الخدع الحربية
حواس محمود
الخدع والحيل العسكرية وسائل حربية ونفسية واعلامية ذات هدف محدد بضرورة الانتصار على الخصوم والأعداء أو التقليل من الخسائر أو عند فشل وعجز الأساليب التقليدية في الحرب بين جيشين أو بين فريقين عسكريين متقابلين متقاتلين ، ولقد شرع الاسلام هذه الأساليب التي تنم عن الذكاء وقوة الحدس والعقل بقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) الحرب خدعة ، فيما يلي أمثلة واقعية عن الخدع العسكرية التي تم استعمالها وهي لا تخلو من الذكاء وقوة الحيلة والطرافة في آن .
خدع الحرب العالمية الثانية :
ونشير في هذا الصدد الى مثال مستمد من وقائع الحرب العالمية الثانية بعد سقوط فرنسا عندما استضافت بريطانيا جاسوسا المانيا متسترا في هوية تاجر اسباني أو برنغالي وكانت بريطانيا في غاية الضعف من الناحية العسكرية فدبرت له سفرة بالطائرة الى اسكتلندة وأوعزت الى بضعة اسراب من طائرات القتال ان تمر بطائرة الجاسوس مرارا وتكرارا على نحو يوهم بأنها اسراب تفوق العدد كي تنخدع المانيا بالتقرير الذي سيرفعه الجاسوس اليها عن كثرة طائرات القتال من احسن الانواع في القوة الجوية البريطانية لعل ذلك يكسر عزمها على غزو بريطانيا ، وهناك قصة اخرى من قصص الدفاع الجوي فيما يسمى (معركة بريطانيا) تصور فائدة الكذبة المشجعة على الصعيد الداخلي فقد تميز يوم من ايام صيف 1940 عندما اعلن عن اسقاط 186 طائرة المانية فيه فعمت موجة من الحماس الوطني وللثقة بالنصر شملت بريطانيا كلها وتسربت منها الى دول الكومون ويلث وممتالكاتها وراء البحار، ويقول المستر جرجل (السير جرجل فيما بعد) في مذكرته عن ذلك اليوم انه تبين فيما بعد بالتحقيق والتثبيت ان عدد الطائرات المسقطة هي 36 فقط ولكن الرقم 186 كان احدث اثره لأنه زود النفوس المتعطشة الى التفوق على العدو بجرعة قوية من الانتعاش والازدهاء بعد نكسات مريرة وخطيرة لامجال لذكرها وجاءت فائدة الكذبة من عدم ادراك الناس لحقيقة الأمر والا لانقلبت الى ضرر في الحرب العالمية الثانية استخدم الألمان فكرة خداع النظر عندما أراد الانجليز قصف منطقة صناعية عسكرية في مدينة هامبورغ الألمانية وكانت المنطقة تقع بالقرب من جسر وجزيرة في النهر , فقام الالمان بإقامة جزيرة وجسر مصطنعين فقصف الانجليز مكانا بعيدا عن المنطقة الصناعية العسكرية المقصودة.
خدع مختلفة :
وفي حرب 73 عمدت احدى الدول العربية الى وضع بطاريات سام 2 و3 من البلاستيك في اماكن متفرقة من الجبهة ,وقد نجحت هذه الفكرة اذ تجنب الصهاينة تنفيذ عملياتهم في تلك المنطقة
ومن بين التكتيكات الابداعية القديمة كانت هناك حرب بين اقليمين صينيين وكانت الغلبة للجيش الثاني الذي عمد الى حصار قلعة الخصم وكانت قد نفذت كل الاسهم للجنود على اسوار القلعة فكانت بحق مصيبة فالوقت لا يكفي لصناعة اسهم جديدة ولكن كان لهم قائد محنك جمع بين قوة الرأي جمع بين قوة الرأي والشجاعة ، أمرهم بصنع دمى بحجم الجنود وتم انزالها ليلا على الاسوار فلما راى الجيش المعادي ذلك جعل يطلق السهام بكثرة على تلك الدمى وكانت السهام تنغرز في الدمى بكثرة واخيرا امر القائد بسحب الدمى فحصلوا على اسهم بالعدد الكافي دون مشقة وفي الليلة الموالية عمد نفس القائد الى انزال عدد كبير من جنود ه فحسبهم العدو دمى ولو يطلقوا عليهم الاسهم فكان النصر حليفهم. ويذكر ان الصرب قد عمدوا في صد الطائرات الامريكية على تقنية رائعة للاختفاء والهجوم في نفس الوقت في احدى المهمات ارسلت امريكا طائرتين F-16 لضرب مخازن السلاح الصربية وكان الصرب يمتلكون نوعا من الصواريخ المضادة للطائرات يطلق عليها اصابع الموت الثلاثة التي نادرا ماتخطىء . سارت حاملة الصواريخ تحت الخط الذي توقع الصرب ان تسير عليه الطائرات الامريكية وتم تشغيل الرادار لنبضات متفرقة لكي لا يكتشف حيث استطاعوا تحديد سرعة الطائرات ومسارها وعند اقترابها تم اطلاق صاروخين متتالين دون تشغيل الرادار حيث زمن الوصول هو 10 ثواني ولما لم يبقى الا 5 ثواني تم تشغيل الرادار , حيث انفجر الصاروخ الاول بين الطائرتين فيما اصاب الصاروخ الثاني احدى الطائرات مباشرة وتم اسقاطها ومن الخطط الشهيرة التي استخدمها أغلب العسكريين في العالم القديم …إنسحاب القلب ثم الاطباق بالأجناب …أول من ابتكرها كان العبقري هانيبال أو حنبعل القائد القرطاجي و كان واحد من أفضل تطبيقاتها أيضا ما قام به المظفر قطز ضد المغول في عين جالوت .
أما خطط عبور الموانع المائية فهي لا تحصى
المغول استخدموا أغلى جسر في تاريخ البشرية جسر من كتب مكتبة بغداد العظيمة.
خالد ابن الوليد استخدم جسرا آخر من أجساد الإبل الهزيلة في الأنبار
أما الرومان أثناء حروب قسطنطين فقد استخدموا جسورا من القوارب المربوطة بعضها البعض .
التكتيكات الظريفة : وهنالك تكتيكات ذات طبيعة خداعية طريفة ومنها :
” تكتيك البطيخة ” حيث لجأ الأهالي من المصريين في الحملة الصليبية السابعة لحيل ظريفة في العبور لمعسكر الفرنسيس من الضفة الأخرى لفرع رشيد واختطافهم و كان أحدها هي أن يرتدي أحدهم بطيخة على رأسه و يسبح بها إلى جانب الشاطئ فيظن الجنود أنها بطيخة سابحة فينزل أحدهم للماء ليأتي بها و هو لا يعلم أنها مجرد تنكر و أن صاحبها ينتظره بضربة دبوس على خوذته تفقده الوعي ليعود به أسيرا إلى معسكر المسلمين
الحرب خدعة
والتاريخ يحمل لنا العديد من الخدع التي انهت حروبا استمرت لسنوات طويلة جدا. ولعل ابرز هذه الخدع خدعة حصان طروادة بعد حصار استمر 10 سنوات فشل فيه الاسبرطيون في دخول طروادة.. حتي جاءت الخدعه وأختبأ عدد من الاسبرطيون داخل الحصان الخشبي العملاق..وأبتعدت السفن الحربيه الاسبرطية حتي أختفت عن أعين أهل طروادة. وأضطر أهل طرواده الي كسر أجزاء من سور مدينتهم المنيع لأدخال الحصان الخشبي-رمز الانتصار المزعوم- الذي لم تدخله الابواب نظرالضخامته. وفي الليل بينما اهل طروادة يرقصون ويحتفلون بأنتصارهم اذا بالحصان الخشبي ينفتح ويخرج منه جنود طروادة ويفتحوا الابواب لجيوشهم التي عادت.وأنتصرالاسبرطيون وأستولوا علي طروادة بلا حرب -تقريبا- بسبب الخدعة- العسكرية- التاريخية.
ولكن التاريخ لم يتوقف عند هذه الخدعه ..بل يحمل في طياته ما هو اعجب منها كثيرا … جدا. فقبل ميلاد السيد المسيح بحوالي مائتي عام حدثت معركة من أعظم معارك التاريخ وهي معركة (كانا) بين جيش قرطاجنه وجيش روما سيدة العالم في ذلك الوقت . وكانت النتيجة محسومه فلا توجد أي قوة في العالم قادرة علي هزيمة جيش روما العتيد.. ولكن!.. كان القائد الافريقي (هانيبال) قائد جيش قرطاجنه مصمما على هزيمة روما وتوصل الى ان الانتصار لن يأتي الا عن طريق خدعه … خدعة- عسكرية- تاريخية. وبعد مشاورات ومداولات تنبه (هانيبال)الي حقيقة ان روما لاتعرف شيئا عن ذلك الحيوان الضخم … عن الفيل الافريقي. فعبر (هانيبال)البحر المتوسط بجيوشه وأصطحب معه قطيعا هائلا من أضخم الافيال الافريقية وأعد لها ألواحا خشبية ضخمة للعبور عليها، وعندما أقتربوا من روما وضعوا الافيال في المقدمة . وكان جيش روما يراقبهم .. فماذا رأى جنود روما ؟
لقد رأوا شياطين عملاقة لها خراطيم طويلة مخيفة تتقدم جيش قرطاجنة فأستبد الرعب بجيش روما وفر جنوده مذعورين وكانت هذه الخدعة هي بداية الطريق لانتصار قرطاجنة على روما في معركة (كانا) ولم تكن خدعة هانيبال هي أول خدعة من هذا النوع . فلقد سبقه فيها (قمبيز) ملك فارس القديمة في عام 529 قبل الميلاد عندما كان يضع في مقدمة جيوشه عددا هائلا من المخلوقات التي لم يكن أعدائه قد راؤها من قبل.. وكانت القطط تهجم علي الجيوش المعادية بشراسة وتعمل فيهم بأظافرها الحادة وتطلق مواءها الذي كان يحسبه الجنود صوتا من اصوات الشياطين . وفي النهاية كانت الجيوش تنسحب من أمام جيوش قمبيز ليس بسبب خوفها من جنوده الاقوياء ولا أسلحته ولكن خوفا من تلك الشياطين الصغيرة المعروفة لدينا بأسم القطط .
ومن المعروف أيضا أن الهنود هم اكثر شعوب العالم تعاملا وتحكما في ذلك الحيوان الزاحف السام … الثعبان… وكان من الطبيعي ان يتم استخدام الثعابين في الحروب الهندية .. ففي بداية غزو الهند لكشمير استخدم الجيش الهندي الثعابين في هزيمة الكشميريين. فقد انتظروا حتي لحظات التقاء الجيشيين والقواعلى مقدمة الجيش الكشميري كما هائلا من التعابين . فما كان من الكشميريين الا أن فروا في رعب هائل من ثعابيين الجيش الهندي… ودخل الهنود كشمير.
خدعة المجسمات:
الجميع يعلم بأن المعدات العسكريه والمنشأت بصوره عامه تكلف الكثير من الأموال للحصول عليها وخسارتها في الغارات الجويه سوف تسبب كارثه لاقتصاد البلاد ، لذلك برزت الحاجه الي حمايه القوات البريه والمنشأت من الهجمات الجويه ومحاوله تقليل تعرضها للغارات الجويه بأقل التكاليف، وكان الحل الأمثل هو الخروج بمجسمات او نماذج تشابه الأسلحه الحقيقيه والمنشأت في الشكل ويصعب التفريق بينها وبين ماهو حقيقي من علو شاسع ، ومع تطور وسائل الرصد في المقاتلات المهاجمه واستعمالها الأنظمه الحراريه لكشف الأجسام الأرضيه عن طريق رصد حرارتها، تطورت وسائل صنع المجسمات وتم تزويدها بمولدات صغيره تنتج الحراره. حتي لا يتم التفريق بينها وبين الأجسام الحقيقيه. عند رصدها من قبل الطائرات المهاجمه . هذا المفهوم العسكري تم استعماله خلال الحرب العالميه الثانيه ومازال يستعمل الي يومنا هذا من قبل الكثير من الدول وقد تم استخدامه من قبل الصرب في حرب البلقان في كوسوفو وجعلت الحلفاء يخسرون قذائف موجهه غاليه الثمن على اهداف وهميه لا تساوي ربع ثمن القذيفه المستعمله ضدها.
تجدر الاشارة ان مصر طبقت هذا التكتيك بنجاح بالغ لتمويه مواقع الصواريخ الحقيقية وكذلك اقامة مطارات وهمية ، وكم كانت دهشة الخبراء السوفيات شديدة عندما رأوا براعة المصريين في تقليد الطائرات وتزييفها حيث ان احدهم لم يعرف انها طائرة كرتونية الا عندما راها تقف على مسامير حديدية بدل العجلات ولم يصدق نفسه
المراجع:
1- مسعود محمد – كتاب من هموم الحياة – بغداد 1988 مطبعة حسام
2- ساحات الطيران العربي موقع بقلم عدة كتاب
3- الموسوعة الجغرافية