الشاعرة سعاد الصباح تقيم (يوم الوفاء) للأديب الليبي إبراهيم الكوني

مجدي بكري | القاهرة 
تقيم د.سعاد الصباح حفل تكريم خاصاً بالأديب والمفكر الليبي إبراهيم الكوني ضمن احتفاليتها الدورية بيوم الوفاء الذي تكرم فيه رمزاً بارزاً من رموز الإبداع العربي، وذلك يومي 31 أكتوبر الحالي و1 نوفمبر المقبل في مدينة بيرن بدولة سويسرا، حيث سيعقد الحفل الذي تتخلله عدة ندوات وتلقى فيه كلمات بمشاركة ثلة من كبار الكتّاب والأدباء العرب والعالميين. 
وأكد علي المسعودي مدير دار نشر سعاد الصباح أنه سيتم الإعلان خلال الحفل عن نشر كتاب ضخم في جزأين، يلقي الضوء على حياة الأديب والروائي إبراهيم الكوني، ويتناول أبرز المحطات في مسيرته، ومراحل تدرجه وتطوره فكراً وأدباً ورواية.
وتولي الدكتورة سعاد الصباح مبادرتها المميزة في العطاء، والمسماة (يوم الوفاء)، اهتماماً بالغاً، حيث أطلقتها منذ أكثر من ربع قرن لتكريم رواد الثقافة العرب الأحياء في الوطن العربي، وكانت ولاتزال الأولى من نوعها في وطننا، الذي اعتاد انتظار رحيل مبدعيه الكبار لتكريمهم بعد موتهم!
البداية كانت في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حين استوقفت الدكتورة سعاد الصباح عادة العرب تكريم الرواد بعد رحيلهم، فتساءلت: لماذا اعتادت المؤسسات الثقافية العربية أن تنتظر رحيل المبدعين الكبار لتقيم لهم مهرجانات الثناء والإشادة والتمجيد؟ لماذا ننتظر حتى يموت الناس لكي نكرمهم ونحتفي بهم؟ ولماذا لا نكرمهم ونشكرهم في حياتهم ونجعلهم يشعرون بحجم الحب والتقدير الذي نكنّه لهم، وأن يسمعوا بأنفسهم كلمات الشكر والتكريم في حياتهم، وأن يدركوا اعتراف طلبتهم ومريديهم بفضلهم؟
دفعت الدكتورة بهذا التساؤل، وكل ما يحف به من استغراب واستنكار، إلى رفيق العمر، زوجها الشيخ عبدالله مبارك الصباح رحمه الله، طارحة عليه فكرة تقويض عادة انتظار رحيل المبدعين لتكريمهم، واستبدالها بمبادرة تكريمهم وهم على قيد الحياة، ليشعروا بأن هناك من يقدّر ما بذلوا من مجهودات، وأن تعبهم لم يذهب سدى. ولما كان الشيخ عبدالله المبارك من رموز العطاء والوفاء والعروبة، تهلل وجهه، وبارك مبادرة عقيلته قائلاً: هكـذا يجـب أن نعمـل، مهمتنـا في الحيـاة زراعـة الفـرح، ومناصرة الحـق، وإنصـاف المواهب، وتكريـم العطاء.
وهذا ما كان، حيث أطلقت الدكتورة سعاد الصباح مبادرة (يوم الوفاء) في العام 1995، في مسعى مبتكر وحثيث لتكريم رواد الثقافة العرب الأحياء. ومنذ ذلك الوقت، وعبر مسيرتها الممتدة، جسدت مبادرة (يوم الوفاء) بحق قيمة الوفاء كرمز لأسمى ما تحمله النفس البشرية من عرفان وتواضع، كما كرّست فضيلة العرفان بالعطاء من خلال تقدير المبدعين الكبار، رواد الثقافـة العربيـة الأحيـاء، رموز الإنجاز والعلم والثقافة العربية المعاصرة، الذين سهروا وتعبوا وعانوا الأمرين، ليقدموا عصارة إبداعاتهم كقناديل مضيئة، لتهتدي الأجيال إلى طريق المستقبل.
وعبر المسيرة الممتدة لمبادرة (يوم الوفاء)، تم تكريم عدد من الرواد، ومنهم: عبدالعزيز حسين، إبراهيم العريض، نزار قباني، د.ثروت عكاشة، عبدالله الفيصل، عبدالكريم غلاب، غسان تويني،  صالح العجيري، الحبيب الجنحاني. وصدرت عن دار سعاد الصباح للنشر مؤلفات قيّمة عنهم، احتوت على بحوث ودراسات نقدية وذكريات كثيرة شكلت مادة ثرية تستحق الوقوف عندها طويلاً، ومن هذه الكتب: (عبدالعزيز حسين وحلم التنوير العربي)، و(إبراهيم العريض وإشعاع البحرين الثقافي)، و(شاعر لكل الأجيال نزار قباني)، و(وردة في عروة الفارس النبيل د.ثروت عكاشة)، و(الشاعر عبدالله الفيصل بين مشاعر الحرمان وغربة الروح)، و(عبدالكريم غلاب صوت يُشرق من المغرب)، و(غسان تويني الأستاذ)، و(صالح العجيري عابر المجرات)، و(طائر الحرية.. الحبيب الجنحاني). 
اليوم، تحط مبادرة (يوم الوفاء) رحالها في ليبيا الشقيقة لتكرم رمزاً بارزاً من رموز الإبداع العربي، وهو الأديب والمفكر الليبي إبراهيم الكوني، الذي أبدع حتى الآن ما يزيد على المئة كتاب، في حقول الرواية والدراسات الأدبية والنقدية واللغوية والتاريخية والسياسية، فتميز كأديب، كما تميز كأنثروبولوجي، ومؤرخ، وصاحب فكر خاص طال الوجود، والحياة والموت، والمكان والزمان، والمرأة، وعلاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالحيوان والنبات، والحب، والحرية، والعزلة والترحال.. الخ. وقد ترجمت مؤلفاته إلى نحو أربعين لغة في العالم، وباتت تدرّس في العديد من الجامعات الدولية المرموقة.
وقد أعلنت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع أن تكريمها للمبدع الكوني سيشمل حفلاً يدعى إليه عدد من الأقطاب الثقافية، يتحدثون فيه عن مسيرة الكوني الممتدة، والمتشعبة. كما سيشمل التكريم، بالتزامن، نشر كتاب في جزأين، يلقي الضوء على حياة الكوني والمؤثرات الثقافية التي طبعته، وأبرز المحطات في مسيرته التي شملت العديد من الدول، ومراحل تدرجه وتطوره فكراً وأدباً، ناهيك عن الملامح التي طبعت شخصيته وما يؤمن به من معتقدات وأفكار، إضافة إلى مقالات وبحوث لنخبة من النقاد والمفكرين والأكاديميين، سعت إلى مقاربة مؤلفاته الأدبية والفكرية، وإبراز ما تميزت به من سمات وتقنيات.  
وقد اشتمل الكتاب في جزئه الأول على كلمة تقديمية للدكتورة سعاد الصباح، أشارت فيها إلى أنه من عمق الصحراء “خـرج الروائي المفكر إبراهيـم الكوني مثـل أسـطورة، محملاً بالنبـوءة.. والاحتمالات، لا يريـد أن ينفـض عـن جسـده الرمـال.. ملثّماً يخـرج كمارد مصنـوع مـن طين الدهشـة، وأعاصير الفكـرة، ومفاجـأة الخاطـرة.. وسـكون الليـل”. وتشير إلى اهتمامه الأثير والدائم بعوالم الصحراء، فتقول: “فالصحراء عند الكوني أمومة، والصحراء عنده إلهام.. والصحراء عنده نبوءة ورسالة حملهـا على كتفـه وسـار بها عبر البحار والجبـال والمتاهات والمآلات والتأويلات.. متنقلاً بين عتبـات الأمل، وعذاباتـه.. كأنما يؤثث الطريق كي تنتصف الروح وتنتصر للمعاني السـامية”.
وتلفت الدكتورة سعاد الصباح النظر إلى ملاحظة مهمة، وهي التجاهل الذي لقيه الكوني في وطنه العربي، فتقول: “إبراهيـم الكوني الذي لم يُلتفَـت إليـه في بلاده الممتدة مـن الماء إلى المـاء، الالتفات الذي ينبغـي والاهتمامّ الـذي يسـتحق بقـراءة نصه أكثر مـن قراءة شـخصه.. فلم يبـك أو يتباك أو يقـف بين الدخـول فحومـل يندب حظـه العاثر، حمـل (عـدوس السرى) زوادتـه على ظهـره وارتحـل.. في الزمان والمكان، فوجـد العالم من أقصـاه إلى أقصـاه يضعـه موضع التكريـم والاحتفاء والبهاء.. أي فـرح مختلـط بحـزن مثـل هـذا؟! فـرح القيمـة عنـد الغريـب وحـزن التجاهـل عنـد القريـب”.
بدوره، أشار مُعد الكتاب عبدالكريم المقداد في كلمته إلى ملامح شخصية الكوني، فقال: “عطاء بلا ضفاف، وعزيمة لا تلين، ودأب لا يهدأ.. هذه بعض من عناوين المبدع العربي الليبي إبراهيم الكوني، الذي اختط لنفسه طريقاً إبداعياً متفرداً، منذ سبعينيات القرن الماضي، وتميز، فشدّ إليه الأعناق دهشة وإعجاباً. فمن متاهات وفيافي وألغاز الصحراء الكبرى الهاجعة بعيداً في العمق، انطلق، فغدا أسطورة، تماماً كأسطورة الصحراء التي حملها وأطلقها أينما حل وارتحل. وبنجاح تلو الآخر طرق أبواب العالمية، ففتحت له أبوابها على مصاريعها”.
وأبرز المقداد الثيمة الرئيسة التي ترتكز عليها أغلب مؤلفات الكوني، ألا وهي الصحراء، إذ قال: “كانت صحراؤه ولا تزال عالماً مفعماً بالأساطير، التي ما فتئت تتجدد مع كل رواية، فتثير الدهشة، وتمسك بالألباب، وتفتح أمام القارئ مسارب جديدة لم يألفها في سابق رواياته، على الرغم من دورانها في فلك واحد هو الصحراء. فقد عرف كيف يستثمر تراث أجداده الطوارق، ويوظف أساطيرهم المتناقلة شفاهياً عبر الأجيال. وعبر خلطته السحرية المكونة من الصحراء والأساطير واللغة الشاعرية الصوفية، خلق ملاحمه الروائية التي أكبرها الغرب قبل الشرق، وأنزل صاحبها المنزلة التي يستحق”.
وتضمن الجزء الأول من الكتاب، الكثير من المقالات التي رصدت السيرة الذاتية والأدبية للكاتب، وأضاءت الكثير من جوانبه الشخصية. فعن شغف الكوني بالصحراء، يكتب وزير الثقافة الجزائري الأسبق عز الدين ميهوبي، فيقول: “يدافعُ الكوني عن الصحراء، حتّى وهو الذي دفعتهُ أقدارُ الوظيفة إلى جبال سويسرا، كما لم يُدافع عنها كثيرون ممّن نشؤوا فيها، ورضعوا حليب نوقها، وتلحّفوا بلهيب شمسها، وعرفوا حياة الرّحلة والخيمة والرمل الممتدّ على مدّ البصر.. يدافعُ عنها، ليس كجغرافيا فحسب ولكن كقيمة حضاريّة بما تحوزه من تراكمٍ معرفيّ يمتدُّ إلى آلاف السنين، فيرفضُ أن يُقال عن الطوارق إنّهُم قبائل، لكنّهُ يمنحُهم صفة الأمّة، اقتناعاً وليس ابتداعاً”.
وعن سيرته ومسيرته، تكتب د.زهرة سعدلاوي عن بدايات الكوني في ليبيا وانشغالاته الثقافية، ثم سفره إلى موسكو ودراسته وعمله الإعلامي، وأخيراً إقامته في سويسرا وتفرغه للإبداع الأدبي. وعن أهمّ خصائص الكتابة الرّوائية عنده تقول السعدلاوي: “اقتران الرّواية لديه بمعنى الوجود، الحاجة إلى الرّواية، حاجة ميتافيزيقيّة، والحنين إليها هو حنين دينيّ. الوجود عند الكوني لغز لا يكتمل وجوده إلا بوجود الثالوث: الرّواية، الخَلاء، الأسطورة – الصحراء، أو الكتابة عن المكان (الضدّ)، شخصيّة ثابتة، مُتحرّكة، مُلتصقة بصاحبها إلى حدّ معه أصبحت غلافاً لجسمه من جلده، أو لعلّها الشَّريان الذي يبعث فيه الحياة ويجعله يحيا بِها ولَها، ويبدع بوَحيها وشُجونِها، روح واحدة في سجال أبدي لا ينتهي”.
من جهته، يشير مصطفى سليم إلى أن الكوني يجيد ثماني لغات، هي: الأمازيغية، والعربية، والروسية، والإنجليزية، والبولندية، والألمانية، والإسبانية، واللاتينية. ويشير سليم إلى أبرز مرتكزات الكوني، فيقول: “عالم الكوني، الذي بناه على الرمز في جوهره، جاء وفق تقنيات سردية خاصة تمرس عليها، وفي ظل حبكات متفردة أهلته لأن يكون مدرسة سردية لها عالمها وقوانينها ولغتها الخاصة، بعيداً عن صخب وبؤس المشهد الروائي العربي في مجمله، ولو جاز لنا استعارة لغة المتصوفة: فقد صنع الرجل مقاماً روائياً خاصاً مليئاً بأساطير وديانات وبطولات الأمازيغ، وحكايات البشر، والحيوانات وكائنات الصحراء الكبرى بخيال ومفردات ثرية، سجل عبرها أسرار الأمازيغ التي استردها من قبضة الضياع والتيه”. 
وتتوالى أقلام الكتّاب، فترصد الجوائز العديدة التي نالها. ويلتفت القاص السوري إبراهيم صموئيل إلى تبرع الكوني بقيمة جائزتي القاهرة، والصداقة الفرنسية العربية، لأطفال قبائل الطوارق في نيجيريا ومالي، فيقول: “بهذه المبادرة الطيبة، ذات الدلالة، يكون إبراهيم الكوني قد نال جائزتين معاً: جائزة القاهرة، وجائزة أطفال نيجيريا ومالي، بلفته الأنظار إلى مأساتهم الإنسانية المروّعة، كما حال المآسي المخيفة التي يعيشها أطفال عالمنا في شقّه المفقر والمتخلّف والمقهور. وتحمل المبادرة إشاراتها المهمّة حين تصدر عن الكوني المصنّف كواحد من خمسين روائياً في العالم يمثّلون القرن الواحد والعشرين”.
عن روايته (من أنت أيها الملاك؟)، يقول صلاح فضل: “الكوني الأديب الليبي الفذ‏، يمضي في استخراج ملحمته الصحراوية الكبرى في السرد العربي‏,‏ بعد أن أكمل ستين عاماً من عمره‏، أنجز خلالها سبعين كتاباً من إبداعه‏، فضرب رقماً قياسياً في الترجمات والدراسات حوله‏.‏ أصبح زعيم نهج في الكتابة الروائية متفرداً في الآداب العالمية.. ‏ وفي هذه الرواية يقدم صيغة مبتكرة ومكرورة لنشيد الصحراء التي قضى عمره في توثيق روحها‏، وتدبيج حكمتها ونحت تماثيل فنية باذخة لكائناتها وبشرها معاً”.‏ 
وقد ضم الجزء الأول، إضافة إلى المقالات، عدداً من أبرز أقوال الكوني، والكثير من الصور التي أرّخت للعديد من المناسبات الثقافية، ورصدت العديد من محطاته الحياتية، ناهيك عن بعض اللقاءات الصحفية التي أبرزت فكره وآراءه، ومنه اتهامه لجائزة نوبل بالانحراف عن المسار الذي أوجدت من أجله، وقوله إن لجنة «نوبل» دنّست حرمة الأدب ومنحت الجائزة لهواة.
أما الجزء الثاني من الكتاب، فانصرف إلى دراسات وبحوث رصينة، شارك فيها نخبة من النقاد والمفكرين والأكاديميين من مختلف أقطار الوطن العربي، ومنهم: صبري حافظ، سعيد الغانمي، إبراهيم عبدالمجيد، فاضل ثامر، فيصل درّاج، الضاوية بريك، حاتم الفطناسي، نسيمة علوي، عباس خلف علي، مديحة عتيق، يوسف حطيني، وردة معلم، ضرار بني ياسين وغيرهم.
وقد أبرز هذا الجزء أهم صفات ودلائل أدب الكوني، والفلسفة الخاصة التي نسج خيوطها في معظم مؤلفاته في الحقل الروائي، ناهيك عن التقنيات الفنية التي سخّرها لخلق عوالمه، ودلائل رموز صحرائه، الفضاء الأرحب الذي ما انفك يغوص في تلافيفه.
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى