الاستراتيجيات العربية لمواجهة الأزمات الدولية
د. أحمد رفيق عوض | فلسطين
هذه المداخلة هي تركيز مكثف لرؤى وتأملات بحاجة إلى كثير من التمحيص والفحوص والاثبات، وقد أوردتها لتكون أساساً لمزيد من البحث والمقارنة والمقايسة أيضاً، ولكني ومن جهة أخرى، أعتقد أن هذا التركيز يفيد في اثارة الجدل أولاً ويقدم مادة أولية بحثية للمهتمين، كما أنها أخيراً تدفعني شخصياً لمزيد من تطوير ما ورد هنا، إضافة أو حذفاً، أو حتى تغييراً في الاتجاه.
ثم بادئ ذي بدء
فإننا نتحدث عن الاستراتيجيات العربية لمواجهة الازمات الدولية، وهو موضوع اشكالي يتداخل فيه السياسي بغير السياسي أيضاً، فالإقليم العربي وان كان يتعرض لتحديات متشابهة ولكن ردات فعله ليست كذلك.
ما هي الأزمات الدولية:
هي تلك التحديات العابرة للحدود والتي تهدد بالضرر وتؤثر على الشعوب ومقدراتها وثرواتها ومستقبلها، فالأزمة تمس الحياة ذاتها وتمس كل مكوناتها واركانها وشروطها، والازمة الدولية تفرض شروطها على الشعوب والأنظمة رغماً عنها، ولهذا فإن الردود عليها يحتاج الى كثير من الاستعداد والتنسيق والانسجام بين الأنظمة والشعوب والهيئات الدولية. وتتمثل هذه الازمات الدولية بالاستقطابات السياسية والأمنية وازمات الغذاء والدواء والطاقة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية.
فهل هناك نظام عربي أم أنظمة عربية متعددة؟
لا يمكن الكلام عن نظام عربي واحد، فالإقليم العربي لا يمتلك قدرة موحدة على الرد او مواجهة الازمات الدولية المتعددة. فالأنظمة العربية متعددة في المزاج والمنشأ والتنظيم السياسي والتطور الحضاري، ويمكن تسجيل الملاحظات التالية على هذه الأنظمة:
ان تشكلها او ولادتها شهد كثيراً من الصعوبات وحتى الالتباس في العلاقة مع المستعمر الأجنبي، وان الاستقلال الذي حصلت عليه بعض الأقطار العربية كان مشروطاً او مشتبهاً بالعلاقة مع المحتل، وقد كانت سيرورة “الاستقلال” الوطني فيها كثير من الأسئلة المحرجة من حيث النخبة المسيطرة وعلاقاتها وتحالفاتها، وهو امر جعل هذه الأنظمة او بعضها على الأقل غير قادر على التحكم بالثروات الطبيعية او التحكم بالقرار الوطني المستقل، الذي هو شرط أساسي من وضع الاستراتيجيات لمواجهة الازمات المحلية والدولية.
هناك ثلاث وحدات جغرافية / بشرية في الإقليم العربي، هي المشرق العربي، المغرب العربي، دول الخليج العربي، وهناك فروق بينها من حيث النشأة والتركيب السكاني والمزاج والتاريخ الوطني، وكذلك في التشكيل السياسي للنظام وعلاقاته وتحالفاته، ويلاحظ ان هناك فروقاً ايضاً في استجابات تلك الكتل لمواجهة الازمات الدولية.
ان صعوبة ميلاد النظام العربي الحديث من جهة والفروق الجغرافية والبشرية والتحالفات الأجنبية، كل ذلك جعل من الصعوبة على هذه الدول ان توحد استجاباتها للرد على اية ازمة دولية.
فهل لعبت الجامعة العربية دوراً في بناء استراتيجية عربية موحدة؟
للرد على هذا السؤال، فإن من المفروض ان تلعب الجامعة العربية الواجهة الرسمية للعمل العربي المشترك، ولكن هذه المنظمة الإقليمية فشلت في توحيد السياسات والاستراتيجيات، بسبب:
– الخلافات السياسية بين أعضائها.
– التحالفات الخارجية بين بعض أعضائها والقوى الإقليمية والدولية.
– تضارب مصالح الأنظمة وضعف النخب القادرة على التغيير.
– التنوع الطائفي والعرقي في الإقليم العربي.
هناك فروق فعلية بين تلك الأنظمة من حيث القوة الاقتصادية والمستوى الحضاري والمزاج.
هذا فضلاً عن السبب الأكثر أهمية وهو الضغوط الدولية من قبل القوى الاستعمارية الكبرى.
السؤال هو إذن؟!
هل هناك استراتيجية عربية موحدة في الحد الأدنى لمواجهة الازمات الدولية الحالية المتمثلة في الاستقطاب السياسي الحاد وازمات الغذاء والدواء والمناخ والإرهاب والاحتلال.. الخ.. الخ.
وفي إجابة أولية يمكن القول ان هناك غياب لهذه الاستراتيجية الواحدة الموحدة وذلك بسبب:
تضارب التوجهات والمصالح السياسية والاقتصادية بين الأنظمة العربية.
- تدخلات او املاءات الهيئات الدولية الدائنة او الممولة.
- هيمنة القوى العالمية على القرار السياسي والاقتصادي.
- هشاشة المجتمعات العربية بشكل عام وضعف النخب المدنية من أحزاب وتجمعات وجمعيات وغيرها.
استراتيجيات متعددة:
وفي المقابل فإن غياب استراتيجية موحدة لا يعني غياب استراتيجيات منفردة تتعلق بأنظمة عربية محددة، وبالتالي، فإن هناك استراتيجيات عربية متعددة ضمن تجمعات إقليمية او حتى تتعلق بنظام واحد ليس إلا. إن وجود هذه الاستراتيجيات العربية المتعددة تأثرت الى حدٍ كبير بما يلي:
– شرعية النظام من عدمها.
– تمول النظام واشتراطاته.
– حماية النظام والأطراف المشاركة في هذه الحماية.
ان ما سبق هو الذي يلعب أهم الأدوار في توجهات الأقطار العربية في معظمها، وبالتأكيد هناك هوامش حركة يمكن للنظام العربي ان يتحرك فيها بقدر من الاستقلالية، ولكنها هوامش ضيقة وضعيفة دائماً.
ميزات الاستراتيجيات العربية المتعددة:
– الاستراتيجيات العربية التي يتم تصميمها لمواجهة الازمات الدولية على اختلافها تتميز بالآتي بشكل عام:
– قصيرة المدى ومضطربة بسبب وضع النظام السياسي وتحالفاته الداخلية والخارجية.
انفعالية وارتجالية وتأتي عادة استجابة للاحتواء او للرد او لاكتساب الجماهيرية او الشعبية، وقد تكون بسبب ضغط خارجي من قوى متنفذة.
– تتأثر هذه الاستراتيجيات عادة بالمؤسسات الدولية الممولة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
– تتميز هذه الاستراتيجيات عادة بعدم المعرفة الكافية للموارد الموجودة في البلد وعدم القدرة على استغلالها جيداً، وهناك امثلة ساطعة على هذا الامر.
– عدم التناغم وغياب التنسيق بين الإدارات في النظام الواحد، فضلا عن غيابه مع الأنظمة العربية القريبة، تغيب عادة عن هذه الاستراتيجيات وجود رؤية ذات إطار ناظم لعمليات التنمية او التي تخدم السياسة الاستراتيجية ذاتها، وهذا يفسر فشل كثير من هذه الاستراتيجيات.
– ضعف الأنظمة غالباً وهو ضعف يتعلق بالتمويل والبنية التحتية وغياب الكادر المؤهل وشيوع الفساد والترهل الإداري وهو ما يعوق تنفيذ الاستراتيجية او يجعلها غير ذات جدوى.
ما النتيجة إذن؟!
الاستخلاص الذي ننتهي إليه من كل ما سبق عرضه هو ما يلي:
- هناك تبعية كبيرة للقوى الإقليمية او الدولية او كليهما.
- هناك خضوع كبير للمؤسسات الدولية والتي تفرض شروطاً قد تتعارض مع المصلحة الوطنية والقومية.
- هناك غياب كبير للتنسيق بين الأنظمة العربية للتعاون في وضع استراتيجيات للمواجهة رغم وجود أسس قانونية لذلك منصوص عليها في بروتوكولات الجامعة العربية ولكنها لا تطبق للأسف، لا على مستوى الامن او الاقتصاد.
لهذا، فان العالم العربي ليس له حضور او تأثير في الازمات الدولية، بل هو الذي يتأثر بها ويدفع ثمنها من امنه وثرواته وهناك امثلة ساطعة على هذا الامر.
العالم العربي ولغياب استراتيجيات الرد فانه يعتمد على العالم في حل مشاكله.
وسبب كل ما سبق، فإن النظام العربي يميل او يجبر على شراء الخدمة بدلاً من اختراعها او اجتراحها، وشراء الخدمة يكون اما بتقديم الأموال او موطئ للأقدام او قبول الاشتراطات على اختلافها.
أخيراً
إذا كان ما عرضناه فيه حقيقة ما، فإن العالم العربي، بأنظمته وشعوبه وثرواته وثقافته واحلامه وآماله، معرض ان لا يشارك بالحضارة البشرية -كجماعة- وبالتالي فهو مؤهل للغياب، والأمر لا يعدو عن كونه مسألة وقت إلا. والحل -ولا نقول شيئاً عجباً هنا- يتعلق بتجسير الهوة بين النظام وشعبه والاعتصام بالقرار الوطني والقومي والقفز من قاطرة الاستلاب السياسي والأمني والثقافي، والامر كله متعلق بالوعي.. ما هي رسالتنا كعرب ومسلمين؟!