سياسة

بؤس ديموقراطية المحتل الإسرائيلي!

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان
ما انفكت سلطات الإحتلال الإسرائيلي تردد اسطوانتها المشروخة على مر الزمان القاضية بأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وكيل المديح لها، مستندة إلى واقعة واحدة وهي اجراء انتخابات برلمانية وبلدية دورية لمواطنيها. والأنكى، أن السلطات الغربية أو ما يسمى بالعالم الليبرالي وأجهزة إعلامه جميعا، يردد هذه المقولة كالأصم الأبكم، بل يتبناها ويدافع عنها والإشادة بها. وما علم النظامان أن هذه المقولة المجردة تتجاهل حقيقة وصلب الديموقراطية القاضية عبر نفي الإستبداد والإحتلال لشعب آخر، وسن دستور، وضمان الحقوق والحريات الفردية والمساواة، وفصل مرن بين السلطات، كل ذلك عبر انتخابات حرة نزيهة محايدة سرية دورية. فاين النظام الإسرائيلي من النظام الديموقراطي الحقيقي؟!
يبدو أن النظام الغربي يتبنى المعيار الشكلي في دفاعه عن النظام السياسي الإسرائيلي ووصفه بالديموقراطي، إذ يكفيه مجرد إجراء انتخابات دورية، ليقرر ديموقراطية أي نظام، وبخاصة في ظل غياب انتخابات عربية دورية في كثير من دولها رغم وجودها في بعضها، وما عدا ذلك فليذهب للجحيم. ولو فكر النظام الغربي جوهريا وجديا للحظة وبشكل عادل، لجرد الكيان من ديموقراطيته المزعومة، ولوجدها في الجوهر والحقيقة دكتاتورية عسكرية احتلالية قائمة على الإستبداد وخرق جميع الحقوق والحريات الفردية بلا استثناء، والتي هي حجر الرحى لأية ديموقراطية في هذا العالم الرحب.
إجراء الإنتخابات الدورية هي عنصر واحد من عناصر كثيرة تشكل معا النظام الديموقراطي ولكنها ليست كل الديموقراطية. فالكيان يجتزىء الأمور ويأخذ بالقشور ويروجها، لينسب لنفسه صفة ليست فيه. فأية ديموقراطية في العالم يجب أن تحترم الشعب الأصلي لتلك البلاد، وتحافظ على حقوقه وتراثه فيها. ببساطة، هكذا تقرر أدبيات الديموقراطية في أبسط صورها، ولكنه التزوير والتزييف الغوبلزي للمفاهيم.
كل دول العالم بدون استثناء تحرص على سن دستور وضعي سامٍ أعلى من جميع القوانين، لينظم الحقوق والحريات الفردية ويشكل ضمانا لها في وجه عسف السلطة التنفيذية، ويبين العلاقة بين السلطات الثلاثة القضائية والتنفيذية والتشريعية ووظيفة كل واحدة منها، حتى لا تطغى واحدة على الأخرى، ويرسم حدود الدولة وسيادتها وعلمها. فاين نحن من هذه الوثيقة المكتوبة التي أجمعت عليها أمم الأرض كافة في الديموقراطية الإسرائيلية المزعومة. ولماذا اختفت هذه الوثيقة السامية من الديموقراطية الإسرائيلية المزعومة بقدرة قادر أم لأهداف تنفي الديموقراطية جملة وتفصيلا. ألم تختف من أجل إقامة نظام استبدادي دكتاوري، بشأن الفلسطينيين العرب الذين بقوا صامدين في مدنهم وقراهم وأحيائهم الفلسطينية. وهل اختفت من أجل سن قانون أملاك الغائبين ليصادر العقارات والأراضي والمحلات الفلسطينية، التي كانت تبلغ 94% من المساحة الفلسطينية قبل عام 1948، وإذ بها تبلغ في ظل انعدام وجود دستور إسرائيلي 6% من مجموع الأراضي. هل بقي الكيان بدون دستور من أجل نظام فصل عنصري يطبقه على الفلسطينيين وإقامة تمييز عنصري بحقهم كالصندوق القومي ( الكيرن كييمت )، وسن أنظمة الطوارىء، بما تضمنته من خروقات وفظائع لم تشهد الإنسانية لها مثيلا. وامتد هذا الفصل العنصري، وطبق على ضم مدينة القدس وسكانها ورفض إعطائهم حقوقهم كاملة وتطبيق القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان عليها. فهل بعد هذا، يتم التبجح بديموقراطية إسرائيل؟!
ولو تركنا موضوع الدستور جانبا، وانتقلنا لموضوع الحقوق الفردية للإنسان وعلى رأسها حقه في الحياة وسلامته الجسدية وحظر التعذيب، وحريته الدينية، وحقه في الملكية الفردية، وحريته في التنقل دخولا وخروجا وإقامة، وحقه في السكن والصحة والتعلم والتعليم والبيئة النظيفة، وحقه في تقرير المصير والسيطرة على ثرواته الطبيعية، لوجدنا عجبا بل لوجدنا سلبا ونهبا واستغلالا للحقوق المالية للشعب الفلسطيني وأفراده.
غير مفهوم تمسك الأنظمة الغربية بالديموقراطية الإسرائيلية والثناء عليها، في ظل التصفية الجسدية لكثير من الفلسطينيين دونما محاكمة عادلة. غير مفهوم تبريرهم للإستعمال الإسرائيلي للسلاح الحي والطلقات النارية في وجه المتظاهرين الفلسطينيين. غير مفهوم تبريرهم لاستعمال قوات الأمن الإسرائيلية الطلقات المطاطية والطلقات المعدنية اللاتي تخلق تشوهات جسدية، بحجة حماية الحق في الحياة للفلسطيني. غير مفهوم استعمال قنابل الغاز المميتة من إنتاجهم، في الأحياء السكنية التي يقطنها حديثو الولادة والعجائز والمرضى . غير مفهوم تصديرهم لآلات الهدم العملاقة مثل كاتر بيلر التي تهدم منازل الفلسطينيين سواء لسبب تنظيمي أو أمني. وبعد هذا وكله من فظائع، يتباهى ملوك الديموقراطية الغربية بالديموقراطية الإسرائيلية، ويستضيفون قيادتها ويبررون أعمالها في تناقض واضح بين الحق والحرية وبين الشكل.
لا افهم كيف يبرر رواد الحرية الغربية هدم المنازل الفلسطينية في ديموقراطية إسرائيلية بائسة، بل كيف يجيزون تسميتها ديموقراطية من أصلها. في كل الديموقراطيات الغربية يخرج المواطن ويعود ويقيم متى شاء وكيفما شاء، بينما الفلسطيني يفتقد الحرية في التنقل في دولة تدعي الديموقراطية. هذا الفلسطيني يفتقد الحق في السكن بل يفقد حقه في ملكية منزله وعقاره تحت ذرائع شتى. وهذا الفلسطيني يفتقد الحق في العيش في بيئة نظيفة وشوارع وخدمات تحتية وتنظيم حضري. وهو لا يملك الحق في التعلم وفق منهاجه ووفق أمانيه ودينه. وبعد ذلك لا أحد في الديموقراطيات الغربية، يفحص إن كانت تلك الإجراءات الإسرائيلية، تمس بحوهر اليموقراطية الحقيقية، وإن كانت تمس، فلم يتم السكوت عليها بل مدحها حين يجب محاكمتها.
ديموقراطية مزعومة تسرق المياه الفلسطينية والهواء الفلسطيني والأرض الفلسطينية وتحتل الإقليم الفلسطيني وتقيم عليه المستعمرات الإستيطانية، وتقضم الأراضي وتقضمها سواء في قرار التقسيم أو مدينة القدس، وتفرض عليه الضرائب الإسرائيلية وتستولي على أمواله، حتى العلم الفلسطيني لم يسلم من اذى هذه الديموقراطية، فكيف لنا أن نسلم بديموقراطيتها وهي لا تقيم احتراما لحق الفلسطيني في ماله الخاص والعام على كل الصعد.
إن كانت الديموقراطية الإسرائيلية هي مجرد انتخابات دورية سرية دون مراعاة لحقوق الإنسان وحرياته الفردية، فكيف تسمى ديموقراطية وليس لها من الديموقراطية إلا الإسم، بل هي نظام استبدادي دكتاتوري محتل يقوم على التمييز العنصري، وحينها نلوم على هذا الغرب المنافق على هذا الكيل بمكيالين والنفاق، ونقول بملء فينا ونكرر، فلتسقط الديموقراطية التي على هذه الشاكلة!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى