الشّرارة والذي يُعبّر به عن انبثاق الماء من الأرض الماء الذي هو سرّ الحياة. فقد كان من المناسب أن يستهلّ الشّاعر قصيدته ب/ (منابع حبّه انبجست قديما) المتضمّن معنى الحياة، وإنّي على يقين بأنّ في جعبة شاعرنا ما هو أجمل من هذا بكثير..
هُـنـاكَ اللهُ لـيـسَ سِــواهُ فــرداً
وَ كانَ سِواهُ مِـن كُنْـهٍ صَريمـا
لعلّ شاعرنا أراد بصدر البيت هذا المعنى الوارد في قوله صلّى الله عليه وسلّم/ كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شَيءٌ غَيْرُهُ وأحسب هنا أنّ لفظ فرد أخلّ بالمعنى المراد فصدر البيت لا يُفهم منه انتفاء أيّ موجود سوى الله إنّما نفى الفردانيّة عمّا سوى الله ولم يثبتها له عزّ وجلّ وقد يتحقّق إثباتها برفع فرد لكن هذا لا يبطل وجود مخلوقات أخرى مع الله، ثمّ ليتك استغنيت عن هناك الظّرفيّة المكانيّة واستعملت كان المسلوبة الدلالة الزّمنيّة ، وكان الله ليس سواه فردٌ..
وَ كـان الآنُ صِفـرَ يَدَيْـهِ كَــوْنٌ
وَكـانَ الكَـونُ مِـنْ آنٍ خَصيـمـا
أتساءل هنا عن الضّمير في يديه على من يعود وعن إعراب “كونٌ”؟
وَ أمْحَـضـهُ عَـلـى كُـــلٍ بِـنــورٍ
تَـوَهّـجَ فــي شَرارتِـهـا قَـديـمـا
ليتك تجد بديلا لشرارتها جميلا ك مناكبها..