سياسة

هَلْ وَعَيْنَا مَا حَدَثَ في سُورِيَا وَأَعْدَدْنَا عُدَدَنَا؟

د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام| الجزائر

        تسارعت الأحداث في منطقة الشّرق الأوسط منذ اليوم التّاريخي المفصلي (طوفان الأقصى المبارك)، هذه المنطقة الحسّاسة التي أراد لَـها أعداء البشريّة والسّلم والأمن والاستقرار وأصحاب المصالح الذّاتية وضعًا جديدا يتماشى مع غطرستهم واستبدادهم وجبروتهم، وطموحهم وطمعهم في الاستحواذ على كلّ شيء فيها؛ حجرا وشحرا وبشراودررا.. وغيرها. فأعدّوا لها مخطّطات ورصدوا لها محطّات، وأسّسوا لهامشروعات وجندّوا لها مجموعات، ودبّروا لها مؤامرات وعقدوا لها مؤتمرات.. تحرّكوا في السّر والعلن.. لكن بعد (طوفان الأقصى ) الذي كشف عوارهم، وأبرز شرورهم اكثر من قبل، وأظهر حقيقة القوّات التي كانوا يرهبون به أصحاب المنطقة، وأبان عن ضعفهم وعجزهم في صدّ أيّ عدوان يطال مُدُلِّلَتَهُمْ في السّاحة..

      بعد كلّ ذلك الإخفاق الـمُريع الـمُدهش الـمُحبط.. راهنوا على ضرب الـمجاورين لغزّة العزّة والكرامة والشّهامة والمروءة..فبدؤوا بلبنان الشّقيق فجرّوه إلى الميدان وفعلوا فعلتهم فيه؛ بدعم قُوَى الشّر العالميّة، وبالتّعاون مع العملاء والخونة، كما فعلوا مع القضيّة الفلسطينيّة، جرّبوا فقتلوا وخرّبوا ودمّروا، وعثوا فيه فسادا وأزهقوا الحياة فيها.. لكنّهم لم ينجحوا النّجاح الذي رسموه في مخطّطاتهم، فتذرّعوا بحيلة وقف القتال.. ليتفرّغوا لغزّة ويضيفوا معها سورية. بعد أن نجحت المعارضة في إجبار بشّار الأسد عل ترك السّلطة والهروب خارج البلد. هذه المؤامرات والمناورات والتّخطيطات طبخت في مخابر متخصّصة، وصيغت بمواصفات خاصّة منذ أمد بعيد..

       المهمّ حدث ما حدث في سورية صباح يوم الأحد 06  من جمادى الثّانيّة 1446ه/ 06  من ديسمبر 2024م. أنا لا أتناول الحدث، ولا أتطرّق إلى دوافعهوتفاصيله ونتائجه…فلست بـمؤرّخ ولا محلّل سياسي ولا  استراتيجي، ولا يحقّ لي أن أتحدّث في أمر يخصّ السّوريّين، فهم أدرى بشؤون وطنهم، الذي نرجو له الأمن والعافية والاستقرار والرّخاء، فهو جزء منّا بصفتنا مسلمين وعربًا، يصلنا ما ينالهم من خير، ويصيبنا ما يـمَسّهم من شرّ؛ لأنّ المؤامرات والمناورات وحمّى الاعتداءات تنال الجسم كلّه؛ جسم المسلمين والعرب أيـنما يوجدون، وحيث يتحرّكون؛ إيجابا وسلبا مع قضاياهم وشؤونهم، حتّى المتعاونين مع الأعداء والخونة لضرب مَنْ يزعمون أنّهم إخوانهم في النّسب والدّين والمصالح المشتركة، لا يسلمون من نيرانهم ولو بعد حين، إذا أُكِل الثّورُ الأبيض، نرجو أن لا يؤكلَ.. ما أقدّمه هو انطباعات وملاحظات..

       ما نريد الإشارة إليه والتّذكير به – والذّكرى تنفع المخلصين الواعين وأصحاب النّظر العميق والرّؤية الواضحة الفاحصىة– أن ندرس جيّدا ما بعد الحدث الذي وقع في سورية الشّقيقة، ونرقب ببصيرة تحرّكات الأعداء، ونتتبّع الوجهات التي يقصدونها، ونحلّل المخطّطات التي ينفّذونها أو يفكّرون في إنزالها في الميدان، ونفحص الأشخاص والهيئات  والمؤسّسات التي ينسّقون معها في المضيّ  قدما وسريعا في التّنسيق معها بعد انهيار سدّ كان أمامهم عائقا في القيام بالعمليّات التي أعدّوها ويعدّونها لتحقيق أهدافهم الخطيرة على المنطقة وعلى مستقبل المقاومة وعلى الاستقرار وعلى الوجود العربي والإسلامي في المنطقة وغيرها.

         نحن نطلب التّسلّح بالقوّات الضّرورية لإفشال كل تلك المخطّطات والمؤامرات وما ذلك على الله بعزيز، وما ذلك على المجاهدين المرابطين المخلصين ببعيد، إذا عرفنا كيف نعدّ هذه القوّات. ويكون التّسلّح بالعلم والوعي واليقظة والحذر، والحسّ القويّ الذي يكشف المؤامرات والدّسائس، ويحسن مراقبة كلّ من يتحرّك في المحيط، منها يعرف الأمين من الخائن، العامل المخلص من العميل المدسوس، وحسن تدبير شؤون الوطن بالكفاية والدّراية والرّعاية.. والانسجام والتّنسيق في أيّ تحرّك، من هذه القوّات الـمطلوبة وَحدة الصّف بالنّأي عن الخلافات والنّزعات الطّائفيّة والعرقيّة والسّياسية والأيديولوجيّة، والابتعاد عن المصالح الخاصة؛ لتكون مصلحة الوطن قبل مصلحة الفرد.

      إنّ سورية بلد له وزنه في معادلة المحافظة على السّلم والأمن والاستقرار، وفي جبهة الدّفاع عن السّيادة والكرامة، والوقوف أمام المؤامرات التي تحاك بغرض سلب حقّ بلدان الشّرق الأوسط بأراضيها، وصدّ كلّ الأطماع التي تسعى إلى الاستحواذ على المنطقة بأكملها، وبوادر هذه المؤامرة وهذا المخطّط ظاهرة للعيان، من خلال ما يحدث من سنوات عديدة، وبرز أكثر بعد الحدث المفصلي – إن شاء الله – (طوفان المفصلي). فما دام زعيمهم الذي علّمهم كيف يُنشَر الشّرُّ ويُنثَر الضّرُّ بعد سقوط نظام الأسد، صرّح قائلا: ” هذا يوم تاريخي “، فإنّ هذا يعني أنّ الأيّام القادمة تنذر بشرور عديدة، وما دام الزّعيم المتآمر الدّاعم لعمليّات الإبادة الجماعيّة في غزّة وفي المنطقة بأكملها، مادام قد صرّح أنّ بعد تولّيه الحكم على رأس أكبر دولة إرهابيّة في العالم سيكون في منطقة الشّرق الأوسط جحيم.. فماذا ننتظر إذا بَقِينا في حدود الانتشاء بالنّصر حتّى الثّمالة مع الحدث الأخير، ولا نتقدّم خطوات نحو التّصحيح والإصلاح والبناء؟ وكيف يكون حالنا إذا عشنا في فوضى وفي نزاعات وخلافات؟ وكيف نرجو خيرا إذا لم نخطّط للمستقبل بحزم وعزم وحسم؟

     نسأل الله أن يوفّق إخواننا في سورية إلى التّفكير السّليم في الحال التي هم فيها أو صاروا إليها، والتّدبير الصّحيح للـمآل الذي يريدونه هنيئا سعيدا، وأن لا يتركوا لأيّ مغرض ومشوّش ومتآمر فرصة للنّيل من البلاد والعباد، والخيرات والـمقدّرات والعلاقات.. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. نسأل الله الأمن والاستقرار والعافية والوَحدة والتّعاون بين الجميع، وردّ كيود الكائدين ودحر أعداء الدّين، إنّه خير معين، وربّ المستضعفين، وناصر المجاهدين الصّادقين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى