قم ناج جلق.. تشطير هلال السيابي
شاعر ودبلوماسي عماني سابق
بدعوة من القيادة السورية زرت العاصمة السورية دمشق -مطلع نوفمبر 2022- حيث تشرفت بمقابلة فخامة الرئيس بشار الأسد ومجموعة من رجال دولته، مع ترحيب كبير من الجميع؛ ولأنني لم أجد ما يفي بحق هذه الدعوة الكريمة وواجب الشكر والامتنان تجاهها فقد وجدت في “الجوهرة الشوقية” ما يقوم بأود ذلك، فعمدت إلى تشطيرها كتحية مني لدمشق قيادة وشعبا.
“قم ناج جلق وانشد رسم من بانوا”
ومن أضاءت بهم في المجد أزمان
===
ضاؤوا جلالًا ضياءَ النيرين، وإن
“مشت على الرسم أحداث وأزمان”
===
“هذا الأديم كتابٌ لا كفاءَ له”
وإن أتاك بما لم يأتِ إنسان
===
تناقلته الليالي في تقلُّبها
“رثُ الصحائف باقٍ منه عنوان”
===
“الدين والوحي والأخلاق طائفة”
منه وأضعافُه علمٌ وإيمان
===
للأمر والنهي آياتٌ مبينةٌ
“منه، وسائره دنيا وبهتان”
===
“ما فيه إن قلبت يومًا جواهره”
إلا يواقيتُ أجيادٍ ومرجان
===
وليس بين ثناياه وشرعته
“إلا قرائح من رادٍ واذهان”
===
“بنو أمية للأنباء ما فتحوا”
وللمعالي وللتاريخ ما زانوا
===
وللفتوحاتِ والأمجادِ خيلُهمُ
“وللأحاديث ما سادوا وما دانوا”
===
“كانوا ملوكا سرير الشرق تختهم”
والخيلُ والليل والمران أعوان
===
ظلوا شموسًا بأفق الشرق أجمعه
“فهل سألت سرير الغرب ما كانوا”
===
“عالين كالشمس في أبراج دولتها”
والأرضٌ ساحٌ لهم والكونُ ميدان
===
تمور في جنبات الكون خيلُهمُ
“في كل ناحية ملك وسلطان”
===
“ياويح قلبي مهما انتاب أرسمهم”
سما به عن أُهيلِ العشقِ وجدان
===
أو طاف من حولها يومًا على مِقةٍ
“سرى به الهم أو عادته أحزان”
===
“بالأمس قمت على الزهراء أندبهم”
كما يقوم المصلي وهو حسران
===
دمعٌ على أنجمٍ طاح الأفولُ بها
“واليوم دمعي على الفيحاء هتان”
===
“في الأرض منهم سماوات وألوية”
تزينُ بالنصرِ ما سارت وتزدان
===
وفي الديار أحاديثٌ لخيلهمُ
“ونيرات وأنواء وعقبان”
“معادن العز قد مال الرغام بها”
وهْيَ اليواقيتُ من عزٍّ ومرجان
===
أقسمت باللهِ عن جدٍّ وعن كَيَسٍ
“لو هان في تربه الابريز ما هانوا”
===
“لولا دمشق لما كانت طليطلة”
ولا ازدهت أبدًا فخرًا تلمسان
===
ولا علت ببني عبادَ قرطبةٌ
“ولا زهت ببني العباس بغدان”
===
“مررت بالمسجد المحزون أسأله”
عن الخلائفُ من مروانَ إذ بانوا
===
ورحتُ أسألُه والدمعُ منهمرٌ
“هل في المصلى أو المحراب مروان”
===
“تغير المسجد المحزون، واختلفت”
أركانُه، وهي للاسلامِ أركان
===
وأخلف الوعدَ عهدُ العز، واشتجرت
“على المنابر أحرار وعبدان”
===
“فلا الأذان أذان في منارته”
كمثلِ ما كان، والإيمان إيمان
===
لما يَعُد والعلى في صوتِ رافعِه
“إذا تعالى، ولا الآذان آذان”
===
“آمنت بالله واستثنيت جنته”
لو جاز للمرء في الإيمانِ ثنيان
===
لكن أقولُ وحسبي حين أنعتُها
“دمشق روح وجنات وريحان”
===
“قال الرفاقُ، وقد هبت خمائلها”
وذاع من روضها عرفٌ وعرفان
===
الله أكبر ما أسمى مناكبها
“الأرض دار لها الفيحاء بستان”
===
“جرى وصفق يلقانا بها بردى”
وحول حافاته الخضراءِ غسان
===
أتيتها فالتقتني عن هوى أنف
“كما تلقاك دون الخلد رضوان”
===
“دخلتها، وحواشيها زمردة”
خضراءُ، والساحُ ألوانَ وأفنان
===
وللنسيم ترانيمٌ بغوطته
“والشمس فوق لجين الماء عقيان”
===
“والحور في دمر أو حول هامتها”
مثلُ الكواكبِ أضواء وألوان
===
عَلونَ، والحورُ علياء مفاتنها
“حوار كواشف عن ساق وولدان”
===
“وربوة الوادي في جلباب راقصة”
– إذا رأيت – ولكن للهوى شان
===
فما تقولُ، وقد لاحت مفاتنُها
“الساق كاسية والنحر عريان”
===
“والطير تصدح من خلف العيون بها”
تغري المُعنّى ونهرُ الحب معنان
===
وللقلوب تباريحٌ وأخيلةٌ
“وللعيون كما للطير الحان”
===
“وأقبلت بالنبات الأرض مختلفا”
وردٌ وفلٌ ونسرينٌ وريحان
===
وأشرقت روضُه بالزهر مُنبلجًا
“فوافه، فهو أصباغ وألوان”
===
“وقد صفا بردى للريح فابتردت”
والزهر مُنبلجٌ والوشيُ فينان
===
والريحُ تعبثُ بالروضِ المُدِلِّ هوىً
“لدى ستور حواشيهن أفنان”
===
“ثم انثنت لم يزل عنها البلال، ولا”
جاز الحدائقَ سيَّالٌ وهتَان
===
وما عصاها من العاصي النسيمُ، ولا
“جفَّت من الماء أذيالٌ وأردان”
===
“خلفت لبنان جنات النعيم، وما”
أدراك، والحسنُ في لبنان إحسان
===
نُبِّئتُ عن قسماتِ الخُلدِ فيه، وما
“نُبِّئتُ أن طريقَ الخلد لبنان”
===
“حتى انحدرت إلى فيحاء وارفة”
كما ازدهت في سماءِ الأفق شهبان
===
دارٌ بها نبتَ التاريخُ، وائتلقت
“فيها الندى، وبها طَيٌّ وشيبان”
===
“نزلت فيها بفتيان جحاجحة”
غر الوجوه لوِ انَّ الدهرَ غضبان
===
شمُّ العزائم لا ترعى مسارحهم
“آباؤهم في شباب الدهر غسان”
===
“بيض الأسرة باق فيهم صيد”
والأُسْدُ لو قدم التاريخُ أسدان
===
ما زال يسمو على أعطافِهم خُلقٌ
“من عبد شمس، وإن لم تبق تيجان”
===
“يا فتية الشام شكرًا لا انقضاء له”
كما سرى من جنانُ الخلدِ ريحان
===
شكرًا لإحسانكم، طوقتمُ عنقي
“لو أن إحسانَكم يجزيه شكران”
===
“ما فوق راحاتكم يوم السماح يد”
إذا تفاخرَ قحطانٌ وعدنان!
===
ولا كمثلكمُ أسدٌ بملحمةٍ
“ولا كأوطانكم في البشر أوطان”
===
“خميلة الله وشَّتها يداه لكم”
كما أردتم وطرفُ الدهر نعسان!
===
روضٌ من الخلد ممطورٌ جوانبها
“فهل لها قيَّمٌ منكم وجنَّان”
===
“شِيدوا لها الملكَ، وابنوا ركنَ دولتها”
كما بنى قَبلُ آباءٌ وولدان
===
وشمٌروا للعلا والمجدِ واقتحموا
“فالملكُ غرسٌ وتجديدٌ وبنيان”
===
“الملكُ أن تعملوا ما اسطعتمُ عملا”
تسمو به منكمُ شيبٌ وشُبَّان
===
فلتعملوا دونما كلٍّ ولا سأمٍ
“وأ ن يبينَ على الأعمال إتقان”
===
“الملكُ أن تخرج الأموالُ ناشطة”
ليستكينَ لكم علمٌ وإمكان
===
الملكُُ أن تلتقي الأيدي بجملتُها
“لمطلب فيه إصلاح وعمران”
===
“المُلكُ تحت لسان حوله أدب”
كمثلما مُزجت بالسَّلسلِ الحان
===
المُلكُ رؤيةُ مجدٍ باذخٍ أنفٍ
“وتحت علمٌ على جنبيه عرفان”
===
“الملك أن تتلاقوا في هوى وطن”
فلا يقالُ له من بعدُ أوطان
===
المُلك ثم اتحادٌ في بنا وطنٍ
“تفرقت فيه أجناس واديان”
===
“نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة”
وأصدقُ النصحِ ما يُمليه وجدان!
===
نصيحةٌ يا رجالَ الشام خالصةٌ
“والنصح خالصه دين وإيمان”
===
“والشعر ما لم يكن ذكرى وعاطفة”
فإنه – لو علا – زورٌ وبهتان
===
الشعرُ ما لم يكن يدعو لملحمةٍ
“أو حكمة فهو تقطيع وأوزان”
===
“ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم”
ونحن يجمعُنا ضادٌ وقرآن
===
ونحن عبر المدى فرسانُ مَلحمةٍ
“ونحن في الجرح والآلام اخوان!”
٢٧ من ربيع الثاتي ١٤٤٤هجرية – 22 من نوفمبر 2022 م
الإثنين / مسقط – سلطنة عمان
