في ذكرى الأورفليسي 

حمود ولد سليمان  | “غيم الصحراء” 
1/
كبحيرة صافية في يوم غائم 
كطائر اخضر  هبط للتو من الفردوس 
كموسيقي رقيقة.تتردد في الأثير 
  تسترسل في الأبدية 
كنهر  لاتنضب  مياهه عن الخرير 
كسرب من اليمام يرفرف في آخر المساء 
كالشمس   في يوم شتوي 
كوادي يعبق  بشذي الزهور 
لا تضاهي لغته لغة في الجمال  
أبجديته مسكونة بالسحر    
لانثر يشبه نثره 
ولاشعر يشبه شعره 
ولاشعر يشبه نثره 
ولا نثر يشبه شعره 
ولا رسم يشبه رسمه  
الموسيقي تأخذه إلي آخر الغواية
والإيقاع يأخذه إلي آخر الدنيا  
عندما يكتب  تتري الرؤي و تتدفق آيات السحر ذاك هو  جبران خليل جبران  الأورفليسي 
2/
كلما قرأت جبران تذكرت مدينة الحجر ورأيت نفسي علي قمة الجبل، أتملى عرائس المروج وأسرح في خيالات التائه. واصغي لمواعظ مصطفي أورفليس وتعود بي الذكري لسني الأولي للزمن اليكسومي. لريعان الشباب يوم عرفت جبران خليل جبران في دمعة وابتسامة بدأت أبحث عن جبران وأتعلق به.. كتب جبران بأغلفتها الفنية  الجميلة والمزينة بصورة جبران ولوحاته كانت غالية علي قلبي كلما وقع في يدي كتاب لجبران أشعر بالغبطة والسرور اختلي به  وأبدأ في قراءته فتأخذني رسوماته وكلمات صاحبه الخيالي العبقري البارع في  التصوير  والخيال ..جبران كان ملهمي الأول وقدوتي  الذي حرك دواخلي وجعلني أحلم أن أصير كاتبا كانت نصوصه تبعث في نفسي الامل وتمنحني القوة وتحثني علي التدريب علي الكتابة وتبعث في نوعا  من التأمل الخيالي وتتركني أجتر أرواحها وكلماتها  وأدخل في استيهاماتها .
جبران فيه شيء من الطفولة لاينسي مثل الصحراء والبئر والنخلة في قريتي والأرجوحة التي كنت العب عليها فيخيل لي أنني علي بساط الريح أحلق في الأعالي .
 جبران الحالم الخيالي يوم عرفته كان ملاذي من قسوة العالم كانت سحابة الحزن في حرفه تروي ظمأي وكنت أجد فيه السند وأمجد فيه الروح المفعم بالكينونة التائق الي الحرية  إلى الأثير الذي يطيب له أن يصف به الخالدين وهو تعبير شاعري رقيق إذ .”في كل خفق للأثير أغاني” كما يقول أحمد زكي أبو شادي: جبران في قصيدة المواكب: والموت في الأرض لابن الأرض خاتمة وللأثيري فهو البدء والظفر .
جبران الحالم الرؤيوي لامكان له ولازمان ولاوطن ولا لغة سوي الخيال إنه متحرر من عقال المنازع، ويدعونا إلى ذالك .. إلي اليوم لايزال جبران بالنسبة لي الملهم والقدوة الذي علمني، ولاتزال ذكري جبران حية في وجداني.. يوم استعرت مجموعته الكاملة من أستاذ اللغة العربية، عكفت عليها وقرأتها في ثلاثة اأام بشغف كبير ووددت أن أمتلك تلك الكتب الثلاثة ذات الطبعة المجلدة الفاخرة من دار الجيل اللبناني 
جبران في الصبا  لايمل وله سحر شديد.. كان بالنسبة لي  صديقا ملهما نصوصه تحمل لي مفاتيح العالم الذي تصطخب امواجه امامي وحوالي .كانت تعزية وسلوي لقلبي.. جبران يحلم كثيرا ويعلل أعقد المعقدات بالحلم، والحلم طاقة جميلة تستطيع ان تصنع المعجزات وان لم تفعل ذالك تمنح المرء القوة  وتعلمه التجاوز والتخطي.. جبران خيالي  والخيال إذا ركنا إليه كثيرا قد نصاب بمفارقة الواقع .ولكن الخيال الجبراني ليس خيالا تافها إنه خيال خلاق  وطاقة  مثل الحلم .إنه وجود مستعار يوجد الوجود  ولا مناص منه لأنه شرط الوجود وهو مطية الشعراء والفلاسفة التي قال عنها محي الدين بن عربي ” حضرة الخيال  هي أجمل الحضرات ” إذ فيه الممكنات لاتتناهي وهذا ما لاحدود له .
جبران رؤيوي وهذه الصفة هي  ما تكسب نصوصه الديمومة انه في شطحاته يخترق الحجب ويحدق في الغيب .وينصت للمستقبل ويخاطب روحه.. جبران  شاعر يعرف قيمة اللغة وصيرورة المنطوق والعلاقة بين الحرف والرسم.. جبران ناثر كبير يعرف الروح والأشكال والكلمة عنده لها قدسية ومقاما عاليا .لذالك ينتقي الكلمات ويرسم لها معاني ويصففها .ويهبها شكلا جديدا وينفخ فيها روحا جديدة والشكل عنده لاينفصل  عن الجوهر 
الجبرانية روح فريدة 
ظاهرة استثنائية في الأدب العربي 
بالنسبة لي تمثل  : 
لحظة تشكل وعيي بالأدب 
 ومن خلالها عرفت ووجدت  
استيهاماتي الأدبية  الأولي    
وعشقي  الاول للغة العربية 
ومنازلي الاولي  في ظلال الرسم 
وعزاء الروح  وبيت  الخيال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى