أخبار

من قلب باريس.. سبع سنوات من الإبداع الثقافي والفني في المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح

محمد المخلافي|كاتب وباحث يمني

     منذ دراسته في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، أظهر الكاتب السينمائي والروائي اليمني حميد عقبي شغفًا كبيرًا بالفنون والثقافة الجماعية، حيث انضم إلى فرقة “أهل الكهف” المسرحية التي قدّمت ثماني مسرحيات بين عامي 1994 و1997.

     لكن طموح عقبي لم يتوقف عند حدود العراق. في عام 2001، انتقل إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا في الإخراج السينمائي والمسرحي في جامعة “كون” النورماندي. خلال هذه الفترة، شارك في عدة ورش عمل ودورات متخصصة، مما أتاح له الفرصة لإنتاج تسعة أفلام قصيرة وكتابة العديد من النصوص المسرحية والنقدية. كما تعاون مع جمعية “سينزيس” السينمائية، حيث أخرج فيلم “حياة جامدة” عام 2006 وفيلم “الرتاج المبهور” عام 2007. وقد أضاف هذا التنقل بين الثقافات بُعدًا جديدًا لتجربته الفنية، مما ساهم في تشكيل أسلوبه المتميز.

تأسيس المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح

في نهاية عام 2018، أسس عقبي المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح بالتعاون مع مجموعة من الشخصيات البارزة في مجالي المسرح والسينما من بعض الدول العربية والأوروبية. بلغ عددهم 80 شخصًا، كانوا يتواصلون عبر مجموعات في تطبيق واتساب، وتم الاعتراف به رسميًا من قبل منطقة كالفادوس في إقليم النورماندي. يهدف المنتدى إلى دعم الأعمال الفنية التي تعزز قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير، وتعزيز الحوار الثقافي والحضاري بين العالم العربي وأوروبا. ورغم انسحاب العديد من الأعضاء، واصل عقبي جهوده مع 20 شخصًا فقط. في السنتين الأولى للمنتدى، كان يجتمع مع مجموعة من العرب والفرنسيين في أحد المقاهي الباريسية، حيث أقام صالون المنتدى لمناقشة مواضيع متعددة أو تقديم شخصيات بارزة. خلال هذه الفترة، أنتجوا فيلمين قصيرين، الأول بعنوان “الغريب” والثاني “في مواجهة الموت”، وتم عرضهما على قناة المنتدى في يوتيوب.

استجابة للجائحة والتوسع في الأنشطة

مع انتشار جائحة كوفيد-19 في عام 2020، بدأ المنتدى في استخدام التكنولوجيا الافتراضية لعقد ندوات أسبوعية. لم تكن هذه الخطوة مجرد استجابة للظروف، بل كانت أيضًا فرصة لتوسيع نطاق الوصول إلى جمهور أكبر. حتى الآن، أقام المنتدى حوالي 600 ندوة حضرها ما يقارب ألف شخص من مبدعين ومثقفين وطلاب من مجالات متعددة مثل السينما والمسرح والفنون التشكيلية، مما يعكس تأثيره الكبير في المشهد الثقافي. ويتوفر أكثر من 960 فيديو على قناته في يوتيوب، تشمل تسجيلات لندوات وملتقيات ومؤتمرات وأمسيات ثقافية. ما يميز المنتدى هو تنوع أنشطته وحرصه على الترحيب بالجميع دون أي مصالح خاصة.

التحديات والدعم المالي

على مدار سبع سنوات منذ تأسيسه، لم يتلق المنتدى أي دعم مادي من أي جهة عربية أو أجنبية. يتحمل عقبي، كرئيس للمنتدى، تكاليف الاشتراك في منصة زووم شهريًا، بالإضافة إلى مصاريف المواصلات والإقامة أثناء الملتقيات الحية في باريس. ورغم تقديم عدة طلبات لدعم المبادرات، لم يتم التواصل معهم بعد فوزهم بمبادرة واحدة لدعم فرقة مسرحية يمنية. حاليًا، ينظم المنتدى من أربع إلى ست فعاليات شهريًا، وقد يصل العدد إلى عشرين في مواسم معينة. يتطلب إعداد كل ندوة نحو خمسين ساعة من العمل، يقوم بها المعد والنقاد. حيث يشدد عقبي على أهمية النقد الجاد ويستفيد من الأخطاء التي وقعوا فيها، مما يعكس روح التطور المستمر.

رؤية مستقبلية

يمثل المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح نموذجًا للإبداع الفني والانفتاح على التجارب الجديدة. ورغم التحديات، يواصل عقبي جهوده بكل حماس، مؤمنًا بأن المحبة والإبداع هما الأساس. يسعى لتعزيز دور الجمعيات الثقافية والفنية التطوعية العربية، متمنيًا تجاوز المشكلات التي تعاني منها الهيئات الرسمية، وتعميق روح قبول حرية الرأي والرأي الآخر. كما يعقد المنتدى ملتقيات للسرد والشعر والفنون، ويتعاون مع منصات ومؤسسات ثقافية عربية، رغم أن معظمها يظل قطريًا. فالفضاء الثقافي مفتوح والساحة تحتاج للجميع. يتمنى المنتدى أن تتعافى الجمعيات الثقافية والفنية التطوعية العربية من المشكلات التي تعاني منها الهيئات الرسمية، مثل الشللية والمجاملات.

خلال السنوات الماضية، نظم المنتدى أكثر من خمسين ندوة حول اليمن، حيث قدم مجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية. شملت الفعاليات ندوات مخصصة للروائيين والشعراء اليمنيين، واستضافة كتاب ومثقفين بارزين، مما يعكس التزام المنتدى بخدمة الثقافة والفن وتعزيز الحوار.

لقد أسهم المنتدى في دعم العديد من الفنانين الصاعدين، حيث أتيحت لهم الفرصة لعرض أعمالهم والتواصل مع جمهور أوسع. قصص النجاح هذه تعكس مدى تأثير المنتدى على مسيرة العديد من المبدعين، الذين وجدوا فيه منصة لتحقيق أحلامهم ومشاركة إبداعاتهم مع العالم.

مع كل تحدٍ يواجهه، يظل حميد عقبي متمسكًا برؤيته وأهدافه. يؤمن بأن الفن والثقافة يمكن أن يلعبا دورًا محوريًا في التغيير الاجتماعي وتعزيز حقوق الإنسان. يتطلع إلى توسيع نشاطات المنتدى وفتح آفاق جديدة للتعاون مع المنظمات الثقافية الأخرى، سواء في العالم العربي أو في أوروبا.

نحو إبداع حقيقي

أكد حميد عقبي أن نجاح هذا الجهد الثقافي لم يكن ليكتمل دون تعاون ودعم النقاد الذين يكرسون وقتهم وجهودهم لقراءة الأعمال الإبداعية قبل الندوات، وينشرون أوراقهم النقدية حول الروايات والدواوين والأعمال المطروحة للنقاش دون أي مقابل.

وأوضح عقبي أن هناك خللًا في المشهد الثقافي، حيث يرى البعض أن وجود منتدى في أوروبا يمكّنهم من الحصول على دعوات واستضافات بموارد مالية، بينما يفضل آخرون الحصول على شهادات تقدير وتكريم دون الاهتمام بالنقد الموضوعي. هناك من يحضر ثم ينسحب، لكن في المقابل، هناك من يظل معنا أو ينضم إلينا ويقتنع بما نقدم.

نتيجة لتعدد المنصات الثقافية، نجد أن بعضها يمنح شهادات دكتوراه أو يعين سفراء وسفيرات، وهو ما يثير فرحة الكثير من المثقفين. لكننا نؤكد على سياستنا في رفض منح الشهادات والتكريمات، ونسعى إلى العمل مع النقاد والمبدعين لتحقيق إنجازات إبداعية حقيقية. التحدي الأكبر أمامنا هو الاستمرار وعدم الانزلاق إلى الجمود، وهو ما نعمل جاهدين على تجنبه.

يؤكد حميد عقبي على ترحيبه بجميع المشاركين في المنتدى، حيث يُعتبر هذا المنبر الثقافي نافذة مفتوحة على تنوع الثقافات والإبداعات المتعددة، وليس مقتصرًا على لغة معينة. فهو يمثل مسرحًا يجمع بين التمثيل، السينما، القصة، والرواية.

من خلال مشاهدتي لبعض الندوات المعروضة على قناة المنتدى على يوتيوب، لاحظت أن العديد من النقاد الذين يتم استضافتهم يؤكدون أن هذا المنتدى يمثل مساحة حيوية تجمع النقاد والمبدعين من مختلف الخلفيات الثقافية. فهناك من مصر ولبنان، ومن العراق والسودان، وحتى من السويد وألمانيا ودول الخليج وغيرها. هذه التنوعات تعكس روح التعاون والتبادل الثقافي الذي يسعى المنتدى إلى تحقيقه، مما يساهم في إثراء الساحة الثقافية ويعزز من تفاعل الأفكار والإبداعات.

تمثل رحلة حميد عقبي مثالًا ملهمًا على كيفية التحول من شغف فردي إلى تأثير جماعي. من خلال المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، يستمر عقبي في تقديم مساهمات قيمة للمشهد الثقافي، مؤكدًا على أهمية الفنون في تعزيز الحوار والتفاهم بين الشعوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى