أبله
مصطفى العارف | العراق
دخلنا من الباب الخلفي خيم الخوف والقلق علينا, انتشار أمني كثيف, سيارات عسكرية تطوق المكان من كل جانب, كلاب بوليسية تفتش كل من يدخل المكان الموحش والمخيف, سيارات إسعاف تنقل المرضى إلى المستشفيات القريبة, بعد اجتيازنا سيطرات عسكرية عدة, تتقدمنا سيارة شرطة, وخلفنا سيارة عسكرية لحمايتنا من الخطر,أو المشاكل التي قد تواجه عملنا, كنا مجموعة من الأطباء, وعلماء النفس تتمي إلى منظمة حقوق الإنسان ,مهمتنا زيارة السجون العراقية واللقاء بجميع الارهابين والمجرمين والقتلة, استقبلنا بحفاوة وتقدير كبيرين العميد عبد الإله الطائي مدير السجن المركزي , تميز بشخصيته القوية والصارمة في التعامل مع إفراد الحرس المنتشرين في كل مكان من أمكنة السجن , ألقيت عليه التحية -: يسعد صباحك أستاذ عبد الإله.:- أنا الطبيب رائد, ومعي الدكتور عبد المجيد , والدكتور فتحي, نريد الاطلاع على سجناء الإرهاب واللقاء معهم 0رفض بداية الأمر خوفا علينا من مشاكل قد تواجهنا من السجناء وبعد اصرارننا على اللقاء معهم. أخذنا في جولة داخل السجن ومعه مجموعة من الحرس تحمل احدث الأسلحة, أراد الدكتور فتحي تصوير الممر الضيق الذي دخلنا فيه فرفض بشدة العميد عبد الإله. بدأنا ندخل إلى نفق صغير فيه مجموعة من الغرف الصغيرة والمظلمة , تفوح منها رائحة كريهة ,ونتنة, بإشارة من العميد إلى حارس الزنزانة فتحت لنا وجدناه سجينا مقيدا شكله مخيف لديه لحية كثة طويلة , يتكلم بلهجة غير مفهومة حاوره الدكتور عبد المجيد بقوله:- ما تهمتك ؟ ولماذا أنت هنا ؟ – لم يتفوه بكلمة واحدة , وبعد الإلحاح عليه وإجباره على التكلم قال :- أنا عمر سليمان والدي فجر نفسه مع المجاهدين والفوز بالجنة , وقد أوصاني قبل موته قتل العراقيين الكفرة أدخلت سيارات مفخخة فجرت الأسواق والأماكن المزدحمة ,وانتقمت من النساء والأطفال والشباب الخانع الذي لم يساندنا في القتل والتدمير وإقامة الدولة الإسلامية في العراق -: سالت العميد عبد الإله الطائي لماذا لم يتم إعدام هذا المجرم الخطير؟. -أجابني لا توجد عندنا أوامر بذلك. تغير لون وجهي من جراء ما شاهدت اليوم من أحداث مؤلمة وقاسية , انتقلنا مباشرة إلى الزنزانة المجاورة فيها شيخ كبير لا يتحدث باللغة العربية , تبين أنه المسؤول الكبير عن عمليات الاغتيال التي جرت في بلدنا الجريح , وعند اللقاء معه كان يفتخر بالقتل والتدمير وإبادة البلد وتخليصه من الكفاءات العلمية من أطباء وأساتذة الجامعات, يملك نفوذا خارج السجن قصير القامة على وجه أكثر من اثر شكله قبيح طلبت منه الحديث عن نفسه أجابني قائلا – أنا سمير القصير خرجت من السجن عام 2003 قبيل سقوط النظام كنت اعمل أجيرا للقتل مقابل ثمن بخس اغتال أي شخص من اجل المال, وفي أثناء التصوير والحوار معه هجم علينا وحاول قتلنا عن طريق قطعة زجاج كان يخفيها تحت ملابسه الداخلية لكن العميد عبد الإله والحرس أنقذونا بشق الأنفس بعد ضربه وتعنيفه ,أصبنا بالإحباط والندم على هذه المهمة الشاقة التي كادت تودي بحياتنا جميعا , وقبيل مغادرتنا السجن دخلنا زنزانة صغيرة فيها رجل باسم وغير مهتم بالوضع والظروف كان يقرا في كتاب أمامه طلبنا منه الحديث عن نفسه أجابنا – أنا اعمل قاضيا في محكمة الكرخ منذ أكثر من ثلاثين عاما وسرد لنا حياته التفصيلة قاطعه صديقي الدكتور فتحي. – ولم آنت هنا مسجون مع المجرمين. – لأنني حكمت عليهم بالإعدام. تم سجني هنا سنوات عدة , واتهامي بأني أبله.