ندوة اليوم السابع تناقش رواية هيثم جابر: الأسير 1578

القدس| من ديمة جمعة السّمّان

ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة المقدسيّة رواية “الأسير 1578” للأسير هيثم جابر. صدرت الطّ بعة الأولى عن المكتبة الشعبية ناشرون في نابلس، أمّا الطّبعة الثانية للرواية للعام 2022 ستصدر عن مكتبة سمير منصور في غزّة. تقع الرواية في 304 صفحة من القطع المتوسّط.


ابتدأت مديرة الندوة ديمة جمعة السّمان بالترحيب برواد الندوة وقالت:
كلّما اطّلعت على المزيد من أدب الأسرى، كلما ازداد يقيني بقوّة هذا الشّعب الجبّار. شعب يعرف تماما ما يريد.. يقهر جلّاده بالعزيمة والإرادة، سلاحه الإيمان بحقّه، والإخلاص لقضيته العادلة التي ستنتصر لا محالة، ولو بعد حين.
الكاتب الأسير هيثم جابر، الذي لا زال يقبع خلف قضبان السّجان، والتي تصل مدة محكوميته إلى 28 سنة، يقارع الاحتلال مع إخوانه أسرى الحريّة، يقدّم لنا عملا روائيا بعنوان (الأسير1578).
الرّواية أحداثها واقعيّة، لا خيال فيها. فهذا هو واقع الفلسطينيّين في وطنهم المحتل. وهذا هو الأسير الفلسطيني الذي دفع حريّته ثمنا لحريّة وطنه وشعبه.
بحثت عن بطل الرّواية فلم أجده، أردت أن أعرف اسمه، واسم عائلته، واسم حبيبته الجميلة، أردت أن أتخيّل ملامحه بوصف دقيق كعادة الكتّاب عندما يصفون أبطال رواياتهم. ولكنّني اكتشفت أنّ الكاتب قصد ألا يحدّد ما كتب بشخص وحيد يحمل صفات معيّنة، إذ أنّ بطل الرّواية هو كلّ (أسير) عاش تجربة الاعتقال بكل ما فيها من تنكيل وتعذيب وإهانة ومرارة وتدمير نفسي له ولذويه.
وقد كان ذكيّا في هذه النّقطة، فكل من يقرأ الرّواية يشعر أنّها تخصّه، أو تخصّ أقرباء له، أو أصدقاء أو حتى أيّ أسير من معارفه. تركها مفتوحة للقارىء، يتخيّل البطل كما يريد.
قدّم جابر معلومات مفصّلة في غاية الأهمية حول تاريخ نضال الحركة الأسيرة والإضرابات التي خاضها الأسرى من أجل تحقيق مطالبهم الإنسانية.
عرّف القارىء بالحياة اليومية للأسرى، والبرامج والأنشطة التي يقومون بها لتثقيف أنفسهم، ولتوفير احتياجاتهم الإنسانية اليوميّة، أو بالمناسبات، كالأعياد مثلا، والتي يصرّون أن يعيشوها بصورة أقرب إلى حياتهم مع أسرهم قبل الاعتقال.. ليشعروا أنهم لا زالوا يمارسون طقوسهم كما ينبغي أن تكون، رغم أنف السّجّان.
وددت لو أن الكاتب تجنّب الشّعارات، والنّصوص الجافّة التي بدت كالتّقارير الإخبارية في بعض المواقع في الرّواية، واكتفى بالحوارات الخالية من التّكلف.
أعجبني موقف الأسير بعد أن نطق قاضي الاحتلال بالحكم المؤبد وعشرين سنة بالإضافة إلى الشّهرين، عقابا له لعدم التزامه بتعليمات القاضي. فقد رأى أن من حقّ خطيبته أن تعيش حياتها مع شخص آخر، لذلك أراد أن يفسخ خطوبته، ولكن صديقه أقنعه أن من حق خطيبته أن تشاركه الرّأي في موضوع يخصّها هي الأخرى، فهما شريكان. وقد أتت إجابتها واضحة من خلال رسائلها له التي أكّدت أنّها متمسّكة به مدى العمر.
أعجبتني النّهاية المفتوحة، إذ أنّ أسر ثلاثة جنود من قبل المقاومة الاسلاميّة تعني عملية تبادل قادمة، وهذا يعطي أملا للقارىء بأنّ الأسير سيتحرّر، ويعود لخطيبته ليعيشا حياتهما الزّوجيّة معا كما يرغب كل زوج وزوجة.
أما بالنّسبة للاصطلاحات الّتي وردت في آخر الرّواية التي تفسّر بعض المصطلحات التي يتمّ تداولها في السّجون فهي مهمة جدّا لتوضيح معانيها.
بورك الكاتب الأسير هيثم جابر، وبورك قلمه الذي يصل بصرخة الأسرى إلى العالم، يؤنسنهم، ويرفض أن يتحوّلوا إلى أرقام لا قيمة لها. إذ أنّ خلف باب كل أسرة أسير قصة تدمي القلوب، من حقها على العالم أن يسمعوها ويتفاعلوا معها، ومن حق الحركة الأسيرة أن يجدوا دعما يليق بتضحياتهم التي لا تقدّر بثمن.

وكتب محمود شقير:
1 – لن يغلق باب السجن على أحد من المناضلين من أجل الحرية، ولن يذوي الأمل بيوم التحرر المنتظر.
هذا ما خلص إليه الأسير هيثم جابر في روايته الموسومة ب “الأسير 1578” والرقم المرقوم هنا هو البديل غير الشرعي لاسم الأسير، الذي يفرضه عليه السجانون الذين حرموه من نعمة الحرية، ولكن إلى حين، برغم الحكم المؤبد وعشرين عاما فرضوها عليه من جراء مقاومته للمحتلين.
وعلى امتداد 305 صفحات يكتب هيثم روايته التي أبرزت التناقض الصارخ بين الحياة الطبيعية المشتهاة التي تحتفي بعلاقة الحب التي ربطت بين السارد الطالب في الجامعة، وحبيبته الطالبة الجامعية، وبين الحياة بين جدران السجن، وهنا أول مأخذ لي على الرواية؛ فما دام المحتلون حرموا الأسير من اسمه وجعلوا له رقما يدل عليه، فكم بالحري والرواية تتحدث عن تحدّيها لمشيئة الاحتلال والمحتلين أن يبرز الكاتب اسم السارد الأسير في روايته، واسم حبيبته المخلصة له، واسم أمّه التي ارتقى زوجها شهيدا، وظلت صابرة رابطة الجأش مؤمنة بأهداف ابنها المناضل الأسير، واسم الصديق القديم المحكوم عشرين عاما في سجون المحتلين، فقد خلت الرواية من أي اسم يدل على شخوصها ما عدا اسمًا واحدا، حتى الرسائل التي تبادلها السارد الأسير مع حبيبته التي خطبها قبل اعتقاله كانت مغفلة من ذكر اسمه واسمها، وهذا أمر كان يمكن تلافيه بكل بساطة ويسر.
2 – تحتفي الرواية على امتداد صفحاتها بصمود الأسرى وبتكافلهم وتنظيم حياتهم في السجن على النحو الذي يجعلهم أقدر على تحدي السجانين.
وتبرز مدى انضباطهم ووعيهم على رغبة المحتلين في كسر إرادتهم وفرض الخنوع عليهم، فلا يخضعون لهم وإنما يمارسون التحدي ضد هذه الرغبة غير المشروعة، ما يدفعهم إلى الإضراب عن الطعام، الذي يتم تنفيذه بأسلوب ديمقراطي حيث يشارك الأسرى وممثلوهم في مناقشة الموضوع باستفاضة قبل اتخاذ القرار.
ولا يكتفي الكاتب بالتطرق إلى هذا الموضوع فقط، وإنما يتحدث عن تنظيم الحياة الثقافية داخل السجن، وكيفية تثقيف الأسرى عبر المحاضرات والجلسات الثقافية، ويتحدث كذلك عن استثمار كل لحظة فرح للاستفادة منها؛ كالزيارات التي يقوم بها الأهل أو قدوم أسير جديد لديه معلومات عن الخارج، ما يسهم في تحريك ركود الحياة داخل السجن.
ويتحدث باستفاضة عن حلول شهر رمضان، وعن الأثر الطيب الذي يتركه هذا الشهر ويتركه عيد الفطر على أنفس الأسرى وعلى مشاعرهم؛ حيث المودة والتراحم وقهر الروتين وممارسة الذكريات التي لا يمكن القبض عليها أو اعتقالها، ويصف تصرفات الأسرى التضامنية حين يبتلى أحد زملائهم بفقد أب أو أمّ أو أي عزيز لديه في الخارج، وذلك بتعزية الزميل المعني وبأخذ مشاعره في الحسبان، فلا يمارسون أي فرح أو مشاهدة برامج فكاهية على شاشة التلفاز احترامًا لمشاعره وتقديرًا لحزنه.
3 – في هذه الرواية وصف لكل ما من شأنه أن يوسع في مجال التأمل واستثمار التفاصيل التي تسهم في الرد على ضيق الحيز وما يعنيه هذا الضيق من حرمان، ومن أمثلة ذلك حوارات السارد مع صديقه الأسير القديم صاحب الخبرة في شؤون الحياة وفي أوضاع الأسرى داخل السجون، وكذلك الرسائل المتبادلة المكتوبة بلغة شاعرية بين السارد وحبيبته الطالبة الجامعية التي أصرت على استمرار خطوبته لها، وانتظاره بعد صدور حكم المؤبد عليه.
يصف الكاتب الأسير في الوقت ذاته علاوة على وصفه للتعذيب في فترة التحقيق، بعض الإجراءات الانتقامية التي تلجأ إليها إدارة السجن ضد الأسرى المناضلين، وذلك بأن تحشر الأسير في غرفة مع عدد من السجناء اليهود الجنائيين، فيقوموا بالاعتداء عليه والتنكيل به.
يصف أيضا كيف تصدى الأسرى لهذه الاعتداءات بمبادرة من الأسير فوزي النمر (الوحيد الذي ذكر اسمه في الرواية) حين اقترح على زملائه الأسرى بضرب السجناء اليهود في قاعة الطعام، وبالفعل نفذ الأسرى هذه المبادرة الشجاعة، ما أجبر إدارة السجن على فصل السجناء الجنائيين عن الأسرى الأمنيين.
4 – لي بعض ملاحظات على الرواية علاوة على عدم ذكر أسماء الشخوص، فثمة إفراط في السرد الشاعري الذي جعل إيقاع الرواية بطيئًا في بعض الأحيان، وثمة حديث مباشر عن تنظيم العلاقات داخل السجن، وعن تاريخ الحركة الأسيرة وإضراباتها عن الطعام، فقد جاء هذا الحديث الذي اتخذ شكل الحوار بين السارد وصديقه القديم مقحمًا على الرواية، فبرغم القيمة المعرفية لهذا الحديث وما اشتمل عليه من معلومات، فإن مكانه في كتاب توثيقي عن الحركة الأسيرة، وليس في رواية لها شروطها التي لا تحتمل أي زيادة أو أي نقصان في السرد الروائي المضبوط بدقة وإمعان.

وقالت نزهة أبو غوش:
في روايته ” 1578الأسير” أخذنا الكاتب الأسير الفلسطيني، هيثم جابر إِلى حياتين متباعدتين ومتناقضتين تماما: الحياة الأولى، هي حياة الذّكريات الجميلة وسط الأهل والأحباب. في حضن أمّ رؤوم تفعل المستحيل من أجل راحته. وذكريات الفتاة الّتي أحبّها وخطبها، وخطّطا أن يبنيا حياة سعيدة مشتركة. كتب لها القصائد والأشعار دون نهاية.
أمّا الحياة الثانية، فهي الحياة في السّجن خلف قضبان حديديّة قاسية، فهو يتلظّى تحت نار الاحتلال، داخل زنازين قذرة ضيّقة؛ يعاني ألم البرد وعذاب التّحقيق المرهق، لا يعرف ليله من نهاره.
كانت الذّاكرة هي العلاج النّفسي الّذي يزيح عنه الألم؛ ابتسامة المحبوبة وشعاع عينيها، وسحر كلماتها، كانت دافعا قويّا توصله بالحياة.
رغم مواجهة الأسير لكّافة أنواع العنف والظّلم إِثر الحكم من قبل محاكم عسكريّة لفّقت له تهما لم يسمع بها؛ رغم كلّ ذلك كان صامدا متحدّيا عنيدا لا يريد أن يظهر لهم ألمه. قال في ض31″ إِنّ قدميه سوف تنقطع من شدّة الألم، لكنّه صامت لا يتألّم ولا حتّى يتأوّه”.
لم نشعر من خلال قراءتنا للرواية حتّى نهايتها؛ أنّ الأسير كان نادما؛ بل كان مقتنعا بثورته ضدّ المحتلّ، حتّى وإِن عاد إِلى الحياة من جديد، فسوف يظلّ على موقفه نفسه. قال في ص27″ أنا هنا الأسير في قوقعة الزّمن الرّمادي البذيء…أنا هنا أفضّل أن أمارس قناعاتي؛ هلى أن أمارس قناعات الآخرين في الفضاء الرّحب”
يمكننا القول بأنّ الأسير لم يعانِ من الصّراعات على حياته ما بين الدّاخل والخارج؛ لأنه مقتنع تماما بقضيّته، وغير مستعدّ لأيّة مساومة.
إِنّ الصّراع الحقيقيّ الّذي واجهه كأسير، هو صراعه مع الزّمن، ينتظر فرصة من هذا الزّمن تتيح له الانتصار على عدوّه. أمّا الصّراع الحقيقي الّذي كاد أن يهلكه، فهو ذلك الصّراع مع الحبّ الّذي يسكن سويداء قلبه، وعشقه الملازم له؟ هل يبعد عنه تلك المحبوبة الّتي عشقها؟ بعد الحكم عليه بالمؤبّد وأكثر، هل يمنحها حريّتها؟ وإِن فعل فسوف يقضي على كلّ نسمة أمل يتعلّق بها في الحياة. وهل يبقيها ملتصقة على جدران قلبه؛ حتّى وإِن عاشت محكومة مؤبّدة مثله؟ كم هو مرير هذا الصّراع! خاصّة وأنّ المحبوبة تصرّ أن تكون ثائرة مثله، فليس وحده من يضحّي؛ من أجل حريّة هذا الوطن. “لكنها ليست تجابه طرفا واحد في هذه المعركة، ولا تحارب على جبهة واحده، هي تجابه عشرات الأطراف، وتحارب على عدة جبهات…إذن إنها معركتها الفاصلة فيها يكون أكثر من طرف من الأهل من أخوال، وأعمام، وربما صديقات وجيران إضافه إلى مجتمع بأسره. ” ص 203.
ماذا أراد الكاتب هيثم الأسير أن يقول في روايته؟:
“أنا هنا لا أشرب إلا ماء قذرا وغيري يشرب المياه المعدنية، أنا هنا آكل طعاما لأبقى حيا؛ وغيري يأكل ما لذّ وطاب، أنا هنا في عتمة القهر وظلمة الحرمان وغيري يقضي إجازة الصيف في مانهاتن، والشتاء في قرطبة.”
هل أراد الأسير أن يلوم أو يعاتب؟ أم أن يقول: قدّروا ما يفعله المناضلون الّذين ضحّوا بكل غالٍ ونفيس؛ من أجل عزّة هذا الوطن. أراد أن يوصل لقرّائه بأنّه لا يريد ثمنا لتضحياته، إِلا أن يقدّروا قيمة هذا الأسير الّذي يقبع خلف القضبان الصّدئة. استطاع الكاتب هيثم جابر أن ينقل لنا حياة مميّزة من النّاحية الاجتماعيّة. رغم كل المعيقات ورغم كلّ الألم، ورغم محاولة قتل الأمل؛ وقف الأسير مع أخيه الأسير، يواسيه، ويسايره، ويساعده. الأسرى على اختلاف طوائفهم وانتماءاتهم يبكون معا، ويضحكون معا، يأكلون معا ويصنعون مأكولات فلسطينيّة من بواقي ما يوفّرونه ممّا يجودون به عليهم من الأطعمة الرّديئة. يصنعون الأعياد في اللامكان واللازمان. يرسمون الفرحة والابتسامة، على جدران قلوبهم، رغم كلّ المعاناة.
تعمّدت لغة الكاتب أن تكون بلاغيّة فضفاضة؛ وكأنّ الكاتب الأسير هيثم أراد أن يفرّغ كلّ ما في داخله من كلمات، حتّى أنّ كل مفردات اللغة لا تكفيه، ولا تشفي غليله؛ كي يعبّر عن وضعه المأساوي كأسير، وعن وضع هذه الأمّة المنتهكة في هذا الوطن. كما أنّ كلمات العالم كلّه لا تكفي ليعبّر فيها عن حبه وعشقه وبعده عن محبوبته وحرمانه؛ فجاءت العبارات طويلة، والوصف ممتدّ له عدّة أذرع فيه المبالغة والإِطالة والتّكرار؛ أمّ الرّسائل من كلا الطّرفين فكانت مفعمة بالرومانسيّة المحبّبة، والغزل العذري الجميل.
” هي امرأة الكلمات الغابرة بين أجنحة البنفسج والزعفران …هي امرأة الليل المسافرة في مرافئ الشتاء البعيدة …هي قداسة الأقحوان في عبق المساجد والكنائس، هي أنشودة المساء في طلتها الساحرة..هي رائحة البخور الشرقي في متعة جسد القصيدة..، هي طعم اللذة والشهوة في دوحة القداسة والسمو الروحاني…هي المسافات التي تسافر في جدائلها مدائن العطور… هي صاحبة السمو الأبدي في مروج الزنبق والإعصار… هي صاحبة القرار السيادي حين ينام تحت قدميها البركان، هي جرحه الساكن في شرايين العذاب الرمادي …هي التي كان يسبح في عينيها الملاك ” ص34.
أمّا العاطفة، فكانت رهيفة حسّاسة صادقة المشاعر؛ ومن أصدق منه وهو يعيش التّجربة الحقيقيّة على جمر من النّار الّتي لا تنطفئ!
أمّا الخيال، فلا أعتقد أنّه أقوى من الواقع الّذي يعيشه الأسير؛ فنجد أنّ الرواية قد امتلأت بأحداث يعجز عنها الخيال.
استخدم الكاتب تقنيّة أسلوب الرّسائل ما بينه وبين المحبوبة؛ فكانت طويلة ممتدّة؛ كأنّه لم يقتنع بعد بنهاية ما، فطاله الصّراع، حتّى في الرّسائل.
“فهل حبنا سيتحمل عوامل التعرية وسنوات الصقيع القادمة؟ هل سيتحمل ذوبان جليد الصخور؟ وهل ستنجو ضفائرك السمراء من غزوات القراصنة، في غياب أمراء المحنة؟ مولاتي….صاحبة الجلالة والسمو…..
فكري جيدا في كلماتي ، ولك أن تقرري”ص219.
أرى بأنّ الكاتب قد أكثر من الرّسائل؛ وكأنّه وجد الفرصة الملائمة للتعويض عن حالته النّفسيّة المكبوتة، والمعاملة الغير إِنسانيّة، ويكفيه أنّه رقم ” 1578″ وأنّه رهن للمجهول.
من خلال الرّواية تعرّفنا على عالم السّجن الرّهيب؛ والمصطلحات الغريبة الّتي دخلت عالمنا نحو: الزندة، والقمعة، والأمتناة، والشاويش، والبرش، والكنتينة، والفورة، والبوسطة…وغيرها.

وكتبت رانية حاتم:
تأخذنا الرواية إلى الحب والحرب، إلى الصبر والثبات، وكيف تكون الحياة موتا أحيانا! وكيف يكون الموت حياة! كيف خلف تلك الأسوار يتوقف الزمان والمكان.
يصف الكاتب إحساسه بشاعرية تحمل القاريء لذات الإحساس.
كيف تتوقف الأرض عن الدوران وتفقد الأشياء قيمتها؟ وكيف يكون داء العشق دواء، وسببا من اسباب مواجهة العذابات.
وهنا وقف أمام سؤال زرع الغصة في قلب القارئ،
ألحق للثائر أن يحب ويحلم بالحياة. وكم كان مفعما بالصدق حين قال:
وحدهم الثائرون من يتقنون الحبّ تحت أجنحة القصيدة
في هذا الكتاب وجدت حياة أخرى تشكلت
ودولة قامت داخل التكبيل
تتحدى تنظم تبلور ثقافة الأسير
ومن جهة أخرى
قلب مشتاق وعذاب
وقسوة مجتمع يريد تفريقهما كالاحتلال بحجة أنه ثائر وأسير
ذكرني بجبران خليل جبران ومي زيادة
كيف أن نهج العشاق يتقوقع بحروف المنفى والغربة والسجون.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:
رواية الأسير رقم 1578،هي رواية ما بين الحب والأسر وأشياء أُخرى، في هذه الرّواية يتطرق الأديب الأسير هيثم جابر من خلال حكاية الأسير رقم 1578 إلى حال السّجن، ظروفه القاسية، شكل التحقيق مع الأسير، وما معنى الموت وفقد الأحبة، أن يتلقى الأسير خبر وفاة أحد أفراد عائلته خاصة أحد الوالدين؟ تطرق إلى غياب الخصوصية في السّجن،أسهب في الحديث عن الأحزاب كثيرا، وحملنا قلمه إلى طقوس المناسبات الحزينة وشكل العزاء في السّجن الذي يسوده الاحترام، في التعاطف مع الأسير ومواساته وعدم مشاهدة أو الاستماع لمشاهد مفرحة، وأيضا وهي كالبنادق يحاول الأسير أن يقاوم من خلال الاضراب عن الطعام، كي يحقق مطالب الأسير، وبيّن معنى الزمن والوقت في السّجن، فالعام في الأسر كما يقول ليس كالعام خارجه، تطرق إلى أهمية مساندة الشعب للأسير خاصة في الإضراب فلا للإضراب دون المساندة، وقد أدخلنا الأديب من خلال السّرد إلى التعرف على المصطلحات الخاصة بالسجن وقد عرّفها في نهاية الرواية،مثل الفورة،البرش،الزندا،الكنتينة وغيرها.
بيّن الأديب من خلال الرّاوي حالة الأسير النفسية التي لا تعرف الثبات،فهناك انفصام الحزن والفرح، كحالة الأسير رقم1578، إذ أنه يعاني من الصراع النفسي، صراعه بالنسبة لعلاقته مع حبيبته خطيبته التي أحبها وخطبها قبل دخوله السجن،كانت الأسئلة تتزاحم في رأسه، يريد لها الراحة مع شريك غيره رغم تعلقه بها،كيف لها أن تنتظر المجهول،أسير محكوم عليه بالمؤبد. وكان صراعه هو القلق على حبيبته من المجتمع الذي لن يقف ساكنا سيحاول التأثير عليها لتتركه رغما عنها. وكان صراعه وقلقه تجاه أمه الذي تركها وحيدة وحنينه إليها. يقول”أمي التي ليس لديها غيري ترى ماذا سيحلّ بها،وهل سيكتب أن ألتقي برأسي بين ذراعيها مدّة أخرى”. بيّن الأديب جابر مكانة المرأة الإيجابية في المجتمع وعلاقة الأسير بها، أم الأسير وخطيبته الحبيبة،حيث بين مدى عاطفة المرأة الصادقة ومساهمتها في رفع معنويات الأسير. يقول عن صمود ووفاء الحبيبة”حبيبي،السّجن أصغر من أن يفرق بيننا،أنا في انتظارك”. يقول الأسير عن أمه”هي التي من كفيها يقطر زيت زيتون ومطر” بيّن الأديب مدى أثر الحب والعشق على نفسية الأسير،بحيث تشعره بالرّاحة وتؤثر على أحلامه،يقول الأسير”ثمة نكهة مختلفة للحب والعشق في ظلمة الليل”، ويقول أيضا في إحدى رسائله”قمر يزور شباكي فوق أجنحة المكان” استخدم الأديب جابر في نهاية الرّواية تقنيات الرّسائل،رسائل متبادلة بين الأسير وخطيبته،رسائل بريد القمر،جميلة مفعمة بالمشاعر والشاعرية،فيها معاني الصمود والوفاء من جهة الحبيبة تجاه حبيبها رغم صعوبة موقفها كامرأة،إلا أنها أبت أن تتركه وحيدا لأنها أحبت بطلا. تبقى علاقة الأسير بحبيبته مفتوحة، والسؤال الذي يطرح ما مدى صمود تلك العلاقة وتأثير المجتمع،وهل الانتظار هو الصواب أم الفراق، أسئلة صعبة ما بين الحب والأسرّ.

وقالت فاطمة كيوان:
يهدي الكاتب روايته لأرواح الجرحى والشهداء وللأسرى ولكل امرأة فلسطينية تنتظر نصفها الآخر أن يعود ، والى روح المناضلة شيرين طيب الله ثراها.
محاور الرواية الرئيسية:
حياة الاسرى في المعتقلات بكل جوانبها، من معاناة وألام واحزان واوجاع.
-إضاءة على تاريخ ونضال الحركة الأسيرة في الوطن – مواقف أحداث.
– دور الأم والمرأة الفلسطينية عامة في النضال والدعم المعنوي للأسير.
– الايمان بعدالة القضية هو من يشحذ روح الانسان اسيرا كان أم حر في وطنه.
رواية الأسير هي رواية أولئك المنسيين المجهولين في فوضى المجتمع، أولئك الأسرى الذين يتعرضون للقهر كل يوم ويواجهون الصراعات وحدهم في زنانين السجن والمعتقلات وكأني بالراوي يقول لهم : أنا معكم .. أنا لسانكم ، أكتب لأسطر لكم هذه الحكايات الملآى بالوجع والأنين لحبيبين لم يذوقا طعم الفرح ولام حرمت من احتضان ابنها والفرح بتخرجه وعرسه كانتا هما السند والعزوة ومرسى الأمان للاسير واللواتي رغم كونهن، صاحبتا الجرح فهما اللواتي استطعن تضميد جراحه في المعتقل ليخلق منه رجل التحدي القادر على مواجهة القضاة غير عابئ ولا مكترث بقرارات المحكمة والتي من شأنها التأثير على حياته وحياة خطيبته مستقبلا.
بدأت الرواية بحكاية حبيبين التقيا في ساحة الجامعة صدفة حين تبعثرت أوراق التسجيل التابعة لها، وقام هو بمساعدتها بلمها وتطورت العلاقة؛ ليصبحا خطيبين يحلمان بالتخرج والزواج وانشاء عائلة خاصة انه وحيد أمّه اوهي ( الملاك) زهرة من الجنة نزلت على الأرض في صحبة الملائكة، الا ان هذه الأحلام تبخرت بعد أن هاجمه الجنود ليلا واعتقلوه بحجة أنه قائد كتيبة، وانتزعوه من أحضان أمّه لتبدأ رحلته الى المجهول .. فشعرة هي من تفصل الحرية عن السجن (ص 12)، فقلبت حياتهما رأسا على عقب ليصبح بعد ذلك في سجون المعتقل مجرد رقم دون اسم (1578 ) هذا هو اسمك (ص 19) . وتبدأ رحلة العذاب والتشريد والاذلال منذ البداية في طريقه الى المعتقل، ثم في حجرة التوقيف، ثم عملية التفتيش وما يتعرض له الأسير من اذلال باجباره على خلع ملابسه ووضع راسه داخل كيس نتن، ثم زجه في زنزانة تفوح منها رائحة الرطوبة والعفن والفرش والبطانيات النتنة. وكل ما الى ذالك من تحديات ومصاعب عليه مواجهتها في رحلة العذاب داخل غرف التحقيق وفي الطريق الى المحكمة حيث تصبح المسافة أضعاف ما هي وذلك بغية التكيف للوضع وللمكان.
تعاقبت الصفحات تحدثنا عن حياة الأسير في المعتقل بمرها ومآسيها وحسراتها ومعاناتهم حيث جلدتهم الأقدار ورمتهم بين ايدي من لا يرحمون ، الذين يعملون كل ما في وسعهم لجعل الحياة تختل ولكسر إرادة الأسير كما جاء في صفحة ( 112) لجعل الانسان مهزوما من الداخل وفارغا من الحياة ، حيث يتوقف الزمن في السجن ويتصارع الأضداد ( 120ص.
ثم يسهب الكاتب من خلال الحوار بين الأسير ورفيقه في الغرفة؛ ليشرح لنا حول حياة الاسرى والمصطلحات التي يرددوها من حيث التنظيمات السياسية التي يتبع لها الأسرى مثل ( الرفاق) ( الاخوة) ( المجاهدين ) كل حسب انتمائه وجلسات التعارف وتاريخ الحركة الاسيرة ليحدثنا عن
كيفية الحياة داخل السجن والمعتقل وبين السجناء من حيث التكافل الاجتماعي والإنساني في الفرح والترح، فيضحك الجميع بضحكة أحدهم ويتألم الجميع بتألم الاخر، وجاء بمثل عندما اكتشف أحد الأسرى نبأ وفاة والدته في الصحف فأقام الجميع مجلس عزاء وأخذوا بخاطره ( فالفقد يجعل الأشياء بلون واحد ) ( ص 232).
أمّا شهر رمضان وطقوسه واحتفالات الأسرى بقدوم العيد وترتيباته من ترتيب غرف وصناعة الكعك والتحضير لصلاة العيد فكان الأسرى ينظمون ذلك وبدقة ويتكيفون بأبسط الأمور لإسعاد أنفسهم والشعور بالفرحة لأنهم كانوا يؤمنون ان ( الفرحة جزء من المقاومة لأنها تغيظ السجان)، وليثبتوا لهم أنهم مهما فعلوا فلن يجردوا الأسير من أماله وأحلامه فالذكريات تعشش وتسكن القلب.
يسترسل الكاتب من خلال حوار الشخصيات؛ ليعرفنا عن الحركة الأسيرة بشكل عام والتنظيمات داخل المعتقل وعن الإضرابات وما يسبقها من ترتيبات داخل السجن وخارجه، حيث يعمم بمنشور وطني داخل الفصائل ويبلغوا بكل القرارات وعن ترتيبات الاضراب وتبعاته من عمليات استنفار للسجانين لقمع السجناء ومصادرة اغراضهم واهانتهم واستفزازهم بشتى الطرق لعزلهم عن العالم وعن كافة التحديات المترتبة ومنها كيفية قضاء الوقت وتمرير تلك الساعات الثقيلة فكل شيء له خصوصيته. ( 157)
سرد لنا الكاتب بدقة تواريخ الإضرابات ونضال الحركة الاسيرة منذ البداية 1970 اول اضراب وثاني اضراب 1976الذي استمر 65 يوم وحقق نتائج هامة حيث اصبح للاسير يوم خاص وهو يوم ( 17-نيسان) وجاء ذلك اثر استشهاد اسيرين الأول علي الجعبري من مخيم الدهيشة والثاني باسم حلاوة من غزة وبدم الشهداء حققوا النصر. (فالشهداء وحدهم يصنعون الحياة الكريمة لغيرهم ) ( 167ص) فأغلقت زنازين العزل الانفرادي .ونفذت مطالب الاسرى وبدأ الأسير يتحرر من ذل القيود والمعاملة السيئة.
أمّا عن دور المرأة في الرواية فقد مثلت الأمّ دور البطل هي وخطيبة ابنها، فكل شيء يهون في سبيل الوطن، فجل غايتهم هو عزة الوطن رغم عمق الجرح .
كغيرهن من النساء الفلسطينيات، سطّرن أروع آيات البطولة والصمود والتحدّي والنضال في مواجهة السجان المعتقل لابنها ، فكالنت له السند والعون وكانت له الأمّ والحبيبة والصديقة والملاذ، فهي تمده بالقوة المعنوية فلا تردد ولا تراجع ولا انحناء ، تؤمن ايمانا راسخا بعدالة قضيتها وان الله وحده القادر على تغيير مسرى الحياة والاقدار.
كانت الأمّ تتنقل من مكان لمكان حتى تحصل على تأشيرة الدخول الى السجن لزيارة ابنها ولتكحل عينيها برؤيته، فبمجرد انه حي حتى لو معتقل فالدنيا بخير، تحمل له المؤن والحاجيات وتمده بالحب والدعاء؛ ليستمد من عينيها قوة الاستمرار والتحدي ويزداد إيمانا بنزاهته وبعدالة قضيته. ليقف أمام القاضي وفي قاعة المحكمة ليدوس على كبريائهم ويهينهم ويشتمهم ويصفهم بالسارقين المحتلين المغتصبين، غير أبه لتبعات حديثه .. في المحكمة الأولى والثانية حتى يصيب القاضي الغضب ويحكم عليه بالسجن المؤبد وشهرين زيادة، وهذا الحكم الجائر يجعل النمسافة بينه وبين خطيبته وحبيبته تقاس بالسنوات والعمر بأكمله. ورغم ذلك تقول له (ولا يهمك: الوطن بستاهل التضحيات).
أمّا دور الفتاه العشيقة الحبيبة الخطيبة فكان دورا مثاليا كالعادة؛ ليمثل الفتاة الشريفه العفيفة الوفية الصامدة المخلصة لحبيبها وللأرضها ووطنها وقضيتها.
فهي اعترضت على زواجها من ابن عمها كونها لا تحبه، وبذلك فقد مثلت قوة التحدي للعادات والتقاليد، ومن ثم وقفت الى جانب حماتها، فكانت تأخذ بيدها وتساعدها وتؤنسها ورافقتها الى المحكمة مرتين .. وتجلت قمة صمودها حين سمعت قرار المحكمة ولم تأبه بل قالت له: أنا معك وفقط لك مهما طال الزمان وفي رسالتها الثانية كتبت له (287ص):
انا لا يهمني المؤبد
سأنتظرك الى اخر العمر
لن أحكم على نفسي بالاعدام
انتظر منك رسالة أكثر تفاؤلا وأكثر حبا
.فغايتها عزة الوطن والعيش بظل حبيبها بكرامة
تبادلت العديد من رسائل الحب والشجن معه وكانت الرسائل تأتي معبأة تارة بالوجع والحسرة، وتارة بالأمل وهو يصف تلك الغزالة والريم، ويتذكر المواقف والكلمات ويصف الجمال عبر لغة جميلة سلسة رقراقة مفعمة بالشجن والحب..منها تلك التي كتبها على جدران الغرفة بالسجن، ومنها تلك التي أرسلها مع والدته وكذلك الأمر بالنسبة لها.
هذه الرسائل والذكريات كانت تمده بالقوة وكانت سبب في عدم رضوخه وعدم تفريغه من محتواه النضالي و الجهادي، الذي أقلق السجان وعمل جاهدا لردعه وتفريغه منها.
انها رسائل الحب والغرام والشوق والانتظار تبادلا بها المشاعر والاحلام والالام معا على قارعة الورق ، انها المأساة التي جعلت منه شاعر يخط كل لواعج قلبه حبرا على ورق

والامل بالغد انه لا بد الفجر بازغ ولا بد للقيد ان ينكسر وان تتحقق العدالة وسيعود الحبيب الى الحبيب ويبني سوا البيت الجديد.. انه الامل بالمستقبل المزهر فهي سيدة الكلمات ومليكة القلب ..ولا تحيد عن قراراتها فقد قضي الامر ( 282ص) جاء في رسالتها:
قضي الامر الذي طال به انتظاري
اليوم وكل يوم .. اخترتك انت
وأعلنت علايك حبي واختياري
أنا حرة ما دمت أسكنك ، ولا أريد الخروج من داخلك ، أريد أن أكون أسيرة معك وبك ، ولا أريد ان اتحرر منك ، لأن حريتي لا تكون الا بك
اتضح الامر يا سيدي ام تريد توضيحا أكثر.
تؤكد لنا على ان الكرامة فوق كل اعتبار فكرامتها من كرامته وحريتها فقط مرهونة بحريته.. انها مثال للصمود والتحدي والنضال الذي سطرته اخواتنا وبناتنا الفلسطينيات في مجابهة السجانين والمعتقلات والوقوف الى جانب من يحبون على امل العودة والتحرر.
وكانت النهاية المفرحة المبشرة بالفرج اثر نشر خبر عاجل مفاده ان المقاومة اسرت ثلاثة جنود صهاينة .. وهذا مبشر لعقد اتفاقية تبادا لعل وعسى يكون احد اللاسرى الذين سيتم الافراج عنهم ويتحقق الحلم ويعجل الله بلقاء قريب.
لغة الكتاب: جاءت لغة الكتاب فصحى مفهومة جميلة ودخلت بها العديد من التعابير والمصطلحات التي تستعمل بين السجاناء وغير متداوله في المجتمع بشكل عادي مما اضطر الكاتب الى التوضيح في نهاية الكتاب، وفي المجمل هي لغة شاعرية جميلة تعج بالشجن والحب والمشاعر الفياضة والوصف لاختلاجات النفس وللمكان وللحبيبة تأخذنا معها لنشعر بتلك الاحداث وكأننا نشاهد ونلتمس الحدث عن قرب.

ومن لبنان كتب عفيف قاووق:

رواية الأسير 1578 للكاتب هيثم جابر، تنتمي دون شك إلى ما يُعرَف بأدب السّجون سيّما وانه كُتِبَت وهو بين جدران السّجن الذي يقبعُ فيه أسيراً ولا يزال، هذا النوع من الأدب ينقلُ لنا صورة حيّة وواقعية عن معاناة الأسرى داخل معتقلات الإحتلال، وهو يُعَبِّر أيضاً عن المخزون الثقافيّ والفكريّ للأسرى الكُتاب، وإيمانهم بقضيتهم المُحِقّة وضرورة إستمرار النضال في سبيلها بمُختلف الوسائل بحيثُ تُصبح كتاباتهم ونتاجهم الأدبي من أوجه المقاومة المستمرة والمطلوبة.
لا شك إن ما يهدف إليه الإحتلال من سياسة الاعتقال هو تحطيم معنويات الأسيرمن خلال ما يتعرض له من مختلف أنواع القهر والتعذيب الجسدي والنفسي، لكن الإرادة الصلبة والتصميم على مواجهة تلك الممارسات التعسفيّة، تقف سداً منيعاً تحول دون ذلك وتجعل الأسير وخاصة الأسيرالمُثقف يتجه للتعبيرعن أفكاره ويسعى لإخراجها إلى النور ليطّلع الجميع على أحقية القضية وفضح تعسف الإحتلال وهمجية أساليبه المعتمدة في تعامله مع الأسرى.
بالعودة إلى رواية الأسير 1578 فقد كُتِبَت بلغةٍ بسيطة وواضحة، وبروح إيجابية عالية بحيث لا تجد فيها أي نوع من أشكال الإنكساراوالإحباط رغم قساوة الإقامة في المعتقل، فجاءت مُفعَمة بالأمل والمشاعر الإنسانيّة الراقيّة وتحديداً من خلال الرسائل المتبادلة بين الأسير وخطيبته، كذلك من خلال سرده لتفاصيل محاكمته وإصراره على ان يتولى مهمة المرافعة بنفسه أمام القاضي دون اللجوء الى المحامي، يقول للقاضي ” ليس لي محام .. ولا أريد أن أوكل أي محامٍ، أنا لا اعترف بشرعية هذه المسرحية التي تسمونها محكمة، ..لا حق لكم في محاكمتي، أنتم من شَرّد شعباً بأكملهِ. أنتم القتلة الذين تلطَّخت أيديكم بدماء أطفالنا ونسائنا(245).
.. أحاطت رواية الأسير 1578 بكافة جوانب وتفاصيل حياة الأسير داخل السّجون من لحظة الإعتقال ووضعه في الجيب معصوب العينين لحين وقوفه أمام المحقق الذي يُبلغهُ انه منذ الآن لا أسماء هنا فقط أرقام والرقم الذي سيعرف به هوالرقم 1578، إلى الوقوف مجرداً من ملابسه أمام المحقق، والزنزانة التي سَيُرمى بداخلها وهي عبارة عن غرفةٍ صغيرة تكاد لا تتسع لشَخصَين، ومن ثمّ المثول امام القاضي في محكمة صوَريّة وغيرها من تفاصيل الأمور.
ينقلنا هيثم جابر إلى داخل المعتقل ليصف لنا شعور الأسير في اللحظات الأولى لإعتقاله بالقول” إنه الإعتقال، إنه السّجن هناك حيث يُقهرُ الرِّجال، وتفترِسُ القُضبَان أنفاسَ الصُدورِ والأعمار (ص13) وهنا أنت مسلوبُ الإرادة، هنا أنتَ في عالمِ ما قبلَ الموتِ الأوّل وما قبل الشّتات الأخير (ص20).
رغم كل أساليب القسوة والعنف التي مورست عليه لم يستطع الإعتقال أن ينال من عزيمة الأسير وصلابته وإيمانه بقضيته لذا نجده يكتب على جدران السّجن ” أنا هنا أفضِّلُ أن أمارس قناعاتي في هذه المساحة الصَّغيرة ، على أن أمارس قناعات الآخرين في الفضاء الرَّحب، ولو أعيد الزَّمن إلى الوراء وخُيِّرتُ أن أختار لاخترتُ الطريق نفسَهُ..،أنا لم أتعب وإن أعياني التَّعبُ،أنا لا أريد ثمناً ولا أبحث عن ثمنٍ ،وجلُّ غايتي عزَّة الوطن”.(34).
تتطرق الرواية إلى أساليب التحقيق المتبعة مع الأسرى،حيث لائحة التُهم جاهزة مع إعتمادهم أسلوب الترهيب عن طريق تهديد الأسير بالبقاء طيلة حياته داخل السّجن، وترتفع نبرة التهديد بالتلويح أنهم سيأتون بوالدته وبخطيبته.لكن لسان حاله كان يقول في سرِّه “تستطيعون إعتقال أجسادنا، لكن قلوبنا وأفكارنا هيهات هيهات” 37.
كان لا بدّ للأسير من ان يتأقلم ويعتاد على نمط وطقوس الحياة الجديدة برفقة زملاء السجن وإخوة النضال المشترك. سرعان ما أندمج مع بقية الأسرى متخذاً من رفيقه الأسير الذي مضى على سجنه نحو عشرين عاماً الصديق والمُعلم الذي سيُعرِفهُ على كل قوانين السّجن وطرائق عيش السجناء وتعاونهم فيما بينهم.
يلاحظ القارىء لهذه الرواية أن الكاتب إستطاع تمرير بعض الرسائل والإشارات من خلال ما تطرقت إليه الرواية فقد عبَّر بوضوح عن التعاضد والتضامن بين جميع الأسرى على إختلاف مشاربهم السياسية وكأنهم أسرة واحدة لأن القضية الواحدة تجمعهم بمواجهة سجّان لا يميز بين أسير وآخر. ولأن صراعهم مع الإحتلال داخل السجون هو امتداد واستمرار للمعركة معه على إمتداد مساحة الوطن ، كان لا بد لهم من تنظيم صفوفهم عبر إستحداثهم عددا من اللجان إستفاض الكاتب في شرح مهامها، ونذكر منها على سبيل المثال الآتي:
اللجنة الثقافية…ويرأسها الموجه الثقافي العام، وهو من أعضاء اللجنة التنظيمية أو مجلس الشورى أو اللجنة المركزية حسب تسمية كل تنظيم لهذه اللجنة التنظيمية 76
-اللجنة الاداريه ويرأسها الموجه الإداري العام ووظيفة هذه اللجنة إدارة الحياة العامة للأسرى 78
-اللجنة الوطنية العامة أو النضالية وهذه لها قسمين:
1-القسم الداخلي: وظيفته التنسيق مع الفصائل الوطنية داخل القسم فقط، وحل الإشكاليات التي تحدث على مستوى القسم.
2- القسم الخارجي: وهو ما يسمى بالوطنية العامة، حيث وظيفة الأخ المسؤول الاتفاق على الخطوات المزمع اتخاذها ضد إدارة السجن، إن حاولت الانقضاض على حقوق الأسرى ،مثل إعادة وجبات الطعام أو الإضراب عن الطعام 79
-اللجة المالية، وظيفتها متابعة شؤون المواد الغذائية التي يشتريها الأسرى داخل السجن، إضافه إلى توفير الأموال من الخارج ، ومُتابعة إدخالها إلى السجن ليتمكن الجميع من شراء حاجياتهم الضرورية.80
وأخيرا “ممثل المعتقل”وهو مُتَحدث بإسم جميع الأسرى على اختلاف توجهاتهم السياسية وهو يُعيَّن من قبل اللجنة الوطنية العامة وعادة ما يكون من الفصيل الأكثر عددا في السجن 81 .
قدمت لنا الرواية صورة عن المحاكمات التي يدّعيها الإحتلال، وهي بالحقيقة محاكمات مُعدّة قرارتها سلفا، وكان الحكم على الأسير 1578 بالسِّجن المؤبد إضافة إلى عشرين عاماً بتُهمةِ القتل والتَّحريض والمسَاس بالأبرياء العُزَّل، إضافة إلى شهرين آخرين بتهمة إهانة المحكمة،” ص248. كذلك فقد تطرقت الرواية للحديث عن تاريخ الحركة الأسيرة وما حققته من مطالب نتيجة تكاتف الأسرى وتعاضدهم، وعن الإضرابات المتتالية عن الطعام التي تحقق على أثرها العديد من المطالب وتحسين الظروف المعيشيّة للأسرى، ومن بين التحركات التي قامت بها الحركة الأسيرة التحضير لخوض معركة” الأمعاء الخاوية”حيث تتمرد الأمعاء على الأكل وتكون الكرامة عنوان المعاناة 125. وفي شرحه لجدوى معركة الإمعاء الخاوية، يُعلق الأسير الذي مضى على سجنه نحو عشرين عاماً قائلاَ “إنهم يخشون جوعك…يخشون جسدك الهزيل…يخشون أن تموت حرا متمردا…هم لا يريدون لك أن تقرر متى تموت. وأنت اليوم تحاصرهم وتسجنهم داخل سجنهم…حالة الطوارئ في السجون لا تسمح لهم بمغادرة السجن هم اليوم أقزام أمام عنفوانك، يتوسَّلون إليك أن تواظب على الدَّواء، هؤلاء الذين بالأمس عذَّبوك تجبرهم اليوم ليحرسوك، ويتناوبون على حراستك، وتوفير الحماية المشدَّدة لك…هم يتوسلون أن ترحم ضعفهم أمام إرادتك.128.
وأنت تقرأ رواية الأسير1578 لا بد لك من التوقف عند المرأة وكيف قدمتها الرواية، هذه المرأة المُتمثلة بالأم الحبيبة الكبيرة والخطيبة الحبيبة الصغيرة كما يحلو للأسير وصفهما.
الحبيبة الكبيرة الأم التي إستشهد زوجها بعد أن أنجبت منه إبنها الوحيد ونذرت حياتها في سبيل إسعاده وادخال الفرح على قلبه، كانت مثالاً للمرأة الفلسطينية الصابرة والمُحتسِبة التي لم يتسلل الوهن والشك يوماً إلى قلبها بل كانت دائمة الفخر بإبنها المقاوم، تقول له لحظة إعتقاله ” لا تقلق يا بنيّ كُن قوياًّ والله يسهل أمرَك ويرضَى عليك”. كما انها بقيت مواظبة على زيارته في السّجن وحضور جلسات محاكمته ولم تقطع الأمل بقدوم ساعة الفرج.
أما خطيبته وهي حبيبته الصغيرة، يصفها بأنها تسكنه في كل لحظاته، تجري فيه مجرى الدَّم في العرُوق، وهي قمرُهُ المُنير..هي الروح، هي هوائه العليل وهي النفس 68 . هذه الحبيبة الصغيرة عاهدت حبيبها الأسيرعلى الوفاء، فهي لا تقلُ وطنيّة عنه، وعندما سألتها صديقتها إذا ما كانت ستستمر مع خطيبها حتّى لو تم الحكم عليه بالمؤبَّد؟ أجابتها “بكل صراحة وصدق عندما قاوم خطيبي المُحتّل لم يفعل ذلك لثأرٍ شخصيِّ معه، أو لأن فلسطين مسجَّله في الطَّابو على اسم عائلته ، أو لأن القدس من ممتلكاته الشخصية. هو حارب من أجلي ، ومن أجلكِ ، من أجل شعبنا بأسره، إذا كان هو ضحى بزهرة شبابه من أجلنا جميعا فمن العار أن أتخلى عنه، هو ليس وحده أنا أيضا يجب أن أضحِّي من أجله”.
نقطة ثانية أثارتها خطيبة الأسير وهي السُلطة الأبويّة التي غالباً ما تتحكم بمصائر الفتيات، مشيرةً إلى محاولة عمّها إقناع والدها بفسخ الخطبه بينها وبين خطيبها الذي لم يمضِ على غيابه سوى أشهر داخل الأسر. فتقول “أن مشكلة عمّي هي جُزءٌ من مُشكلةٍ تُواجه كلَّ فتاةٍ وفتى في مُجتَمعِنا العربيّ، حيث يُريد الأب أو العمُّ أو الخَالُ أو حَتَّى شيخ القبيلة أن يعيش حياته وحياة أبنائهِ ويختار لهم ما يُريدُهُ هو، كأنَّه ربُّهم الأعلى، وهكذا يصبح لدينا جيلٌ من الفاشلين، الذين لا رأيَ لهم في أيِّ شئ، فكيف سيكون عندنا علماء ومُنتجون نُفاخرُ بهمُ الأمَم، ونحن لا ندع لأبنائنا حريَّة الإختيار. وتُكمل لتقول ” لن أسمح لأحدٍ أن يعيشَ نيابةً عنِّي ، فإذا كان من أحببته قاوم مُحتلَّ الأرضِ والوطنِ، أنا سأقاوم مُحتلَّ العقولِ والنفوس، فلن يتحرَّر الوطن إذا بقيت نفوسنا وعقولنا أسيرةً.88 .
إمتازت الرواية بفيض من المشاعر الإنسانية والعاطفية والوجدانية تجلَّت في الرسائل المتبادلة بين الاسير وخطيبته،وأيضا في التساؤلات التي طرحها الأسير على نفسه، فأكدت أن الأسير رغم قساوة الظروف والخطر الذي يلاحقه يستطيع أن يكون عاشقاُ ومحباً، وعندما سأل الأسير نفسهُ:”أيحق لمن مثله وفي مكانه أن يُحبَّ؟ أيحق لمن مثله في الأسر أن يحتضن حبيبه في لحظة حلم عابره ؟! أجابه صدى هواجسه وتفكيره بما معناه: “وحدهم الثائرون يا سيدي من يمتلكون القلوب المرهفة…وحدهم الثائرون يا سيدي من يتقنون فن العشق، ماذا ينقصك؟أينقصُك قلبٌ؟ وأنتَ ذو قلبٍ كبير..أينقصُكَ الكلِمات؟ وأنتَ اللغةُ …أم ينقصُكَ القوافي وأنت من ينسجُ القصائد والنَّشيد والغضب. لا أحد أحقَّ منكَ بالعشق إلا أنتَ. أنت الذي عشقت تراب ذلك الوطن…وبذلت ربيع العمر خلف قضبان المحن…ألا تعلم أن المرادف لكلمة ثائر هي كلمة عاشق…فكيف للثائر أن يحتضن بندقية دون أن يكون عاشقاً للقضية 69 و 70..
وكذلك الحال مع خطيبته التي عبرت عن مكنونات قلبها في إحدى رسائلها عندما كتبت له:”غيَّبوك عنِّي قسراً…من عيوني انتزعوك صادروا أحلامنا وبالأنين كبَّلوك…صادروا منِّي الكلام حين غادرني القمر… إن غيَّبوك في مقابر السُّجون…لن يستطيعوا محوَ الكحْلِ من سود العيون…لن يستطيعوا وضع الحواجز العسكريَّة أمام الكلمات العابرة…قلبان نحنُ في نفسٍ واحدٍ…قافيتان في قصيدةٍ واحدةٍ 93.
بعد صدور الحكم على الأسير 1578 بالسجن المؤبد إنتابه ما يُشبِه الصِراع الداخلي حول مستقبل علاقته بخطيبته فكتب لها في أحدى رسائله تاركا لها حُريّة القرار والإختيار، “ربَّما حان الوقت كي تتحرَّري من فضاءاتي المُتعبَة ولكِ الخيار أن تحطَّ أشرعَتُكِ في أيِّ مرفأ تختارين، فكِّري جيداً في كلماتي وحَكِّمي منطق الأشياء وسأمتثلُ لحكم عدالة عينيكِ وسأحترم أيَّ قرارٍ تتَّخذينهُ. ليكون جوابها، ” ليس من حقك أن تقرر وحدك نحن شركاء في هذه المعركة، أنا لا يهمني المؤبد سأنتظرُك إلى آخر العمر ولن أحكُمَ على نفسي بالإعدام”. لقد آمنت خطيبته بأن الفرج القريب وان الإحتلال إلى زوال وتعزز إيمانها هذا عندما سمعت خطيبها يواجه المحكمة بالقول عندما أصدرت بحقه حكما مؤبداً ” إن عمر دولتكم اللقيطة أقل بكثير من مدة حكمي ويوما ما سوف أخرج من السجن رغم أنوفكم وأضاف …دولتكم ساعه ودولتنا إلى قيام الساعه248.
ختاماً نقول إن حال العشق هذه التي ميزت علاقة الأسير بخطيبته ربما هي التي أوحت للكاتب أن يجعل نهاية الرواية من النهايات المفتوحة ويتركها بعهدة القارىء بعد ان ألمحَ إلى إمكانية الوصول للخاتمة المقبولة من خلال إشارته الى عملية الأسر لثلاثة جنودٍ صهاينةٍ قامت بها المقاومة في لبنان وهذا ما يجعل القارىء يتجه بتفكيره إلى عملية تبادل محتملة للأسرى قد يكون الأسير 1578 من ضمن لائحة التبادل المرجوة.وأختم مقتبسا بقول الأسير عندما واجه المحكمة بالقول بعد أصدارها بحقه الحكم بالمؤبد ” إن عمر دولتكم اللقيطة أقل بكثير من مدة حكمي ويوما ما سوف أخرج من السجن رغم أنوفكم وأضاف …دولتكم ساعه ودولتنا إلى قيام الساعه248.
وقالت نزهة الرملاوي:
قبس من النور في آخر محطات الانتظار، فكانت الوجه المشرق على مشارف الحرية، وراحت رسائله تشيّد لها قصورا جميلة من الأحلام، وبروجا قوية من القصائد.
عيناك من قمر وشمس،
يثور الكحل فيها
فتشعل النفس. ص “24”
من المفارقات اللافتة في الرواية، أنها تبرز الوجه غير الإنساني للمحتل في المقابل تبين الجانب الإنساني والعاطفي للأسير الفلسطيني، الذي يؤكد في كتاباته أنه يعيش الحياة الإنسانية بكل تفاصيلها وإن كانت داخل المعتقل والزنازن الانفرادية، فيغدو الأسير أكثر إبداعا وثقافة وقوة.
والمفارقة الأخرى أنه بالرغم من فقد الأسير لأحبتة وأهله ومدينته وبيته، إلا أنه يعلمهم الأمل والصبر على وجع الغياب. وبالرغم من الذل والقهر في غرفة الاستجواب، إلا أنه تنكر لأسئلة المحقق وتذكر الحبيبة، في لحظات الضغط يعيش تفاصيل العشق، فيكتب لها ما يعجز عن كتابته الطلقاء، لذا نجد أن الرسائل المتبادلة بينه وبين الحبيبة، كانت الخيوط المحركة للمشاعر الجياشة، الباعثة للإلهام والأحلام عبر أحداث الرواية وتسلسلها.
يتذكر الكاتب صبر محبوبته على بعده، والعهد الذي قطعته على نفسها بأن تنتظره طوال سنوات العذاب، ويصف لحظات الضعف التي تمر بها الحبيبة، كسحابة صيف عابرة لن تدوم، ويضيف أن الشوق والحنين أحيانا يضعفنا، لكن وحدهم الأقوياء من يجتازون الصعاب، ويواجهون المحنه بالإيمان، لا يسمحون للضعف أن يتمكن منهم.
لله درّك أيها الحرّ، نبدو نقطة ماء أمام بحر عزيمتك وإصرارك، حرفا متأملا أمام رسائلك المتوّجة بالتحدي والأمل.. طوبى للمبدعين الذين يصنعون من حياة القهر حياة ابتهاج، رغم قسوة التيار وانجراف العدالة.
وفي نهاية الندوة قرأت الشّاعرة رانية حاتم رسالة الكاتب الأسير هيثم جابر، والتي تضمنت الشّكر الجزيل للندوة والقائمين عليها، ووصفهم بحراس الأدب والثّقافة في بيت المقدس، وحماة الكلمة، وجهابذة الشّعر والأدب. وأرسل التحيّة لكل الأدباء والمثقفين الذين قاوموا بالقلم، ووضعوا بصماتهم المضيئة على جدار الرّوح للكلمات الشّجاعة، والقصيدة الرقيقة، والقصة المجيدة والرواية الحيّة التي لا تموت.
أنتم حصن هذا الشعب وأعمدته الفكرية التوعويّة .. دمتم ودام إبداعكم المتجدّد وعطائكم اللامحدود.. وأستودعكم بعطر الشّعر والأدب وعبق الكلمات التي تليق بكم.
ووقع رسالته ب: أخوكم المدفون أعلاه/ الأسير هيثم جابر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى