أيديولوجية الخلاف
خالد رمضان | كاتب مصري
إن من العجب العجاب أن يرى المخطئ نفسه مصيبا، والمصيب يرى أنه لا يخطئ، وكلٌّ يدّعي رجاحة العقل، وصرامة الفكر، وكأنه أوتي ما لم يؤت أحد من العالمين.
إذا تأملت أحوال الناس، ودققت النظر في أمزجتهم، وأنماط تفكيرهم، فستجدهم جميعا غير راضين عن أرزاقهم، ولا أوضاع معيشتهم، ودائما يرون أنهم مظلومون، ويستحقون مكانة أرقى، وكانوا هم الأولى أن يسكنوا المنازل الشاهقة، وأن يعتلوا الكراسي الفارهة، وأن تكون لهم الرتب السامقة، لأنهم فُطروا من طينة غير الطينة التي فطرنا نحن منها، أما الشئ الوحيد الذي هم عنه راضون هو العقل، فلا أحد يعترف بقصور عقله، أو نقصان فكره، وعلى حد قول الشاعر:
والكل في علم الكلام مكلمٌ
والكل فيها شاعرٌ وخطيبُ
فالكل يعرف منابت الأشجار، ومكامن الأحجار، بل ربما أوتي مفاتيح الجنة، أوالنار .
إن اختلاف العقول، وتباين الٱراء خير ساقه الله إلينا، فنختلف حتى نتفق، فشجرة الخلاف لا تزال تنمو وتكبر حتى تؤتي أكلها، ويطعم الجميع ثمرتها وخيرها .
إن اختلافنا في مسألة ما ليس معناه غرس بذور العداوة والبغضاء، وكما يقول الشافعي واضعا أسس وقواعد منهجية للاختلاف بين الناس، نازعا جذور الحقد والموجدة من نفوس المختلفين:
رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأي الٱخرين صواب يحتمل الخطأ.
إذًا ما الذي يجعل الأمر يصل إلى حد التقاتل بين المختلفين، أو المتجادلين؟
أتدرون ما السبب؟
إنه التعصب الأعمى الذي يطمس على وجه صاحبه، ويسدل على عينيه غشاوة، فلا يرى إلا رأيه، ولا يسمع إلا صوته، ولذلك يجهد كل الجهد محاولا إثبات صحة رأيه، حتى وإن أيقن أنه على خطأ، فحبه لذاته، وهيامه بعقله يجعل في قلبه رانًا، وفي أذنيه وقرًا .
فلو نزع هذه العصابة من على عينيه لأبصر الحقيقة في أبهى صورها، وٱب إليها ودون غضاضة أو كٱبة .
لا ضير أن نختلف، فالحياة سجال وكلٌّ له فكره ورأيه وعلمه وثقافته، ولكن كي لا يمتد هذا الخلاف إلى ما وراء ذلك فعليك بتفريغ نفسك من هواها، وتجريدها مما يؤذيها من الهوى والميل، وكما يقول الشاعر:
خالف هواك إذا دعاك لريبة
فلرب خير في مخالفة الهوى
وقال تعالى: “وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (الأنعام – 153)
اختلف كما شئت، ولكن عليك أن تخرج حظ الهوى من صدرك، وألا تتعصب لرأيك ، وأن تصغي لقول خصمك، فلربما أخطأت وأصاب فتزل قدم بعد ثبوتها.وأختم بقول المتنبي:
ذو العقل شقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضر وينفع