أحادية العقل العربي وحالة السّكون

د. رافع يحي | فلسطين

أمتنا في ورطة، فهي تعيش في حالة سكون، فلا هي قادرة أن تتقدّم في الطّريق الّذي تسير فيه، لأنّها غير قادرة على مجاراة العصر، بسبب الفجوة الكبيرة التي باتت تفصلها عن الحضارات الأخرى، على الأقل منذ بداية القرن الماضي. ولا هي قادرة على العودة لإرثها الثقافي على أنواعه الّذي تعتزّ به، بسبب غياب الأدوات الّتي من شأنها تحقيق الفائدة من هذا التّراث..

هذه الحالة، أي حالة السّكون ورّطتنا كأفراد وكمجتمعات وكأنظمة وأدخلتنا في مأزق خطير. لا أذكر أيّ وضعيّة تاريخيّة لأيّ أمّة آلت بها بنية العقل لمثل هذا المأزق. كلّ نكباتنا سببها الجهل المقدّس للوهم والتّكرار والأفكار السّكونيّة، ممّا أدّى لغياب التّخطيط والابتكار.

اللّعبة واضحة، البقاء للأقوى ومن يملك المعرفة يملك الاقتصاد والقوّة. كيفيّة إدارة الاقتصاد وتوظيفه من أجل تطور الأمّة. كيفية إدارة المعرفة وتوظيفها من أجل تقدّم مشاريع الأمّة. ومن لا يتطوّر ينقرض.

أمّا بالنسبة للحداثة فقد التقينا مع جانبها المادي فقط، فكنّا عبيدًا مستهلكين لما تنتج. ولم نتقبّلها عقليًا، لأنّها وصلت إلينا عبر المدافع والصّواريخ والأساطيل الحربيّة. منذ نابليون الّذي دكّ أسوار الشّرف بمدافعه والاستعمار الايطالي والبريطاني والايطالي وغيره مرورًا بإبادة الهنود الحمر منذ كولومبوس بأبشع الوسائل والطرق وانتهاء بعائلة بوش الأب والإبن وترامب.

لا تستطيع العقليّة العربيّة التّصالح مع حداثة أنتجتها حضارات ارتبكت وما زالت ترتكب موبّقات كبيرة في العالم العربي وفي العالم الثّالث، لأنّ العقل العربي مبني على الأحاديّة وما زال لا يقبل الإزدواجيّة. لن يتقبّل لا وعيه أيّ حداثة تأتيه من دول نهجها الفكري يعتمد على استعمار الآخر واستغلال ثرواته. من الصّعب عليه الفصل بينهما ويجب تفهّم ذلك.

إذا ما المتاح أمامنا؟ اعتماد الاستيراد الفكري كمنظومة لجسر الفجوة بيننا وبين ثقافات وحضارات أخرى؟ هذا التّوجّه فيه خطورة بالغة، لأنّ أساسه خطأ، فالحضارة تنشأ من ذاتها لا من غيرها بشكل أساسيّ. ومن جهة أخرى نفي التّراث سيكون خطأ جسيمًا لأنّه لا يمكن فصل الأمّة عن تراثها وأصلًا هذا غير مطلوب، حتّى نُحدث صدمة الحضارة.

من هنا نقول فإن قراءة العقل العربي من قبل محمد عابد الجابري وفي المقابل من قبل جورج طرابيشي وغيرهم من المفكّرين العرب. هي قراءات تشير بوضوح إلى أزمة السّكون الّتي نعيشها. وهي محاولات فكريّة سواء اتّفقنا معها أو اختلفنا مع بعضها، ما زالت على رفوف المكتبات، وسبب ذلك حالة السّكون الّتي اعتقلتنا منذ عدّة قرون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى