ذهب إفريقيا و الاستعمار الصيني الروسي الجديد وبشائع الاستعمار الأوربي
من كتاب "الصراع على ثروات إفريقيا"
د. أيمن السيسي | القاهرة
كانت مملكة “غانة” مصدر الذهب فى الغرب الإفريقى وعرفت به قديماً وكانت تمتد من وادي نهر السنغال غربا إلى المنحنى الكبير لنهر النيجر شرقا و(عاصمتها كومبي صالح (جنوب شرق موريتانيا حاليا)، قامت على انقاضها سلطنة مالى التي امتدت من ساحل المحيط الأطلسى حتى أعالى نهر النيجر شرقا، ومن غينيا (الحالية) جنوبا، إلى جنوب الجزائر شمالا ،وكان سلطانها منسا موسى أغنى وأعظم ملوك العالم في القرن الرابع عشر ووفقاً لحسابات الزمن الحالى، بلغت ثروته من الذهب – كما قدره خبراء الاقتصاد – بـ400 مليار دولار، وعُدَّ – حتى الآن –أغنى أغنياء العالم، كان رجلاً صالحاً وملكاً عظيماً، وله فى العدل أخبار تؤثر، كما قال المؤرخون، كان أغنى وأعظم ملوك الغرب الإفريقى بل والعالم كله آنذاك. كان يمتلك من الذهب أطناناً خرافية، ذكر القاضى أبو عبد الله محمد بن وانسول من أهل سجلماسه”، أن أحد أسلاف “منسا موسى” من سلاطين” مالى” باع حجراً من الذهب يزن عشرين قنطاراً لتاجر مصرى ممن يترددون على بلاده، وقال إبن فضل الله العمرى فى مسالك الأبصار: عن منسا موسى : “سلاحه من الذهب، ويقف خلفه ثلاثين مملوكاً من الترك بيد كل واحد منهم جتر عليه قبة وطائر من ذهب”.
وفى زيارته إلى تمبكتو عام 1352م (753هـ) وصف ابن بطوطة قصر السلطان وطبقاته المغشاة بصفائح الذهب، ووصف مجلسه فقال: “ترفع عليه – أى السلطان – قبة من الحرير، يعلوها طائر من ذهب على شكل البازى، وعلى رأسه شاسيه من ذهب مشدودة بعصابة من ذهب، وكذلك “يأتى أحد الأمراء بنساء السلطان الأربع وجواريه مرتديات الملابس الجميلة وعلى رؤسهن عصابات من الذهب والفضة، فيوزع عليهم السلطان مثاقيل من الذهب كل حسب مرتبته”، فقد كان يمتلك من الذهب أطناناً خرافية، حمل منها فى رحلته للحج عام 1324م-724هـ، كميات تفوق الخيال ، واصطحب معه خمسمائة خادم، وستة آلاف من الحراس، ،
ولفت “منسا موسى” أنظار أوروبا بعد رحلته الشهيرة للحج والتى يمكن أن نسميها بـ”رحلة الذهب”، أو الرحلة الذهبية، بسبب ما أنفق من كميات مهولة، فدفع أوروبا للتفكير فى غزو غرب إفريقيا لحصد الذهب.
وتوقف فى مصر، وكان سلطانها آنذاك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ووزع منسا ذهباً كهدايا وعطيات لكل من التقاه فى البلاط السلطانى، بداية من الناصر بن قلاوون إلى حجاَّبه وغيرهم (غير ما وزع من صدقات ومساعدات للفقراء
وأهدى إلى السلطان الناصر بن قلاوون قطعة من الذهب تزن خمسة آلاف مثقال.
و كلف السلطان قلاوون رجلا من خاصته اسمه مُهنا بن عبد الباقى العجرمى بصحبة منسا موسى في رحلة الحج وخصص له مبالغ كبيرة و عدد مهول من الجمال والهجن الخاصة، له ولأصحابه ممن حضر معه ، وخيلاً مسرجة ، وكثيرا من المؤنة
قال ابن عبد الباقي : أن منسا السلطان موسى أفاض على الحجيج وأهل الحرمين فيض الإحسان، وتصدق بمال كثير بلغ مائة ألف قطعة ذهبية، واشترى بمثلها بيوتاً للعلماء والمساكين وأوقف لهم وللفقراء نفقات كثيرة،
قال إبن بطوطة الذى زار مصر بعد رحلة منسا: “كان الذهب مرتفع الثمن بمصر، كان المثقال لا ينزل سعره عن خمسة وعشرين درهماً، إلى أن جاء إليها السلطان منسا موسى منذ إثنتى عشرة سنة. فمن يومئذ نزلت قيمته ورخص سعره، “.
وقال “منسا موسى” لمن جالسه فى مصر، أن عنده أمماً من الكفار فى مملكته لا يأخذ منهم جزية، وإنما يستعملهم فى استخراج الذهب، وقال: “تحفر الجورة (الحفرة) عمق قامة رجل أو ما يقاربها، فيوجد الذهب فى جنباتها، وربما يوجد مجتمعاً فى أسفل تلك الحفائر”.
ولكثرة الذهب فى هذه البلاد جاءت رحلة ذهبية أخرى من رحلات الحج بعدما يقرب من مائة وخمسين عاما عندما حج “أسكيا محمد” مؤسس دولة “صنغى” على أنقاض دولة “مالى” (1494م)، وكان برفقته فى رحلته تلك عام 1497م ألف جندى مشاة، وخمسة آلاف من الفرسان، وحمل معه ثلاثمائة حمل من الذهب، وأسرف أيضا فى المنح منه سواء فى مصر أو فى الحجاز، وإن كان أهل مكة قد اعتبروه بخيلاً لأنه منحهم وأهل المدينة فقط عشرين ألف قطعة من الذهب، فـي حين أن “منسا موسى” منح أسلافهم خمسة أضعاف ذلك.
وكثرة الذهب دفعت سلطان مراكش (المغرب) أحمد المنصور السعدى إلى غزو مملكة صنغى بجيش عرمرم من 120 ألفً للحصول على الذهب. وبالفعل إحتل تمبكتو وحصل على أطنان من الذهب ‘ بعدها أطلق عليه ” أحمد المنصور الذهبي ” ، وكان منسا موسى أخفى أغلب كنوزه من الذهب و ظلت كنوزاً مخبؤة لم يعثر عليها ، وحسب الوثائق والمخطوطات والكتابات أن هذه الكنوز إما فى “تمبكتو” مدينة الأسرار وجوهرة الصحراء، أو فى ولاته مدينة العلم ومستودع العلماء والصالحين وأهل الأسرار والأحوال ، وإما فى غانة ، وظل هذا الكنز المخبوء مثار بحث حتى الآن، بحث عنه الأفاقين والأفاكين ولصوص الذهب والرحالة، منهم من قتله البرابيش بعد حصوله على بعض المخطوطات التى وجد بها ما يقوده إلى الكنز، واختفت المخطوطات، ومنهم من عاد إلى أوروبا ببعضها أو مثلها. ولكن لم يصل أياً منهم إلى معلومة صحيحة. ولكن الشاهد من ذلك أن الذهب خلب عقول الأوربيين ، ولفتت الرحلتان أنظار أوروبا إلى ذهب إفريقيا وثرواتها ، فدفعها للتفكير فى إحتلال غرب إفريقيا لحصد الذهب. مدينة سبتة المغر
وكان البرتغاليون أول من انتبه إلى ثروات القارة فاحتلوا مدينتي سبته ومليلية المغربيتان عام 1415م ( لازالتا تحت الإحتلال الإسباني حتى اليوم )
و تمكنوا عام 1444م من احتلال الرأس الأخضر والسيطرة على مدينة دكار السنغالية.
ثم استولوا عام 1460م على سيراليون، وحولوها مركزا عالميا لتجارة الرقيق
واحتلوا غانا عام 1471، و سيطروا على الذهب واحتكروا تجارته وأطلقوا اسم ساحل الذهب على المنطقة ، حتى انتبه الفرنسيون والبريطانيون والهولنديون فنافسوهم
واحتل الفرنسيون ساحل إفريقيا الغربية فأنشأوا مدينة سان لويس بالسنغال كقاعدة لهم عام 1659م
وبدأت تسربات الإحتلال الأوربي لقارة إفريقيا حتى بلغ التنافس التكالبي الإستعماري مداه إلى أن إنتهى بعقد مؤتمر برلين (نوفمبر1884-فبراير 1885 ) وتم فيه تقسيم القارة بين الدول الأوربية ، والآن عاد التكالب الإستعماري في دورة جديدة منذ بداية الثمانينات بدخول دول إقليمية صغيرة ثم إنتقلت الحرب الباردة بعد خمود نيرانها في أوربا وأمريكا إلى إفريقيا وأستعر أوارها مع بداية 2010 متزامنة مع مخطط التفتيت ليس للوطن العربي فقط ولكن له ولإفريقيا ، بدأت بتقسيم السودان -بعد نجاح البروفة الأولي عام 19901 بإسقاط الدولة في الصومال وتفتيتها إلى ثلاث أقاليم – لتبدأ مرحلة جديدة منذ 2010 أسميتها بعذاب النار ، وهي ماتم فيها اشعال المنطقة بمظاهرات شعبية وإنتفاضات حادة بلغ التدمير فيها مداه ، لتبدأ من 2020 مرحلة بئس المصير والتي لن ينجو منها أحد و في الوطن العربي وإفريقيا سنكون أكثر الخاسرين إذ لم ننتبه ونحاول مقايضة المصالح بالمصالح سواء مع الغرب –أوربا وأمريكا – أو مع الشرق –الهند والصين وروسيا- وألا نبنى علاقاتنا مع أى طرف على العواطف والمحبة و الإحتياج إلى الحماية من الشعوب ، وهو ما فعله أغلب حكام الإقليمين فيما بعد مرحلة الإستقلال (الوهمي) وزوال الإحتلال العسكري المادي