هكذا أنقذتنا الصفحات
بقلم: دينا ممدوح | ناقدة مصرية
بعض الكتب تنتهي منها وتبقى بداخلك، بعض الكتب تتركك بأفكار أفضل وترشيحات لكتب أكثر لتضعها على قائمه القراءة، وبعض الكتب تلقي الضوء على الكثير من المواقف والأفكار التي كانت تدور بداخلك ولا تعرف كيف تعبر عنها ولكن كل هذا اجتمع في كتاب (وأنقذتنا الصفحات) لـلكاتب باسم الجنوبي.
في البداية اسم الكتاب هو أول ما لفت نظري عندما عرفته، بالفعل أنا أنقذتني الصفحات، كنت أعيش في فجوة كبيرة من الحزن ولم يخرجني منها إلا صفحات الكتب التي كانت تحيطني، الكتب دفء وونس وصفحاتها محبة دون شروط، لذا قبل القراءة شعرت أن هذا الاسم لا ينطبق فقط على صفحات هذا الكتاب ولكنه ينطبق على الحياة بأكملها.
كان يملاني شغف كبير للتعرف على كيف بدأت حكاية ونس الكتب ( معتكف القراءة العربي) الذي يديره الكاتب، وما هي الحكايات التي حدثت داخل أروقته، ولكن المفاجأة أن مع بداية صفحات الكتاب الأولى وجدت أنني لا ادخل إلى عالم ونس الكتب فقط ولا حكايته فقط، ولكنني بالفعل أدخل حكايات الحياة والقراءة والكتاب والمجتمع بأكمله.
تناول باسم الجنوبي الكثير من الأفكار والمواقف والموضوعات الاجتماعية وليست الثقافية فقط وأن كانت الثقافة جزء من المجتمع وفي بعض الأحيان يجب أن تكون الكل، ولكن يمكنني القول أنه ألقى الضوء على الإنسان نفسه كيف تتحدث أفكاره ومبادئه وانفعالاته، وكيف يمكن بناءه من الأساس، ففي كل مقال كان يتناول فكرة محددة وتقسم تلك الفكرة إلى أفكار أصغر داخل المقال الواحد يتناول كل منهم بشكل مفصل وواضح مع وجود الأمثلة.
عندما نلتقي أسبوعيًا في قعده ونس (التي يديرها الكاتب) أجد أستاذ باسم الجنوبي بكل تلقائية يقوم بترشيح الكثير من الكتب، وكأنه يضعها في بوابة داخل عقله مكتوب عليها (هنا المعرفة)، قدم هذا بالفعل في الكتاب فستجد أن كل فكره أو موقف معين أو مقاله يتحدث عنه في الكتاب يضع لك قائمة من ترشيحات الكتب غير الاقتباسات التي امتلئ بها الكتاب من كتب أخرى، فستجد إنك في نهاية المقال ربما تخرج بقائمه 10 كتب مختلفة المجالات والأفكار والمناقشات، ومع نهاية كتاب( وأنقذتنا الصفحات) نفسه ستجد أنك لم تقرأ كتاب واحد فقط ولكنك قرات عشرات الكتب.
تحدث عن أهميه القراءة وما الذي تضيفه إلى شخصياتنا وحياتنا وعقلنا، والأهم أن نكتب عما نقرأ كل كتاب يستحق أن نمنحه بعضًا من الوقت لتلخيصه واعطاء كاتبه حقه.
تناول فكرة كيف يمكن أن تبني الإنسان بالقراءة المتأنية والمفيدة وليست القراءة السريعة التي يمكن أن تزيد قائمة قراءتك كل سنة ولكن دون أن تزيد عقلك بالمعرفة والمعلومات التي ستبقى لسنوات.
لم يترك الكتاب مشكلة اجتماعية أو موقف بعينه إلا وتحدث عنه؛ مثل حديثه عن برامج المقالب والتفاهات التي يتم تصديرها لنا سواء في وسائل الاعلام أو السوشيال ميديا، والحياة الزائفة للكثيرين من خلالها والتي تجعل الخيال يسيطر على أحلامنا ولا تتحقق على أرض الواقع مما قد يسبب الإحباط والاكتئاب.
تحدث عن مشاع حياتنا الخاصة وكيف يمكن أن تكون للسوشيال ميديا مساوئ كثيرة، فمن يعرض حياته بالإيجابيات والسلبيات على السوشيال ميديا يتحمل نتائجها التي تكون على الأغلب غير مضمونة.
تناول فكرة إسلام السوق والمظاهر الإسلامية للمدعين والتي تكون مجرد صورة خاطئة للإسلام حتى إنها يمكن أن تؤخذ كوسيلة للربح وأحيانا وسيلة للدعايات السياسية.
تناول حقيقه الصبر على القراءة، فلا قيمه لقراءة 1000 كتاب دون فهم المقصود منهم، دون فك شفراتهم واستيعاب معاني لذه المعرفة تستحق أن نبحث في كل جوانب الكتب التي نقرأها إذا كان الكتاب يحتاج لفهم الخلفية الثقافية لكاتبه والفترة الزمنية التي كان يكتب فيها، فعل ذلك يحقق المتعة والفائدة القصوى من الكتب أكثر وأكثر.
أشار الجنوبى إلى الكثير من الأسماء العربية التي تركت بصمة في التاريخ سواء في الكتابة أو في مجال الاختراعات والتأثير على المجتمع وترك بصمة حتى بعد الرحيل، ولكن الغصة تأتي كيف يمكن أن نعيد تلك الأمجاد للعرب مرة أخرى؟! لا نعلم ولكن بالقراءة ربما نعلم.
الكثير من الأفكار التي لا يمكن حصرها في مقال واحد تناولها الكتاب بكل تفاصيلها وشرحها ومراجعها، فما يجعل كتاب (وأنقذتنا الصفحات) من الكتب التي سأعدها مرجع لي، وسأعيد قراءه بعض الأجزاء منها مره تلو الأخرى.
*اقتباسات:
– الكتب هذه الكنوز الحية التي تصف للإنسان همومه، أزماته، صراعه، سعادته، تاريخه، خيباته، أمراضه، واقعة وخياله، إنه مخزن الذاكرة الأبدي للبشرية والميراث الأكبر والأغلى، القادرة على تعريف الإنسان بنفسه وبماضيه.
– ربما كان التعريف الأكثر دقة للإنسان أنه “المخلوق المنفرد بالحضارة والذاكرة”.
وبهذا تكون القراءة هي الفعل الإنساني الذي يغذي إنسانية الفرد بأن تعطيه ذاكرة حضارته، تذكره بنفسه وماهيته.
– عندما ينضج الإنسان سيعرف أن المرض تدريب لتعليم الرضا والصبر، العسر باب للقرب وآذان لليسر، البُعد تجهيز لما بعد، الحرمان هو عطاء ووقاية لما قد يضرب، عندما ينضج الإنسان سيعرف أن رزق الله يأتي كما يريد الله، لا كما يشتهي العبد.
– العمر قصير على المبالاة بكل شيء، حياتنا قصيرة وما بقي منها يستحق التركيز في اهتماماتنا على ما يجب أن نهتم به وهذه التركيز ضرورة للاستمتاع بالحياة، فهناك معارك صغيرة في الحياة طول الالتفات لها غير المستحق يذهب بكل سعادة ممكنة.
– فن المبالاة بالذات والراحة النفسية فالحياة تطيب لمن يختار ما يبالي به، ومن انشغل بالمقارنة، حُرم السكينة، ومن لب نداء كل بائع فقد وقع.
– من تكاسل عن القراءة عُوقب بالجهل.
– القراءة المتأنية قراءة تعترف بالجميل لأصحاب الأقلام المجتهدة.
– إذن لا يمكننا السيطرة على عدم وقوع الشدائد في حياتنا، لكن يمكننا مع وبعد وقوعها السيطرة على أفكارنا ومشاعرنا؛ فنهونها ونستثمرها لنقوي بها جوانب أخرى في الحياة.
– لكل شخص قطاره الخاص، فلا قطارات تفوت أحد، ومن أنشغل بقطارات غيره لن يهنأ أبدًا برحلته.
– في مكة حرم وفي فلسطين قدس، بمصرنا علوم الدين والدنيا تُدرس وبها لطف الله بالناس يُرى ويُلمس، من المحروسة يبدأ صباح العرب ويكون لهم شمس، وإن أظلمت فلا نور لهم ولا ونس.
– بعض الناس كالكتب الرائعة تعطينا المزيد كلما عدنا إليهم، فوجب تقديرهم والاحتفاظ بهم، وبعض الناس كالكتب الضارة تشغل الوقت والمكان وتؤذي الحياة فوجب إبعادهم.