تجاعيد الماء (11)

سوسن صالحة أحمد| كاتبة وشاعرة سورية تقيم في كندا

(حيرة دمعة)

فتحت عينيها في الصباح على صوته، هيا انهضي حضري لي القهوة، جيد أنك هنا، أكاد أتأخر. .
ابتسمت له، رفعت الغطاء عنها، قالت: صباح الخير. .
ذهبت لغرفة ابنتها، أيقظتها وهي تقبّل جبينها، قالت لها مبتسمة: هيا انهضي حبيبتي حان وقت مدرستك. .
توجهت إلى المطبخ وبدأت بتحضير القهوة والفطور، لما دخلت ابنتها: أمي أين قميصي لا أجدهُ؟ ، أجابتها وهي تحتضنها وتمسح على شعرها مبتسمةً: مع الملابس التي كويتها بالأمس على الكنبة. .
قدمت القهوة لزوجها مبتسمة، وأكملت تحضير الفطور على طاولة المطبخ، عادت ابنتها تناديها: أمي تعالي مشطي شعري، أكاد أتأخر. .
تركت زوجها يتناول فطوره وذهبت تمشط شعر ابنتها وهي تغني مبتسمةً، تتغزل به، حين استفاق الصغير من صخب الصباح. .
توجهت إلى غرفتها، تحمله من سريره مبتسمةً ضاحكة، تكلمه بلهجات ومفردات غريبة، كل قصدها حب وشكران لمن وهبها إياه، لمّا سمعت صوتان يقولان:
” سلام”. .
لحقت بهما مبتسمة، ولم تنسَ أن تناول ابنتها سندويشة كانت قد أعدتها لها وهي تحضر الفطور، وتقول مبتسمة: معكما الله، بأمنه وأمانه وسلمه. .
عادت أدراجها، تغير للصغير فوطه وملابسه، وترضعه، حين استيقظ ابنها الأكبر، وتوجه إليها قائلًا: صباح الخير على وجه الخير. .
عانقته وقبلته مبتسمة ترد عليه: صباحي بكم خير، الفطور جاهز في المطبخ، ريثما تحضر نفسك، سأعد لك الشاي. .
توجهت للمطبخ تحمل صغيرها وتعد الشاي من جديد، حين سمعت صوته يناديها: أمي أين بنطالي الأسود؟ . .
توجهت لغرفته وأخرجته له من بين ملابسه، وعادت للمطبخ. .
ما لبث ناداها ثانية: أمي لا أجد حقيبتي. .
عادت لغرفته تفتش معه، لتجدها خلف السرير، أخذها وهو يقول: لقد نسيت أني وضعتها هناك. .
قالت: هيا، عليك ببعض العجلة كي لا تخرج دون فطور كعادتك. .
أكل لقيمات واقفا، شرب شايه وهو يقول: أمي النقود التي معي لا تكفيني، هل لي ببعض كرمك أيها القمر؟ . .
ضحكت وتوجهت لغرفتها وهي ماتزال تحمل الصغير، لتعود إليه وتعطيه من مصروفها ما يدعم مصروفه. .
دس النقود في جيبه: لا حُرِمتُ منك ست الكل، قبّل جبينها، ودّعها، أغلق الباب خلفه متوجهًا إلى كليته. .
هدأ البيت بعد ساعة ونصف من استيقاظها، لاعبت الصغير بعضا من الوقت، وحين استسلم للنوم من جديد، وضعته في سريره، وباشرت أعمالها المنزلية، من ترتيب وتنظيف وغسيل وطبخ، يتخلل هذا الوقت استفاقة أخرى للصغير وإنشغالا به مايقارب الساعتين والنّصف من الوقت. .
تكون ابنتها أول الواصلين ظهرا، فتحت لها الباب مبتسمة وقبلتها آَنَ قالت: أمي، ماهو الغداء اليوم؟ ، وأين أخي؟ ، أما زالَ نائماً؟ ، أمي، أنا واقعة من الجوع. . صديقتي دعتني اليوم إلى حفل عيد ميلادها، عليَّ أن أحضر نفسي وأجلب لها هدية، أمي، رأيت جارتنا في مدخل البناء، تسلم عليك، وتبلغك عتبها لأنك لاتزورينها، أمي، مدرسة الرياضيات كانت سعيدة مني اليوم لأني حللت كل المسائل التي ساعدتني بها الأمس، أمي، ماذا تقترحين أن أحضر لصديقتي؟ . .
كانت تستمع لها مبتسمة، قالت: حسنا، هيا غيري ملابسك ريثما يأتي أبوك، نتغدى جميعا، ثم نفكر في كل شيء. .
استفاق الصغير، أثناءها، فحملته وهي تحضر الغداء، ومع انتهائها، سمعت صوت المفتاح يدور في قفل الباب، ليُفتح وتشم عطرزوجها، تتوجه إليه مبتسمة قائلةً: الله يعطيك العافية، هيا غير ملابسك، الغداء جاهز. .
حملت كيس الفاكهة من يده، لتضعه في الثلاجة بعد غسله، وهي تحمل الصغير، وجلسوا جميعا إلى المائدة. .
سكبت لزوجها وابنتها، ومن ثم سكبت قليلا من الأرز واللبن للصغير، لأنها كانت بصدد إدخال بعضا من طعام البيت في غذائه، وحين حاولت أن تأكل، لم تجد في نفسها رغبة ولاشهية. .
تناول زوجها وابنتها الغداء، ذهب الزوج إلى غرفته يقيل، وابنتها تحضر واجباتها باكرا من أجل حفلتها. .
تركت الصغير بجانب أخته، وعادت إلى المطبخ ترتبه وتنظف الصحون، ثم دخلت إلى الحمام، تساعد روحها على التخلص من بعض التعب بالاستحمام، سكب الماء على جسدها، طقس يشعرها ببعض الراحة، في هذه الأثناء، نادتها ابنتها عدة مرات، من أجل الصغير الذي يبكي، وهي منشغلة بدروسها. .
خرجت لتأخذ الصغير من أخته مبتسمة، ودخلت غرفتها ترتدي ملابسها، تضاحك طفلها بهمس كي لايبكي ويوقظ أبيه، لما أصدر صوتا يعبر عن فرحه بمناغاة أمه، ما أيقظ الزوج الذي تنحى منزعجا وقال: لم كذلك؟ أريد أن أرتاح. .
قالت: حقك علينا، هل أحضر لك الشاي؟ ، قال: نعم. .
أكملت ارتداء ملابسها، بعد أن وضعت الصغير قرب أبيه، وتوجهت إلى المطبخ، تعد الشاي وبعض قطع من الحلوى، قد كانت أعدتها خلال النهار. .
نادته إلى الصالة ليشربا الشاي معا، ويحدثها عن يومه، كيف أن الموظفين طلبوا منه مرافقتهم لزيارة صديقهم المريض، وقد اتفقوا على هذا المساء. .
سألت مبتسمة: وماذا ستأخذون له هدية؟ . .
أجابها أنهم قد جمعوا مبلغا من المال كهدية، وكلفوا أحدهم بشراء باقة ورد، ثم أردف، لقد التقيت بجارنا على درج البناء في الصباح، وترافقنا سوية على الطريق، حدثني أنهم يريدون التصرف بالقبو، يعيدون كسوته، ويؤجرونه، للاستفادة من أجرته في إصلاحات يحتاجها البناء، وقد اتصلت بي أمي، أخبرتني أنها أوصت لنا على مؤونة هذا العام من الفول والبازلاء، سيحضرها أخي غدا صباحا، عليك تفريغ نفسك لتحضيرها، جيد أنك في البيت غدا أيضا، كذلك طلبت أمي أن نقضي عطلة نهاية الأسبوع عندها، حين قاطعتهما الابنة: أمي، ماذا بشأن الحفلة؟ . .
سأل الزوج: أي حفلة؟ . .
قالت مبتسمة: لقد دعتها صديقتها إلى حفلة ميلادها اليوم، ليتك توصلها في دربك، وتساعدها على اختيار هدية، وتعود لـتأخذها لما تنتهي من زيارتك. .
ارتدت الابنة ملابس الخروج، وحضر الزوج نفسه، ودعتهما مبتسمة، آَنَ دخل ابنها عائدا من الجامعة، لتقابله مبتسمة، وهو يقول لها: أمي، واقع من الجوع، ليتها تكون وجبة شهية. .
في هذه الأثناء، نام الصغير على يدها، أودعته سريره وحضرت الغداء لابنها، جلست بجانبه، تستمع إليه مبتسمة، أمي، لدي صديقة في الجامعة جميلة الروح، أحبها جدا، الحب شيء جميل، على فكرة أمي، اتفقت وأصدقائي أن نذهب إلى السينما وعلي ملاقاتهم بعد ساعة من الآن، هلا حضرتِ لي ثيابي ريثما أستحم، سألته مبتسمة: أيها تريد؟ قال: البنطال الكحلي والقميص الأبيض تحتاج كي.
بعد حمام سريع، ارتدى ملابسه، ودع أمه التي دعت له بالسلامة مبتسمة.
فرغ البيت من جديد، دخلت غرفتها وهي تشعر بألم في رجليها وظهرها، تذكرت أنها لم تتناول الدواء الذي وصفه لها الطبيب بالأمس من أجل هذا الألم، والذي من أجله منحت إجازة مرضية هذا اليوم ويومين آخرين بعده، تناولت الدواء، ثم وقفت أمام المرآة تضع بعض الزينة، تنشط نفسها، علها تستطيع قراءة بعض صفحات من الكتاب الذي بدأت قراءته منذ شهور.
نظرت إلى وجهها في المرآة، حاولت أن تبتسم، وجمت قليلا، ثم سكنت، ترفع نظرها تارة إلى المرآة، ثم تعود لتطرق رأسها كيتيم، مع غصة ما استطاعت لتشابك أسبابها تحديد مصدرها، تعود للمرآة تبحث بنظراتها عن شيء، عن معنى، وتطرق من جديد، بعد لحظات عاودت النظر إلى وجهها، لترى بحيرة دمعٍ تتساقط قطرات حارقة على خديها، لتكتشف أنها تشهق بالبكاء، وهي لاتدري لماذا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى