سياسة

فكرة تهجير سكّان غزّة خطّة فاشلة

د. محمد بن قاسم ناصر بوحجام|الجزائر

     تكاثر التّطاول على لقضيّة الفلسطينيّة، وازداد التّآمر على مقاومة أبطال غزّة، وأقلق الأوباشَ انتصارُ الحقّ على الباطل، وأزعج الأنذال انتشار صيتُ أحرار أرض الشّهامة والكرامة..فأخذوا يتفنّنون في النّيل من هذا النّصر الكاسح الكابح لطمعهم في السّيطرة على إرادتهم، والنّاطح لكبريائهم، وصدق فيهم قول الشّاعر العربي الأعشى:
كَنَاطِحِ صَخْرَةٍ يَوْمًا لِيُوهِنَهَا

فَلَمْ يَضِرْهَا، وَأَوْهَى قرنَهُ الوَعْلُ
كلّ محاولات التّشويه على زحف المقاومة الفلسطينيّة الغزّاويّة نحو الهدف المنشود (وهو التّحرير النّهائي الشّامل لأراضي المغصوبة..)باءت بالفشل؛ عسكريّا وسياسيّا، إغراء وإرغاما، غطرسة ومراوغة..لكنّ محاولات الأعداء لم تتوقّف، وتجريب مختلف الأساليب لم يتخلّف.. آخر صيحة في واد ونفخة في رماد خرجة ترامب، القاضيّة بفرض تهجير قسري للفلسطينيّين من أرضهم إلى دول الجوار أو إلى أمكنة أخرى؛ فيخلو له الجوّ فيبيض فيها ويصفر، وينفذّ مخطّطاته ومشروعاته التّوسّعيّة في الشّرق الأوسط بمساعدة مُدَلِّهِك نتنياهو المهزوم داخليّا وخارجيّا.
لكن هيهات للغباء السّياسي والمراهقة الطّائشة أن ينفُدَا في أرض البطولة ومضمار الأصالة.. بل إنّ الإقدام على خطوة واحدة في هذا المجالضربٌ من المستحيل. هذا التّفكير الأهوج الأعوج نوع من الجنون والانتحار السّياسي، الذي يردي بصاحبه إلى الانهيار والسّقوط الحرّ إلى الحضيض، ويؤدي به إلى الخسران المبين.
بعض هذه الخواطر أو النّتائج المحرجة لزعيمٍ هو محسوب على أكبر دولة في العالم حاليا..نقرؤها في مقال مهمّ عميق للكاتبة “منى حوّا “. نعرض فقرات منهمع بعض التّعليقات. نحسب هذا المقال في زمرة ما أنتجته قريحة من ينسب إلى فئة المتخصّصين في الاستراتيجيّات في عرض ترامب تهجير الفلسطينيّين، بل فرضه على العالم كلّه، وضغطه على أصحاب الأرض الأصلاء قبوله، وعلى دول الجوار لفلسطين الإسهام في تنفيذه.
تقول الكاتبة: ” ما يفعله ترامب ونتنياهو ليس مجرّد هراء سياسي، بل هو تلاعب استراتيجي محسوب، يعتمد على إيجاد واقع وهمي، بحيث تصبح الأفكار المستحيلة قابلة للنّقاش، والمشاريع غير القابلة للتّنفيذ تبدو وكأنّها سيناريوهات مطروحة “.
نبّهت الكاتبة إلى أمر مهمّ، يجب التّفطّن لهومعرفته؛ لسبر أغوار خطّة ترامب، بداية منفقه المنطلقات وانتهاء بإدراك النّهايات. وما بينهما فهمُ فحوى السّياسة التي يعتمدها ليستغفل الرّأي العام، ويجسّ النّبض، ثمّ يمرّر مشروعه إذا تمكّن من ذلك في غياب الوعي الكبير العميق لهذه الممارسات؛ بنشر الوهم وعرض أفكار تبدو مستحيلة التّنفيذ. بمراوغاته ومناوراته ومغالطاته يقدّمها على انّها صالحة للنّقاش.. النّتيجة المنشودة من هذه الخطّة هي فرض واقع يجب التّعامل معه بما يريده ترامب، لذلك يحاول إقناع الرّأي العام بجدواها وضرورتها للخروج من أزمة الشّرق الأوسط؛ بالضّغط على أهل غزّة قبول مقترحه.
توضّح الكاتبة أنّ :”هذه ليست سياسة مرتجلة، بل هي أسلوب مدروس مستوحى من نظريّات سياسيّة إعلاميّة، تستهدف إعادة تشكيل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعيّة بدلا من إبقائهم في موقع الهجوم “.فالخطّة مدروسة بعناية، حسب ما يبدو من صاحبها، وهي التّغرير والتّلبيس على الوعي العام، الذي يجب أن يتقبّل سياسته، التي تصرف المقاومة من موقع الهجوم للاستكانة إلى حال الدّفاع، فتخفّ حدّتها التي أربكت أعداء القضيّة الفلسطينيّة، وأفلسَ مخطّطاتِـهم تنوّعُ الهجوم الذي يخوضه رجال غزّة الشّجعان، وتكاثرُه وظهورُه القويّ بمختلف الأوجه والمظاهروالـمفاجآت..
تزيد الكاتبة بيانا وتوضيحا لتصريحات ترامب؛ ليعي الجميع فحواها وحقيقتها ومآلاتها. فأضافت: لفهم هذه السّياسيةنتعرّف على: ” أوّلا: نظريّة الدّخان والمرايا Smoke and Mirrors التي تهدف إلى تحويل الوهم إلى حقيقة إعلاميّة. هذه الاستراتيجيّة تقوم على إيجاد ضجّة إعلاميّة ضخمة حول شيء غير حقيقي؛ بهدف تشتيت الانتباه أو تحقيق أهداف غير معلنة”..
هذه السّياسة تقوم على تسخير الإعلام ليحدث ضجّة كبرى وصخبا مدوّيا؛ لمغالطة الرّأي العام بالوصول به إلى التّصديق بشيء وهمي، ويتلاعب بالوعي العام فيصرفه عن الحقيقة، ويأخذ به ليقتنع بأمر غير صحيح. هذه النّتيجة تحدث في تفكيره فوضى تسلمُ به إلى تشتيت الانتباه والتّركيز، فلا يقوى على التّصرّف السّليم، بل ينتهي به المطاف أن يقبل ما يُـملَى عليه. هذا ما يرمي إليه ترامب بتصريحاته، حسبما وعيتُ من تحليل الكاتبة منى حوّا.
تبيّن مفصّلة تنفيذ الخطّة بالسّياسة المذكورة: ” كيف تستخدم هنا؟
-تكرار الحديث عن تهجير الفلسطينيّين – رغم استحالة تنفيذه – لأن لا أحد يعتقد بإمكانية حدوثه، بل لجعل النّاس يتعاملون معه كأمر مطروح للنّقاش، بدلا من رفضه فورا.
-تحويل قضيّة فشل إسرائيل عسكريّا في غزّة إلى نقاش حول (إلى أين سيذهب الفلسطينيّون؟) وأنّ رحيلهم أمر محتوم والخلاف هو فقط عن الوجهة التي سيرحّلون إليها.
-جعل الدّول المستهدفة (مصر والأردن ودول الخليج)تبدو وكأنّها في موقف المفاوض على صفقة ما، بدلا من كونها ترفض الفكرة من أساسها “.
النّتائج الأوّليّة المنشودة من هذه السّياسة – حسب الكاتبة – هي:
1 جعل الرّأي العام يقتنع بوجوب تهجير الفلسطينيّين عن غزّة؛ نتيجة تكرار النّطق به فيرسخ في الأذهان موقفا حاسما ومطلبا مشروعا.
2 صرف الأنظار عن الموضوع الرّئيس وهو النّضال من أجل تحرير الأرض إلى التّفكير حول كيفيّة التّخلّص من سكّان غزّة، فيتركّز التّدبير أو النّظر في طريقة ضمان البقاء في أرض غزّة، بدلا من التّخطيط لمقاومة الاحتلال.
3 التّغطية على فشل الكيان الصّهيوني عسكريّا في القطاع، والانشغال بوجهة رحيلهم، هنا يكون النّقاش والتّفاوض، بعيدا عن المهمّة الأساسيّة التي قامت عليها الانتفاضات وآخرها طوفان الأقصى.
4 إبعاد دول الجوار والتي يفترض أن يحوّل إليها سكّان غزّة عن رفض فكرة التّهجير، وإشغالهم بالنّظر والتّفاوض على طريقة تنفيذ الـمخطّط.
في كلّ الحالات، وفي المحصّلة،هذه السّياسة تسعى إلى تشتيت الفكر والتّشويش على الرّأي العام، ونشر الفوضى في الأوساط.. حتّى لا تركّز على محور القضيّة، وهو التّحرّر والانعتاق والتّخلّص من هيمنة الأعداء الأقربين والأبعدين.
واصلت الكاتبة في عرض النّتائج، فقالت:” ما هي النّتيجة؟
-الجمهور يبدأ في التّعامل مع التّهجير فكرة (مطروحة)، بينما هي جريمة حرب مستحيلة التّنفيذ.
-الأطراف العربيّة والدّوليّة تجبر على إصدار تصريحات نفي وتوضيح،ممّا يجعلها في موقف دفاعي، ويمنح القضيّة مصداقيّةزائفة.
-النّقاش يتحوّل من (هل يجب وقف العدوان الإسرائيلي؟)إلى (ما البدائل المطروحة أمام الفلسطينيّين؟) وهو الهدف الحقيقي من هذا التّضليل..”
في هذا العرض الذي أجابت فيه الكاتبة على سؤالها: “ما هي النّتيجة “، نسجّل الآتي:
1 ينشغل الرّأي العام بفكرة التّهجير أمرًا محتوما، فقد يغفل عن كونها جريمة حرب؛ لأنّها شكل من أشكال الإبادة الجماعيّة، بطريقة غير مباشرة، هنا يكمن الخطر إذا انطلت الحيلة على الوعي العام.
2 يُشغَل المجتمع الدّولي بحرب البيانات والتّصريحات والتّنديدات والاستنكارات.. بدل القيام بالحرب ضدّ الظّلم والتّعسّف وقهر الشّعب الفلسطيني، دائما نكون مع سياق الإبعاد عن العمل الحقيقي وهو مناهضة سياسة الأعداء العدوانيّة، وفي هذا التّحويل تغطية على فشل الاحتلال ومن يحالفه في حربهم مع الفلسطينيّين؟.
3 بهذه السّياسة يسعى ترامبومن يؤيّده فيها إلى تحويل الأنظار عن ضرورة وقف العدوان الصّهيوني على الفلسطينيّين وسكّان غزّة المقاومين بخاصّة.. إلى البحث عن البدائل التي تمنع عنهم هذا العدوان، فيكون من الخيارات المهمّة أن يعيشوا بعيدين عن الصّهاينة مكانا.. وكأنّ سكّان غزّة يبحثون عن الأمن والحياة الهنيئةخارج أرضهم.. هذه السّذاجة أو المكر ممّن عرض فكرة التّهجير استهتارٌ بالقيم وسخريّة من أصحاب الهمم، الذين ردّدوا بلسان امرأة شهمة صاحبة كرامة ومروءة: “نحن نملك أعدادا كبيرة من الأقمشة البيضاء لنكفّن فيها شهداءنا، ولا نملك خرقة بيضاء واحدة لنعلن بها استسلامنا للعدوّ”. وبلسان شيخ مسنّ: ” لا يمكن أن يهزمنا أحد والله معنا”؛ ردّا على تهديدات ترامبومن هم على شاكلته.
أضافت الكاتبة منى حوّا نظريّة أخرى تعتمدها سياسة ترامب في تنفيذ مخطّطه أو مقترحه:
“ثانيا: نظريّة إغراق السّاحة Flood the Zone هدفها السّيطرة عبر الفوضى. الاستراتيجيّة تعتمد على إغراق الإعلام والرّأي العام بوابل من التّصريحات والقرارات، بغضّ النّظر عن واقعيتها؛ بهدف السّيطرة على السّرديّة السّياسيّة “.
هذه النّظريّة تسند سابقتَها في التّهريج ونشر الفوضى في الأوساط بواسطة تضخيم الإعلام التي يعبث بعقول النّاس لتهيئتهم لقبول مقترح التّهجير، بعد تخديرهم وتهديدهم واستعمال كلّ وسيلة يتفنّن فيها الإعلام الموجّه نحو تحقيق المبتغى.. عرضت الكاتبة بعد ذلك السّؤال الآتي: كيف يستخدم ترامب ونتنياهو نظريّة الإغراق هذه؟ أجابت:
-ترامب يصدر تصريحات متكرّرة عن (خطط كبرى) التّهجير، بناء الجدران، فرض عقوبات، حظر دول رغم أنّه يعلم أنّها غير قابلة للتّطبيق.
-الهدف إرباك الإعلام والمعارضين، بحيث يصبح من المستحيل الرّدّ على كلّ تصريحاته أو كشف تناقضات.
– نتنياهو المحاصَر سياسيّا بسبب فشل الحرب، يعتمد على إطلاق تهديدات ضخمة ومتكرّرة، ليس لأنّه قادر على تنفيذها، بل لإبقاء الجميع في حالة (ردّ فعل) بدلا من التّركيز على جرائمه وإخفاقاته “.
يتقاسم الرّجلان الأدوار في نشر الفوضى الإعلاميّة. ترامب يقود المسيرة بنشر مجموعة من التّصريحات المختلفة، التي تحمل طابع التّهديد والتّحذيرلكلّ من وما يمسّ بسياسته في هذا الاتّجاه، ويبدي ويعيد، ويقول ويكرّر، ويستمرّ في التّهريج بهذا المنوال حتّى لا يعطي الفرصة للتّأمّل في تصريحاته الكثيرة المتكرّرة ليُرَدَّ عليها أو تُناقَش أو تُنتقَد، أو يُستوضَح فيها.. لأنّه يعلم جيّدا أنّها غير قابلة للتّنفيذ، فينأى بها- بهذاالضّجيج الإعلامي- بعيدا عن التّفكير الموضوعي الصّحيح في حقيقتها، أي يجرّب هذه الطّريقة علّه يظفربمغفّلين وناقصي الإدراك وقليلي النّظر والتّدبير.. فيقتنعون بما يدعو إليه رغبا أو رهبا..
أمّا نتنياهو المهزوم عسكريّا وسياسيّا، والمحاصَر داخل معسكره ومجتمعه لفشله في تحقيق النّصر لكيانه المهترّ، الذي ظهر ضعيفا في السّاحة لعالميّة، بعد أن كان يسوّق للعالم أنّه قويّ، لا يمكن لأيّ جهة مهما تكن أن تهزمه، أو تنال منه… فإنّه يلجأ إلى التّصريحات المتكرّرة التي تحمل صبغة التّهديدات ليغطّي عن فشله، ويؤخّر موجات الانتقادات والهجوم التي يتعرّض لها من داخل كيانه. فما هي النّتيجة التي يجنيها الرّجلان من كلّ هذه التّصرّفات؟ تقول الكاتبة منى حوّا: “الإعلام والجمهور يجدان نفسيهما مضطرّين لملاحقة التّصريحات الجديدة، بدلا من التّركيز على الحقيقة الأساسيّة: إسرائيل فشلت عسكريّا وترامب يناور إعلاميّا. كلّما زاد الضّجيج أصبح من الأسهل تمرير القرارات الخطيرة وسط الفوضى”.
وسيلة التّهريج الإعلامي، وسبيل نشر التّشويش الذي يفقد التّركيز.. هما المخرجان من أزمة الثّقة التي يتعرّض لها رئيس وزراء الكيان، ففي فوضى الإعلام حياة له.. وفي التّصريحات المتكرّرة منفذ للتّخلّص من الضّغوط. بذلك –حسب تقدريهما– يستطيعان تمرير قراراتهما التي تضمن لهما تنفيذ خططهما.
واصلت الكاتبة في توضيح خطّة ترامب الـمُضمَّنة تصريحاته المتكرّرة بعرضها على نظريّة استراتيجيّة أخرى؛ لتبيّن أنّ الخطّة لم تُتَبَنَّ عبثا، إنّما هي مبنيّة على وعي كبير في اقتراحها وفي التّمسّك بها فقالت: “ثالثا: نظريّة السّرديّة بالقوّة ConsentManufacturing ما هو هدفها؟ التّكرار يصنع القبول. هذه الاستراتيجيّة تقوم على إعادة طرح الأفكار بشكل متكرّر حتّى تصبح مألوفة، وبالتّالي أقلّ صدمة وأكثر قبولا بشكل غير مباشر “.
تُكَرِّرُ الكاتبة أنّ في النّظريّات التي أرجعت إليها خطّة ترامب عنصرًا مشتركًا، هو ” التّكرار “، الذي يرسّخ عنصر إلف الـمعروض، وأنّه واقع يجب التّعامل معه بكلّ قناعة. ما تضيفه هذه النّظريّة هو اتّقاء الصّدمة التي قد تصيب المخاطبين بها لغرابتها، لكنّ التّكرار يحدّ من هذه الصّدمة تدريجيّا، فتميل النّفوس إلى قبول المقترح ولو بعد حين.
هذه خطّة خبيثة ماكرة، من أناس تمرّسوا على المكر والخداع والمراوغة والتّسلّط..هنا سألت الكاتبة:كيف يحدث هذا؟ أجابت وهي تحلّل المضامين:”قبل أشهر الحديث عن تهجير الفلسطينيّين بهذا الزّخم لكن الآن بسبب تكرار التّصريحات، أصبح الأمر يناقش في وسائل الإعلام كأنّه خيار ضمن عدّة خيارات.
الأمر لا يتعلّق فقط بالتّكرار، بل بإغراق السّاحة بنفس الفكرة من زوايا متعدّدة: تصريحات أمريكيّة، تهديدات إسرائيليّة، تسريبات إعلاميّة، تحليلات استراتيجيّة، حتّى يبدو وأنّه واقع لا مفرّ منه…هذه الطّريقة استخدمت سابقا في الحرب على العراق، حيث تحوّل أسلحة الدّمار الشّامل من كذبة إلى ذريعة للحرب، بسبب التّكرار المكثّف “.
في هذه الإجابة أمور يجب الانتباه إليها:
1-كانت الخطّة تُبحَث في السّرّ، أصبحت الآن متناولة في العلن.يفهم من هذا التّصريح أنّها درست جيّدا وبعمق، حتّى إذا نضجت وأصبحت جاهزة للعرض اختير لها وسائل الإعلام للتّرويج لها.
2-لـمّـا انتقلت الخطّة إلى وسائل الإعلام اتّخذت صبغة خيار من الخيارات التي ينظر فيها لأهميّتها – حسب تقدير المروّجين لها – فهذا التّحوّل يحسبُ تطوّرًا في الـمسألة.
3 -تطوّر الأمر فتجاوز تكرار فكرة تهجير الفلسطييّين من عرضها على الرّأي العام إلى: “بإغراق السّاحة بنفس الفكرة من زوايا متعدّدة: تصريحات أمريكيّة، تهديدات إسرائيليّة، تسريبات إعلاميّة، تحليلات استراتيجيّة، حتّى يبدو وأنّه واقع لا مفرّ منه “. هذه التّطوّرات بفعل نظريّة السّرديّة بالقوّة تجعل الأمر خطيرا، يجب القيام بما يقف أمامها لمجابهتها ومحاربتها بكلّ الوسائل. وقبل ذلك معرفة حقيقتها وخباياها والمآلات التي تسير إليها والعواقب التي تفرزها..
4 -عدم الاستهانة بهذه التّحرّكات، وعدم الغفلة عن أدقّ التّفاصيل فيها، فقد تبدأ الفكرة باتّهام ثمّ تنتقل إلى النّظر في طبيعة هذا الاتّهام ثمّ تصبح حقيقة لا غبار عليها، وواقعا لا مفرّ منه، يوجب التّعامل معه بكلّ ما يتطلّبه وما ينتجه هذا الواقع من أحداث ومستجدّات.. ذكرت الكاتبة نموذجا من لتّحرّك المشبوه المغرض، متمثّلا في ما حدث في العراق، فأدّى إلى ضربه وتدميره: ” هذه الطّريقة استخدمت سابقا في الحرب على العراق، حيث تحوّل أسلحة الدّمار الشّامل من كذبة إلى ذريعة للحرب، بسبب التّكرار المكثّف “. فما هي النّتيجة من هذه الإجراءات؟ تجيب الكاتبة:
“-يصبح (التّهجير) فكرة مطروحة على الطّاولة، حتّى لو كان الرّفض العربي والدّولي لها قويّا.
-يتحوّل النّقاش من هل هذا ممكن؟ إلى ما هي الطّريقة الأفضل لتنفيذه؟ وهو بالضّبط ما يسعى إليه ترامب ونتنياهو “.
إنّ النّتيجة – بهذا التّسلسل الممنهج– تكون خطيرة إذا لم تقم نخبة واعية متمكّنة من الغوص في أعماق الأفكار المعروضة، لها القدرة الكافية لقراءة ما بين السّطور، ودراية كبيرة بما يدور في السّاحة السّياسية، ولها باع طويل في مجال الاستراتيحيّات لإدراك ما يفكّر فيه وما يخطّط له وما يؤول إليه كلّ مشروع… إذا لم تقم بواجبها في صدّ هذا المخطّط وردّه على أعقابه.. تكون العواقب وخيمة.
انتهت الكاتبة إلى خلاصة، يتأمّل فيها ويسترشد بها في اتّخاذ المواقف التي تخدم قضايا الأمّة بعامّة، وتقف حائلا دون عرض فكرة تهجير الفلسطينيّين بخاصّة.
” الخلاصة: ما يحدث خطير جدّا، لكنّه ليس سببا للذّعر. بل سبب لموقف صارم وحاسم، يرفض حتّى التّعامل مع هذه الأفكار كنقاش مشروع.
-الخطر الأكبر ليس في قدرة ترامب ونتنياهو على تنفيذ مخطّطاتهم، بل في قدرتهم على جعل النّاس يتعاملون معها كأمر ممكن.
-المطلوب ليس فقط رفض الفكرة، بل رفض حتّى الحديث عنها كخيار سياسي.”.
تقول الكاتبة منى حوّا في في ختام مقالها الكاتبة إنّ المهمّ هو:
-عدم الوقوع في فخاخ التّصريحات المتضاربة والمناورات الإعلاميّة، والتّركيز على الحقيقة الأساسيّة: كلّ هذا مجرّد خدعة لصرف الأنظار عن فشل الاحتلال وإيجاد ضغوط سياسية زائفة.
-تذكّروا:التّهديدات ليست خططا، بل أوراق ضغط. ما يريده ترامب ونتنياهو هو تحويل المستحيل إلى احتمالات، وهذا ما يجب محاربته بكشف التّلاعب الإعلامي “.
أمّا أنا فأقول في ختام عرض مضمون هذا المقال الـمهمّ:
1 -ما ذكره مروّجُو فكرة التّهجير هو: استعراض عضلات وتظاهر بالقوّة الفتّاكة، وتحويل الأنظار عن فشل سياسات الاحتواء والضّغوط..
2 -النّأي عن الاهتمام بالمسائل الهامشيّة وحرق الأعصاب في الهراء الذي لا يأتي إلّا على صاحبه فيلتهمه.
3 -عدم الخروج من مركز التّفكير والاهتمام والعناية وهو جوهر القضيّة الفلسطينيّة ومحور تحرير الأرض.
4 -عدم إعطاء الفرصة لنتنياهو ليبتعد عن مشاكله الدّاخليّة ومحاسبة شعبه له.
5 -عدم هذر القوّة في الدّفاع عن الأفكار غير قابلة التّنفيذ، وعدم فسح المجال للنّظر في الـمعروض من الخطط الخائبة على حساب التّفكير والتّخطيط والتّدبير في مواصلة مقاومة كلّ من يقف في طريق توفير الحياة الكريمة للفلسطينيّين بعد تحقيق النّصر عسكريّا وسياسيّا ومعنويّا..
6 -الاستمرار في إعمار غزّة ومضاعفة الجهود في الاستعداد القويّ والمحكم لمجابهة كلّ عدوان على الأراضي الفلسطينيّة، متابعة لـمسيرة طوفان الأقصى المباركة.
المهمّ من كلّ ذلك هو أخذ الحذر والحيطة من المؤامرات، والتّحلّي بالوعي الكامل لما يدور في السّاحة من قريب أو بعيد. والأهمّ أن تبقى القضيّة الفلسطينيّة حيّة ثابتة في الوجدان والكيان والأركان، ومنع كلّ فكرة أو مخطّط أو مؤامرة.. تزحزحها من مكان القلب في المجتمع الإسلامي.
” فكرة تهجير سكّان غزّة خدعة لصرف الأنظار عن فشل الاحتلال..فغزّة لأهلها الأصلاء وليست مكانا للأنذال الدّخلاء، ولا مجالا لـمساومة الأرجاس ا الجبناء…”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى