من نابلس إلى النّبي صالح
شعر: المتوكل طه | فلسطين
الشهيد:
..لا تأخذوا منه العَبقْ
قلبي تشقّق واحترقْ!
لا تأخذوه إلى الهواءِ المُرِّ..
لا لن يأخذوك..
احملْ عذابي يا مسيحَ النارِ!
لا لن يأخذوك..
وإنْ بجَنّتِكَ الجديدةِ أطلقوكْ
سيظلّ وجهكَ في أزقتنا
المشاعلَ والحبقْ.
وإذا ارادوا موتَنا
فلقد عبرنا بالمصابيحِ الرّصاصةِ
كلَّ أيامِ النفقْ.
لم نستطعْ حتى الوداعَ
وقلتَ: سوف أعودُ..
والقلبُ اختنقْ.
أهديتَ سنبلةَ الشبابِ إلى الحقولِ
لكي نعودَ إلى السواحلِ والألقْ..
أمشي إلى قمري المعلّقِ
في القناطرِ،
أو أدقّ لهيبَ بركاني
سيولاً من فَلقْ،
وأبوحُ بالناي البعيدةِ والأرقْ.
وأريد للدنيا المحبةَ والسلامْ..
لكنّهم سفحوا فؤادي، سيّجوا روحي
وصبّوا في طفولتنا الظلامْ،
وأريد للوطن الصغير بأنْ يُظلِّلَ
كلَّ أسراب اليمامْ،
وأريدُ للأطفال أنْ لا يغرقوا
بدمائهم، بعويلهم..
أنْ لا تُحرّقهم سجونُ الانتقامْ،
وأريد للموّال أن يعلو
على صوتِ الطَلقْ.
دار الفلك..
هذي انتفاضتنا الجديدةُ
مَهْرُها الشهداءُ
والسجنُ المُصّفَّحُ
والجِراحُ
ونَسْفُ بيتٍ في الضلوعِ،
ونهرُ دمعٍ أو عرقْ.
ما أجملكْ!!
والنارُ في كفيكَ أو عينيكَ
لمّا كنتَ رَعداً في البلادِ
وقد ترنّمَ وانطبقْ!
كانت جذورُ اللوزِ والزيتونِ
تضربُ في البعيدِ
وقد أتاها ماءُ قلبكَ بالدَّفْق.
ما أجملكْ!!
وجبال نابلسَ، الميادينُ،
المدارسُ، والصغارُ،
و “حارة الحَبَلةْ” و “رأسُ العين”
و “القريونُ”، “الياسمينةُ”
“خلّةُ العامودِ”، و “المخفيَّة”،
و “الدوارُ”، “حوشُ المسكِ” والأسواقُ، والأبوابُ،
والخانُ العتيقُ
وكلُّ أشجار الحدائق والصخور..
وأنت تحملها معكْ!!
هل غيَّبوكَ
وكل هذي الأرض تحملها معكْ؟!
هل غيَّبوكَ
وطِيْبُ هذي الناس يسري
دافقاً في أضلُعِكْ؟!
“الله معك”
سَلمِّ على كلّ “الشباب”
وقُلْ لمَن صعدَ السّحابَ
بأنّ قلبي ينظركْ
وغداً سنرقبُ عودتكْ
“الله معك”
“الله معك”
“الله معك”
===
الفتى:
مَرّة أخرى سآتي
باسطاً كفي لقنديلِ النبي صالح،
أرجوه، وخلفي ناقتي أو زيتُ شمعي:
يا نبي صالح -يا سِيدي-
ويا نبعَ البلدْ،
يا أغانينا، ونارَ السامرِ الصيفي
يهتاج من العين إلى العين
وعوداً للأبدْ،
يا أبي الأول، يا كنعانُ،
يا فروَ الخيول البيض ،
تأتينا عليها من أكاليل الربيعِ الثرِّ
حرْزاً وولدْ.
===
مرّةً أخرى سآتي باسطاً كفي، وأجثو عند أقدامك، أرجوك لأن تأخذني للنحل في الجنّات، والجنّات من بيتيَ تمتد إلى الأحراش، والطفل الذي جاء مع العيد، حملناه مع الكبش إلى الشاهد، صلّينا وغنّت أُمّه ترويدة الشمس، وألبسناه من زهر الحواكير، ونمنا في فضاء الآوف والكانون…
يا طفلي ! أتى الصيف حريقاً منذ أن جئتَ إلى الدنيا، ورغم النهر من ضلعي لأضلاعك، لكنّ حريق النار يزداد على البيدر، في البيت، الخوابي، والأغاني والنجوم البيض ، ماذا قد تبقى دون أن تاتيه أنياب اللهب؟
سوف أُعطي من دمي النهرَ ، وأعطي أُمّك التاجَ الهلالي وشهدَ الخيل والدمعةَ، حتى تكمل المشوار.. يا طفلي، أتى الصيف، وجاء الشاهد النوري نهراً راعفاً من دعوة النهر، ولم تمض فراشات النبي صالح للرمل.. أتتنا بعدما جاؤوك في الأحراش، يبكي لونها المخضلّ بالنارِ، وما حطّت على الأرض، انتظر، قالتْ، فطارت أمّنا معها إلى غصنٍ من الماء، وراحت في فضاء التين واللوز، ورحنا نعرف النبعَ ودربَ الماء، نمشي طالما الدربُ بنا يمتد في الأرض، ونمشي كي يصبّ النهر في البحر أو الزهر، ونمشي في المشاوير إلى الموج على الشريان حتى يستعيد الصيفُ نعناع الزفاف الحُرّ، حتى يستريح القبر في الأرض، ونأتي للنبي صالح ندعوه إلى السامرِ في الصيف، وتهتاج العيون السمر.. يا سيدي النبي صالح! يا كنعان! يا فرو الخيول البيض في الزفّة! عندي سامرٌ في الليلة الأولى من البدر، سآتيك مع الجاهةِ حتى تقبل النذْر وطفلي.. يا نبي صالح..
يا نبي صالح.
===
هنيئاً لك الورد أحمر.. مثلَ الغزالِ البعيدِ،
..تناديكَ فرحتُها أو جديلتُها،
والصباحُ المبلّلُ بالرّملِ
في رأسِها الناعية.
اِرمِ لهذا الحصى صوتَه، علّه
إنْ تطايرَ يرمي لغفوتنِا حُلمَه،
أو تَدِفُّ على سَرْوِنا السارية.
يا حبيبي الذي غابَ، أو سرقوا زَهرَهُ،
أو كبّلوه بكلِ الزنازينِ،
يأتي مع السِلْمِ في زمنِ الحرب،
تأتيه أغنية في طلقةِ الثأرِ،
والنارُ حارقةٌ، ثانية.
لن تكون القنابلُ والسجنُ
في دربِ مَنْ أشعلوا دمعَنا شمعةً،
لن تكون الثواني جياعاً وراء السياجِ
المدججِّ بالغازِ والموتِ،
والسّلمُ يربو على رقصة الغانية.
سلامٌ .. إذاً ، حرّةٌ روحُنا،
وحربٌ، إذا بقيت، قانية.