سياسة

الاتّحاد الأوروبي في تونس.. تثبيت الانقلاب

بقلم: رشيد مصباح (فوزي)

“أنا مانْقُلّكْ وأنت مايخْفاكْ، رأس الحيّة قُدّامكْ والعصا بحْذاك”؛ هذا المثل متداول بكثرة بين الأوساط الشعبية في الشّرق الجزائري، المتضلّع كثيرا من ثقافة إخوانهم في تونس التي كانت ولا تزال قبلة للثّوار والمفكّرين الأحرار. وليس غريبا أن تكون تونس الشرارة الأولى للشّعوب العربية المتطلّعة إلى الحرية والدّيمقراطية.

كم صار من السّهل إسقاط مثل هذا المثل على واقع الانقلاب وما جرى ويجري في تونس الخضراء. تونس “البوعزيزي” أرض الياسمين.

ها هو الانقلاب يعطي أكله بغطاء غربي سخيف!

الديمقراطية التي تنتج الإسلام السياسي الذي يُنسب إليه التظرّف والإرهاب.. ممنوعة في تونس. فتونس ليست “الزيتونة” ولا “القيروان”، ولا يجب أن تكون قبلة للمحافظين والوطنيّين المتديّنين “كما في القرون الوسطى والقديمة”. بل يجب على تونس أن تكون كما يريده الغرب “الماكر اللّعين”؛ أرض شذوذ وتعرٍّ، وفسق، وخمر، واختلاط جنسيّ.

معلوم أن للأنظمة العربية يد في هذا الانقلاب المشين، فالمثل الشّعبي يقول؛ “اعمل كما جارك وإلاّ حوّل باب دارك”. لذلك لم يتم التخلّي عن الرّئيس المنقلب على مؤسّسات الشعب من الوهلة الأولى، واستقبله (ماكرون) ليطمئنه، ثم تلاها انعقاد قمة فرنكفونية متردّدة، ثم بعد ذلك منح الرّئيس “المتفوّه” شرف إلقائه خطاب مطوّل تناقلته القنوات العربية والغربية وختمه الحكّام المتحمّسين للإنقلاب بتصفيقاتهم الحارّة.

ثم في الأخير بدأ “الأورو” يتهاطل على رئيس تونس المنقلب على الشّعب ودستوره، والذي لم يكن يعرف عنه الشعب التّونسي المخدوع فيه سوى أنه أستاذ معيد، ليتبيّن فيما بعد أنّه أخطر من مجرّد أستاذ مبتدئ ومؤقّت يبحث عن طموح مشروع و محدود.
وها هو الأستاذ المعيد يخرج مبتهجا والفرحة تبدو على مُحيّاه بعد حصوله على ضمانات ومواقف مطمئنة من الاتحاد الأوروبي ولسان حاله يقول:
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي لَستُ أَدري
[كما قال الشاعر الفيلسوف إيليا أبو ماضي].
وعلى منهاج وطريقة (بن علي) قد زجّ بمعارضيه في السجون، ولم ينجُ من شرّه صغير أو كبير. وبذلك تكون قد اكتملت أركان المؤامرة التي غلب عليها طابع التودّد والتردّد.. مثلما حدث في مصر، والجزائر قبل ذلك في تسعينيّات القرن الماضي؛ فهل حان الوقت للشعوب المخدوعة التي لا تزال شريحة كبيرة منها تؤمن بأن الأرض “مسطّحة”، وتشكّك في صعود الإنسان إلى القمر؟!

ولقد اختار الاتّحاد الأوربي “اللّعين” طريقة مثلى لإخراج الرئيس المنقلب من عزلته بإثارة مسألة الأفارقة، بعدما تعذّر الأمر على الجيران تقديم الدّعم اللاّزم، ولإنقاذ هذا الانقلاب.

كان لا بد من إخماد نار “الفتنة” التي أشعل فتيلها “البوعزيزي”، بخنق أنفاسها وقتلها في مهدها قبل أن تلتهم أطراف البلدان المجاورة التي لم ينم لها جفن منذ انطلاق الشّرارة الأولى من مقر ولاية: (سيدي بوزيد) بأرض تونس الخضراء. وتجسّدت كل هذه المخاوف في تقديم بعض المعونات والمواقف الدبلوماسية بصفة مستعجلة. لكن ذلك لم يكن كافيا لإسكات الشّعب الذي انكشفت أمامه كل الأوراق بعد غلق البرلمان وطرد من فيه، وبعد الزجّ بمنتخبيه الشرعيّين في السّجون، وتأكّد له من أن القادم أمرّ وأدهى، ودفعه ذلك إلى المطالبة باستعادة كافّة حقوقه.

نفس السيناريو تقريبا ينتهجه الغرب في كل مرّة يتدخّل فيها لإنقاذ الانقلاب، وذلك بافتعال قضايا من باب حماية الأمن والمصالح المشتركة وو… بتدخّل سافر في شؤون شعوب مقهورة مغلوبة على أمرها.

ليس غريبا أن تدافع الأنظمة الغربيّة عن الآخرين، سيّما إذا ما تعلّق الأمر بمصالحها الشخصيّة. ولقد سبق لهذا الغرب؛ الذي يتبنّى الديمقراطية ويدّعي كذبا وزورا أنّه يدافع عن الشّعوب المظلومة والمقهورة متمنيّا لها الحريّة والأمن والاستقرار…، وأن قام بالدفاع عن اليهود، والمجوس، والملحدين، والشّواذ المثليّين…، لكنّه حين تعلّق الأمر بالدّفاع عن الشّعوب العربية التي منذ اتفاقية “سايكس بيكو” إلى يومنا هذا وهي تعاني من الظّلم والاستبداد، فالمسألة لم تبق رهينة نظر وحسب، بل استدعى تدخّلها العاجل لفرض الانقلاب بكل خبث وحيلة، كما هو الشأن في تونس الخضراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى