سياسة

واحد وخمسون عامًا على حرب أكتوبر

بقلم: سالم بن محمد بن أحمد العبري
في السادس من أكتوبر، عام: (١٩٧٣م)، وبُعَيْدِ الظهر دَوَّت أصداء العبور من سيناء لتجتاز خط الدفاع الأول الذي بَنَته إسرائيل وكانت تظن أنه لن يُجْتاز أبدًا، وعَبَرَتْ في ذات الوقت قوات الجيش العربي السوري خطوط الخامس من يونيو، عام: (١٩٦٧م) مندفعة لتحرير الجولان، وكنا آنذاك طلبةً في الثانوية العامَّة؛ إذ إنني اجتزت امتحان الابتدائية بمدرسة الزمالك الابتدائية مطلع أكتوبر، عام: (١٩٦٨م)، على أمل أن أتَقَدَّمَ بعد نحو عام لامتحان الاعدادية العامَّة بنظام الوافدين أيضًا، لكن نكسة عام: (١٩٦٧م) غَيَّرَت النظم والفكر والتوجهات، فألغى ذلك السماح الذي أفاد آلاف الوافدين لمصر من الوطن العربي والأفريقي والآسيوي تمكينًا لدولهم لمسايرة ركب التعليم.
كان صرير المدافع والقنابل والطائرات يُسْمَعُ من القاهرة، وكان يفر النوم من النفوس غير المرهقة فرحًا، وقد يعتريها خوف لطيف، كنا نسكن بعمارات الإعلام خلف مسرح البالون، وكانت هذه العمارات أريد تخصيصها للعاملين بالإعلام، خصوصًا أن الإعلام المصري الثوري قد تَوَسَّعَ ليملأ مبنى «ماسبيرو» ذلك المبنى المتأبط للنيل بحجمه، ومحتواه، ورجالاته.
لم يكن أَحَدٌ من الجنود والضباط في الجبهتين يعلم أنه بعد أسبوعين سيأتي الوسيط الأمريكي؛ ليسحق جهدهم، و تضحياتهم، وابتسامات وجهوههم -وهم يعبرون تحقيقًا للجهد الذي بذلوه، وهم يَتَدَرَّبُونَ تدريبًا وطنيًّا بارعًا يحفزهم إليه، وإلى الجهد والبذل والنظر للمستقبل المشرق أن عبدالناصر، ومحمد فوزي، ومحمد رياض لا يفارقون ساحات تدربيهم، والوقوف على إنجازهم، واحتياجاتهم.
وهكذا سار الفريق حافظ الأسد بالجبهة السورية فهو أكثر تَفَرُّغًا، وأقل كلامًا، غاظه فعل النكسة فأزاح نور الدين الأتاسي، وحَلَّ محله بحركة تصحيح اسمها، وليس ثورة، فهو لا يتنكر للماضي الذى لا يحذف فيه الأسد مَن سبقوه من المناضلين منذ مقاومة الاستعمار الفرنسي، والدولة العثمانية، لكنه يرى تصحيح المسار بأفكار أشمل، وتنمية شاملة واسعة.
نعم لم يظن الجنود الأشاوس الذين عبروا أنهم يريدون العبور بالأمة لإنجاز التحرر الوطني، والتطلع للمستقبل بآمال واسعة تُقَابِلُ آمال وتطلعات القادة والمفكرين على مدى قرنين، ما حسبوا أن «كيسنجر» اليهودي المخلص الممثل لأكبر دولة معاصرة أن يأتي ويسرق جهدهم، وتطلعاتهم، ويُبَخِّرَ عرقهم بدبلوماسيته الماكرة المقتدرة، ويقابله السادات برغبة الألقاب، والنياشين، وزيارات البيت الأبيض قبلة بعض المسئولين، وخصوصًا العرب.
نعم سرق جهد وعطاء وتضحيات أكتوبر، عام: (١٩٧٣م) ليأتي السابع من أكتوبر، عام: (٢٠٢٣م)؛ ليذكرنا أن الأمة لم تمت باغتيال السادات، ولم تسترق بسرقة نصر جنود مصر، وسوريا، وجنود كل العرب الذين لَبُّوا واجب الإسناد، ها هم الجنود المغاربة الذين أتوا من شواطئ الأطلسي، ورمال الصحراء يصرخون: كيف نقعد بعيدًا عن صفوف المقاتلين بالجولان، وقد أتينا لنعود بالنصر أو الشهادة.
إننا إذًا نستذكر ذلك الآن واليوم وقد أعادت غزة الصغيرة بمساحتها والكبيرة كبر الأمة وعقائدها، وثبات إيمانها، وصفائه لتقول: إن من يؤم المجاهدين الآن هم أئمة صلاة الفجر، بملابسهم البيضاء، وببصيرتهم الواسعة، وسع آلامهم، وآمالهم، وطموحاتهم، واستذكارهم لتاريخهم، والمجاهدين من الأمة المحمدية منذ ما يزيد على (١٤٠٠) سنة.
وإذا كانت الأمة وأحرار العالم كله أشرقت شمسهم في ذلك اليوم مع إشراق شمس غزة، وقد هزت الكيان البغيض المزروع هزة ما كان أن يمكن أن يستقيم عوده، وتتنفس رئته الهواء، لولا هذا الالتفاف معه من أركان الاستعمار والاستكبار، فلم تبق عجوز شمطاء، أو زوجها الكسيح، إلا وقد أتوا يتباكون على زنيمهم اللعين، وخلفهم كل المال والعتاد والتقدم العلمي.
نعم أقسم أنه لن يقوم، لولا ذلك الإسناد والعطاء الذي يبذله الاستكبار، ويقابله خمول عربي إسلامي، بل ذهب البعض إلى التباهي بما يقدم من دعم – ولو مؤن غذائية- أو أنه أسقط عددًا من الصواريخ الإيرانية التي أرسلت تحذيرًا لهذا الكيان من التمادي والشطط.
نعم وقد بدأ العام الثاني ليوم سبع أكتوبر، عام: (٢٠٢٤م) نُنَبِّهُ هؤلاء النائمين والمتلاهين أنهم موقوفون عند فليس الفلاح في دلتا مصر، أو صعيدها مسئول عند الله، أو عمال آبار النفط في الجزيرة، أو الصحراء، أو البحار، والمحيطات، بل أنتم مَن تسكنون قصورًا -صغرت أو كبرت- ومن تأكلون بملاعق الذهب والفضة التي أبى ناصر أن يأكل بها في قصر القبة، ونَحَّاهَا جانبًا.
لم يَفُتْ الوقت فهيا التفتوا إلى جهاد الأمة في غزة، ولبنان، هيا أَمِدُّوهُم بالغذاء، والكساء، وطَبِّبُوا جريحهم، ومريضهم، وهيا هَدِّدُوا بسحب سفرائكم من أمريكا، وبريطانيا، هيا لا تمنعوا الأحرار من أن يلتحقوا بإخوتهم المناضلين، لقد التحقوا في أكتوبر، عام: (١٩٧٣م) بأمر أمير المؤمنين، ونحن اليوم نقول: دعوا الأحرار يسعون، ويؤدون واجبهم، ويُخَفِّفُون عنكم بعضًا من أوزاركم التي قد تضحكون حين نقول لكم، لكنكم قد تذكرون حين يدهمكم اليوم الذي ستبكون فيه.
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (140) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾ [آل عمران: 139-142].
والله حسبنا ونعم الوكيل وهو مولانا نعم المولى ونعم النصير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى