الانتخاب حق سياسي للشعب الفلسطيني!

المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين

بعد مخاض عسير وشائك ومحزن، بدت تلوح بوادر انفراج في الأفق الفلسطيني في موضوع الإنتخابات التشريعية والرئاسية. فقد أعلن مؤخرا رئيس مكتب حماس السيد اسماعيل هنية عن قبول حركته إجراء انتخابات تشريعية ثم رئاسية ثم لمجلس وطني بالتوالي. وعلى الفور بادر الرئيس محمود عباس بتوجيه رئيس لجنة الإنتخابات إلى أعداد ما يلزم لإجراء الإنتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة. وليس مهما الخوض في اسباب رفض الإنتخابات الفلسطينية وأسباب قبولها من جديد، فهذا أمر لا يقدم ولا يؤخر. المهم أن تجري الإنتخابات باسرع وقت ممكن دونما تأجيل، أو اختلاق أعذار جديدة لنفيها.
ابتداء، الحق في الإنتخاب والترشح للمواطن الفلسطيني حق سياسي أساسي، ينبثق السيادة الفلسطينية والتي تكرست في القانون الأساس ومواثيق حقوق الإنسان، وأنه حق من الحقوق والحريات العامة الأساسية للشعب الفلسطيني بجميع طوائفه وافراده بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو لغتهم أو ثرائهم أو لهجتهم أو مكان إقامتهم أو جنسهم أو اي اعتبار آخر.
وبالتالي فهو حق وليس منّة ولا صدقة من أحد ولا من أي فصيل ولا من أية حركة. ولقد حرم منه المواطن الفلسطيني تعسفا لسبب أو لآخر. وتعثر المواطن الفلسطيني في إنجاز هذا الحق الحيوي الأساسي السياسي طيلة عقد وأكثر، بل كثرت الإجتهادات بشأنه، وتباينت الآراء حوله بين مؤيد ورافض بحسب مقتضى الحال. وتعطلت الشرعية الفلسطينية ولجأت إلى بدائل أخرى علها تكون بديلا للإنتخابات الفلسطينية، ولكنها في النهاية عادت إلى الطريق السوي الصحيح لإظهار الشرعية بوجهها الناصع.
ويبدو أن مشكلة القدس في الإنتخابات الفلسطينية القادمة لم تكن حاضرة في الحديث الإنتخابي المجدد، لا من هذا الطرف ولا من ذاك. ويبدو أنها لم تعد كما كانت العقبة الكأداء التي تحول دون إجراء انتخابات فلسطينية عامة. فالموضوع لم يثر حساسية شديدة، رغم تعقيداته وأمكانية حله بوسائل إلكترونية كما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية، أو على سبيل التوافق ما بين الفضائل السياسية تعيين نواب للقدس ، أو اتباع الطريقة القديمة التي اتبعت في المجلسين التشريعيين السابقين مع حدوث تعديلات طفيفة عليها.
ولوحظ أن حركة حماس قبلت في رسالتها أن تجري الإنتخابات بالتوالي وليس بالتزامن، وهذا تطور هام. فتجري الإنتخابات التشريعية أولا، تتلوها انتخابات رئاسية ثانيا، تلحقها انتخابات مجلس وطني فلسطيني ثالثا. لكن الحقب الزمنية الفاصلة بين الإنتخابات باشكالها الثلاث غير واضحة المعالم إلا إذا كان هناك إتفاق سري بين المعنيين في الأمر. فليس هناك تواريخ محددة حاسمة أو حقب زمنية محددة لإجراء كل واحد من هذه الإنتخابات. وهذا أمر مفضل لأن عدم التحديد قد يخلق نوعا من البلبلة والشك فيما بعد. فماذا يضير اقتراح تحديد الصيف القادم أو الخريف القادم أو تحديد ما بين تاريخين موعدا لإجراء الإنتخابات.
أما المرحلة الثالثة ألا وهو موضوع انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني فهو كالسراب للظمآن، وفيه تجنٍ على الحقيقة. فرغم أهميته لفلسطينيي الشتات هذه الالية السياسية، إلا أنها تبدو عسيرة وصعبة التحقيق قبل الحل السياسي النهائي للقضية الفلسطينية وارتباطها بأنظمة سياسية أخرى وإرادتها السياسية، وبخاصة أنها تثير كثيرا من المشاعر والمصالح المختبئة في الموضوع الفلسطيني، والأفضل تجنبها وعدم إثارتها مؤقتا.
ويبدو أن الموضوع البلدي والحكم المحلي في الإنتخابات كان مغيبا أو مسقطا من الإتفاق، باعتبار أن الإدارة المحلية ليست موضوعا سياسيا، بل إداريا، يقع ضمن الإدارة العامة، أو لأنه جرى سابقا بشكل أو بآخر، رغم القصور الذي شابه. وبرأيي هذا الرأي خاطىء جملة وتفصيلا، فجميع الإنتخابات في الفكر الفلسطيني بكل أشكالها ومستوياتها سياسية من الدرجة الأولى وليست مهنية أو إدارية أو أي شكل آخر. فانتخابات مجلس طلبة في اية جامعة، أو انتخابات مجلس نقابة مهنية كالأطباء أو المحامين أو نقيبها، أو نقابة عمال، أو بلدية أية مدينة ورئيسها، أوحتى جمعية أو منظمة غير حكومية هي انتخابات سياسية وليست مهنية للأسف الشديد. لذا يجب أن تكمل الصورة الديموقراطية للإنتخابات السياسية، بانتخابات بلدية حرة نزيهة دورية غير مقيدة بنصاب مالي، وأن تشكل مصدرا وحيدا للشرعية دون سواها وأن يتوقف المحافظون عن ممارسة دورهم في منافسة رؤساء البلديات في أداء أعمالهم.
الإنتخابات البرلمانية والرئاسية تجديد للشرعية المنسوبة لأي كان او المحتكرة على أي كان فهي لفترة زمنية محددة ولا يحتج بعدها بشرعية اي كان. وفاقد الشيء لا يعطيه، فالمعين لا يملك منح الشرعية ليعطيها لغيره المنتخب ولا المنتخب يملك إعطاء شرعية لغير المنتخب. وليس هناك شرعية سوى شرعية الشعب والأمة، فلا شرعية ثورية، ولا شرعية انقلاب، ولا شرعية عائلة مالكة. فليس هناك في العصر الحديث من وسيلة لإسناد الشرعية سوى وسيلة ديموقراطية واحدة، وهي الإنتخاب. ذلك أن المعين يوالي بل يأتمر بمن عينه، أما المنتخب فيوالي من انتخبه ويأتمر بمن انتخبه حتى يعاد انتخابه في المستقبل. وكم من ناسب الشرعية له ولنفسه وحده سقط في أول انتخابات، ولنا في سقوط ونستون تشرشل في الإنتخابات البريطانية الأولى بعد الحرب العالمية الثانية خير دليل على ما نقول، وكذلك سقوط الجنرال شارل ديغول المدوي بعد مظاهرات الطلبة في عام 1968.
لم تعد الأسرة ولا العشيرة ولا القبيلة ولا رابط الدم ولا المال ولا الجنس ولا الدين ولا القوة العسكرية ولا الجيش ولا المكر والدهاء ولا نظرية الحق الإلهي المباشر أو غير المباشرسندا للشرعية الديموقراطية المعتبرة بل غدا الإنتخاب السياسي العام الدوري السري النزيه المباشر أساس الشرعية الديموقراطية. وغدا الفكر والعقيدة الآيدلوجية أساس ممارسة الحق في الإنتخاب. ونظرا لسمو الإنتخاب واعتباره سند الشرعية الديموقراطي الوحيد، قلدته وتبنته أنظمة بوليسية دكتاتورية أوليجارشية طمعا في إضفاء صبغة الشرعية عليها وعلى مجالسها.
الإنتخاب حق سياسي فردي بينما الحق في تقرير المصير حق جماعي، كلاهما يشكلان الشرعية بوجهيها لسيادة الشعب الفلسطيني. والعالم لا يحترم المعين بل يحترم المنتخب ولو خالفه الرأي فالإنتخابات أمر يتسق مع الديموقراطية وحقوق الإنسان. والأوضاع السياسية في المنطقة وخارجها بشكل عام مهيئة لإجراء انتخابات حرة نزيهة في فلسطين ولن يستطيع أحد منع الفلسطينيين من إجراء انتخاباتهم باية حجة أو ذريعة. فقد سبقتنا مصر والأردن والولايات المتحدة خلال وقت قريب، وها هي إسرائيل ذاهبة لانتخابات رابعة في أقل من سنتين.
الإنتخابات الفلسطينية لا تشكل بحد ذاتها الديموقراطية ولكنها طريق اساسي مؤدٍ للديموقراطية وإضفاء الطابع الديموقراطي على المجتمع ومشاركة الفرد في الحكم وحقه في تشكيل الأحزاب السياسية، والأهم ارتباطها بحقوق الأفراد المدنية كالحق في الحياة والرأي والتعبير والدين وعدم التمييز وإقامة مبدأ المساواة. فغياب الإنتخابات السياسية جعلنا كفلسطينيين نخوض في فساد وعنف وانعدام الرقابة وضياع الحقوقز كلنا امل أن تجري الإنتخابات الفلسطينية مجتنبين القول بعدم عبور الجسر قبل أن نبلغه!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى