إلى الرفاق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بقلم: يونس العموري
السؤال الأبرز هنا: هل الجبهة الشعبية باتت في مرحلة تغيير جلدها وخلع ثوبها؟
هو السجال الذي بقي دون قرار منذ سنوات طويلة، وهو الجدل وتصارع الرؤى وتناقض المواقف ومحاولة إخضاع المنطق وتهجين وتدجين الرأي بما يخدم صراع اباطرة الواقعية السياسية الجديدة ، وهو الموقف والقرار الذي يعكس المأزق الشامل الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية، ومكونات الحركة الوطنية، حيث التردي والتقهقر والتراجع عن منطق الامور ، وهي الازمة الفعلية التي بات يعايشها الكل بصرف النظر عن تخندقه وبصرف النظر عن مشاربه الأيدلوجية وكأن ما يسمى بالفهم الواقعي للأمور الذي بات هو المُسيطر على العقل القيادي المحكوم بمعطيات أوسلو وتفرعاته وقوانينه وما يفرضه من حالة تعايشية مع قوانين المرحلة الهجينة الراهنة حيث اللاصراع برعم حالة الصراع وحيث اللا دولة وسرابية الدولة وتناقض المواقف وتطويع الفهم وارتكاب الجرائم السياسية بامتياز ، ويبقى المشروع الوطني التحرري في مهب الريح وتراجع الفهم النضالي للحظة الفارقة عند اتحاذ القرار ، والقرار بعد كل هذه السجالات صدر عن اللجنة المركزية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( تاج اليسار ) اخر القلاع الرفضوية الوطنية لأسلو التي تهاوت من خلال هكذا قرار بضرورة المشاركة بالانتخابات العامة الأمر الذي يعني التزامها بالموقف السياسي لتبعات المرحلة.
حيث جاء في بيان اللجنة المركزية للجبهة الشعبية الكثير من النقاط التي برأيي تتناقض مع قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة، وهي بالضبط كمن يريد السير تحت المطر دون ان يمسسه البلل وهو الامر المستحيل، وكان ان جاء في مقدمة البيان التأكيد على وحدانية الأراضي الفلسطينية والرفض المطلق لأسلو مما يتناقض أصلا مع الفهم الموضوعي لماهية المجلس التشريعي (برلمان السلطة) ذاته التي ستدخل في اطاره الجبهة الشعبية حيث الولاية الجغرافية المحدودة والمقيدة لهكذا مجلس محددة أصلا من خلال اسلو التي أعلنت الجبهة انها ترفضه ولن تخوص الانتخابات تحت سقفه او من خلاله مع العلم والكل يعلم ويعرف حقيقة الأمور ومنطقها وتوجهاتها فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة انما محكومة بمنظومة المفاهيم (الأسلوية/ نسبة لاتفاق أوسلو) الناظمة للإيقاع السياسي والأداء السلطوي للنظام الفلسطيني الرسمي منذ تأسيس السلطة التي جاءت كنظام متفق عليه وفي هذا السياق فإنني ما زلت اعتقد ان المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية قد جاء كناتج من نتاجات اوسلو وتلك الإتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي بصرف النظر عما ألت اليه تلك الإتفاقات الا انها بقيت وستبقى الى حين شهادة ميلاد السلطة الفلسطينية وان حاول البعض ان يسوق الكثير من المبررات للتبرأ من شهادة ميلاد السلطة (اتفاقات اوسلو وتباعاتها).
ويتجلى التناقض في النقظة الأولى من بيان مركزية الجبهة والتي قالت من خلاله (.. إنّ مشاركة الجبهة الشعبيّة في الانتخابات لا تعني أن تكون شريكاً في تكريس اتفاقات أوسلو المذلة والكارثيّة، ولا غطاء لأيٍ من إفرازاته، ولا تعني بأي حال التكيّف مع هذا الواقع، بل رفضه بالمطلق، ومقاومته بكل السبل السياسيّة والديمقراطية والكفاحية…) وأؤكد هنا انها بولوجها لمجلس السلطة تصبح الجبهة رسميا شريكا اصيلا بالاتفاق وتصبح بالتالي مكونا من مكونات مجلس النظام الرسمي لأوسلو .. وهو ما يصطلح على تسميته بالسلطة التشريعية للسلطة، وهنا نجد حقيقة التناقض وواقعه وابتعاد الجبهة عن منطق رفض أوسلو واقعيا.
ولا نتجنى على الجبهة حينما نقول ان مبررات المشاركة بدعوة تعديل ميزان القوى الداخلي في بوتقة القيادة انما يعبر عن حجم الازمة الوجودية للجبهة حيث ان التأثير في ميزان القوى الداخلي لا يكون من خلال الانخراط في قيادة السلطة التي من المفروض ان الجبهة ترفضها وترفض منطلقاتها وتهاجم توجهاتها واسس حضورها، وهنا لابد من التأكيد ان الأسس التي تحكم منطق القيادة الرسمية للسلطة وعلى مختلف التوجهات والمشارب وانسجاما لما يسمى بالنظام الديمقراطي يعتمد بالأساس على مفهوم رأي الأغلبية والأقلية وحتى يكون للجبهة تأثير في ميزان القوى لابد من ان تشكل أكثرية بالنظام بعد ان تكون قد اعترفت بمخرجات ومقدمات النظام الحاكم وبالتالي بمفاهيم هذا النظام اذ لا يمكننا استيعاب رفض النظام واسسه وبنفس الوقت المشاركة في كينونته سواء اكانت كينونة السلطة التشريعية للنظام او السلطة التنفيذية ويظل السؤال هنا ووفقا لقرار الجبهة هل ستشارك بحكومة الوحدة الوطنية العتيدة على ضوء الانتخابات التشريعية أم ستظل خارج الإطار الحكومي؟
اما فيما يتعلق برفض الجبهة الاعتراف القطعي (بالكيان الصهيوني) والعمل على سحب الاعتراف بهذا الكيان، لا بد هنا من التوضيح للرفاق ان سقف العمل الرسمي للنظام الفلسطيني الرسمي قائم على أساس حل الدولتين بمعنى ان ثمة اعتراف مباشر من الكل الفلسطيني بدولة أخرى مجاورة للدولة الفلسطينية العتيدة اسمها (دولة إسرائيل ) وهو ما تعلمه الشعبية وتعلم حقيقته.
كما قالت الجبهة في بيانها وأعلنت رفضها لكافة التسويات السياسية وهنا اتفق معها بما جاء في هذه النقظة ولكن هل تقدمت الجبهة ومن خلال اطروحاتها بالبديل، ام انها باتجاه شرعنه التوجه للمؤتمر الدولي للتسوية السياسية والذي سبق وأعلنت الجبهة عن موافقتها على المؤتمر الدولي لإطلاق عملية سياسية جديدة على قاعدة قرارات الشرعية الدولية وهو تقريبا ما تدعو اليه قيادة السلطة الفلسطينية بالظرف الراهن حيث التوجه لعقد مؤتمر دولي للسلام وتفعيل وإعادة دور الرباعية الدولية، وهو المسار السياسي الذي حتما يؤدي بالنهاية الى اطلاق عملية تفاوضية مباشرة فلسطينية إسرائيلية جديدة كما كانت عليه الحالة باطار مؤتمر مدريد الدولي للسلام ومن ثم مفاوضات واشنطن وبالنهاية المفاوضات السرية في أوسلو التى افضت الى اتفاقية أوسلو، بالتالي اعتقد ان الرفاق اعادوا الكرة الى المربع الأول في الملعب السياسي التسووي التفاوضي. وان كان البيان يحمل في طياته الرفض للتسويات السياسية.
وجاء البند الثامن من بيان مركزية الجبهة ليعبر عن التناقض بأبهى صوره حيث (رفض الجبهة المطلق لأوسلو وإفرازاته، وهم يعلمون أن السلطة ومجلسها التشريعي أحد أبرز إفرازات أوسلو كما قلنا، ومطالبة القيادة بإلغائه انما يعتبر دربا من دروب الخيال وتسويق الوهم وشرعنته حيث بات أوسلو وافرازاته هو أساس الواقع الفلسطيني الراهن وهو المحدد لحيثيات وقائع الحالة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والأمنية وحتى الوجودية للنظام القائم بصرف النظر عن نمطيته.
وبناء على ما تقدم اسمح لنفسي بإيراد بعض الملاحظات على خلفية بيان مركزية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
- إن البيان يحمل في طياته الكثير من التناقض ما بين الرفض لأوسلو والقبول بالمشاركة بمؤسسات أوسلو.
- إن النقاط الواردة في البيان تحمل في طياتها الأسباب الكافية لرفض المشاركة في الانتخابات.
- إن عملية التأثير في قرارات السلطة من خلال العبور الى النادي الرسمي للسلطة يعتبر شرعنة علنية واضحة لسلطة أوسلو .
- إن فعل التغير لن يكون الا من خلال إعادة التموضع مرة أخرى وفقا لمنظومة مفاهيم العملية التحريرية والالتزام بقوانين مرحلة التحرر الوطني.
- لا بد من الادراك ان فصائل اليسار الفلسطيني وعلى رأسهم الجبهة الشعبية قد غادرت مربع الرفض وعبرت الى نمطية التعاطي والواقعية السياسية الراهنة.
- لن تستطيع الجبهة الشعبية التأثير في موازين القيادة الرسمية وتوجهاتها من خلال التأثير على القرارات في اطار السلطة بناء على نتائج ومخرجات العملية الانتخابية حيث ان موازين القوى والحجوم هنا معلومة ومعروفة سلفا.
- بقرار الشعبية المشاركة انما تغادر مرة أخرى إمكانية إعادة العمل الفلسطيني الوطني التحرري الى صدارة المشهد الفلسطيني الذي نراهن عليه بإعادة الاصطفافات من جديد على قاعدة تشكيل جبهة وطنية عريضة رافضة لقوانين أوسلو وفرض معادلة جديدة من خلال العمل النضالي الكفاحي التحرري وان تبقى سمة الرفض لأسلو أساسية وان كانت الشعبية تشكل الصوت الوحيد تقريبا في اطار فصائل م .ت.ف.
- بمشاركة الشعبية في الانتخابات انما يعتبر انتهاء فصل الرفض الكلاسيكي للمرحلة بكل حيثياتها والقبول بالتعاطي معها وفقا لقوانينها.
- لا بد من الإدراك وأعتقد أن الرفاق في الجبهة الشعبية يدركون أن تغير النظام الفلسطيني الرسمي الأسلوي والإطاحة بأوسلو لا يتم من خلال التعاطي مع قوانين أوسلو انما من خلال فرض القوانين المضادة لأسلو والمتمثلة بخوض الاشتباك الكفاحي النضالي بالميدان وإعادة تثوير الواقع الفلسطيني والرهان على الجماهير والالتزام بأدبيات الثورة الهادفة للإطاحة بالاستعمار الاحتلالي التفريغي .
وأخيرا ثمة أسئلة تفرض نفسها ننتظر الإجابة عليها خلال الفترة القادة وهذه الأسئلة تتمثل بشكل مشاركة الجبهة الشعبية بالانتخابات؟ بمعنى هل ستكون للشعبية قائمة مستقلة؟ أم من خلال تحالف قوى اليسار الفلسطيني الكلاسيكي؟ أم إنها ستنضم إلى قائمة انتخابية ائتلافية واسعة بمشاركة الكل الوطني مع فتح وحماس وباقي القوى والفصائل؟
والسؤال الأبرز: هل الجبهة الشعبية باتت في مرحلة تغيير جلدها وخلع ثوبها؟