أدب

قراءة في رواية: “قناطر وألوان تعانق السّماء” للكاتبة الفلسطينيّة مريم حمد

بقلم: رفيقة عثمان

  صدرت رواية الكاتبة مريم حمد، بعنوان: “قناطر وألوان تعانق السّماء” احتوت الرّواية على ثلاث مئة وثلاثة وعشرين صفحة من القطع المتوسّط، من تصميم الفّنّان شربل إلياس.

  امتازت لغة الرّواية، بلغة عربيّة فصيحة سلسة، وبليغة، تكاد تخلو من اللّهجة العاميّة، وإن وُجدت فهي تتناسب مع المواقف والأحداث، دون المبالغة فيها.

     طغى على اللّغة استخدام المحسّنات البديعيّة، والاستطراد في الوصف للأحداث؛ وخاصّةً بما يتعلّق بوصف الطّبيعة وأجوائها.

     استخدمت الكاتبة أسماء معظم أنواع النّباتات الفلسطينيّة المعروفةوغير المعروفة، عناوين لفقرات السّرد في الرّواية؛ مثل: (السنديان – عُلّيق – رمّان – لوز – لبلاب – اللّيمون – خشخاش – جمّيز – حنّون – نخيل – جوري – زعفران – غار – منثور – عكّوب – زقوم – زعتر – سريس – جعدة – زنبق – سوسن – دفلة – خروب – زعرور – زيتون – عوسج – طيّون – زيزفون – قوص – عتاب – خبّيزة – ميرميّة – زيتة – عتّاب – خبّيزة – أبو ليلة – سدر – نرجس).

  إنّ استخدام الكاتبة لأسماء عديدة من النّباتات الفلسطينيّة، لعناوين داخل نصوص الرّواية، على الرّغم من عدم ارتباط العناوين في مضامين النّصوص؛ له دلالات عميقة جدّا، للجذور وشدّة الانتماء للأرض والوطن، ولكلّ نبتة لها حكايات تاريخيّة وشعبيّة عديدة، مرتبطة بالحضارة والتّراث الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكل عام. يبدو لي أنّ هذا الاختيارموفّق جدًّا.

   Motif برزت بعض الموتيفات في الرّواية أعلاه ” الموتيف هو الدّالة أو الموتيفة أو نمط معيّن من الشّخصيّة مما نجده ماثلًا ومتكرّرًا في شتّى الأعمال الأدبيّة، وظيفته أن يثير حالة قد تؤدّي إلى التّعرّف والكشف أو يكون رمزًا أو شاهدًا على وضع معيّن” ويكبيديا. الموتيف البارز في الرّواية هو تكرار كلمات وعبارات: قناطر وأقواس، وألوان مرّات عديدة، ممّا يدل على أهميّة هذه الكلمات في نفس الكاتبة؛ لإلقاء الضّوء على التمسّك بأهميّة البيوت القديمة والمُهجّرة، وما يرمز إليها بحق العودة؛ كذلك الإشادة بالتعدديّة الفكريّة، وتقبّل الآخر، والشعور بالحريّة والتحلّي بالإنسانيّة بكافّة أشكالها وألوانها. من هنا وُجد الرّبط لهذه الدّلائل بالعنوان.

  رواية”قناطر تعانق السّماء” رواية لا ينقصها عنصر التّشويق، نهجت الكاتبة أسلوبًا فنيًّا مغايرًا؛ حيث سردت الكاتبة تخلّلت روايتين مختلفتين، ومنفصلتين في رواية واحدة؛ حيث سردت الكاتبة قصّة علاقة أسرتين مختلفتين: الأولى فلسطينيّة، والثّانية أسرة يهوديّة؛حيث حصل تبادل بالأبناء بعد الولادة على يد ممرّضة بالمستشفى، وتمّ اكتشاف الموضوع أثناء اعتقال أحمد، عندما اكتُشف عدم تطابق فصيلة دمه مع ابنه منتصر؛ واللّذي تبيّن بأنه ابن لأب يهودي وأم يهوديّة أمريكيّة؛ بينما الابن الحقيقي جوناثان الّذي يعاني من اضطّراب طيف التوحّد أو بمتلازمة (أسبرغر) فاعتنت به أسينات، على خلاف زوجها.

 انتهت الرّواية، بإعادة منتصر إلى والديه الحقيقيين (أسينات وشمعون)، وتقبّل ريم للوضع الجديد، واعتبرت كلا الشّابين أبناء لها.

  كان السّرد في الرّواية سردًا منفصلًا لكل أسرة على انفراد، ثمّ تمّ الرّبط بينهما في نهاية فصل الرّواية؛ ابتداءً من صفحة 301 عندما قال شمعون لزوجته: “جوناثان ليس ابننا يا أسينات”. يبدو لي أنّ الحبكة الفنيّة في الرّواية، برزت في نهاية الرّواية؛ والّتي أبدت تشويقًا وإثارة، أكثر من البداية أو متنها.

   أنهت الكاتبة الفصل الأخير من الرّواية، على لسان ريم الفلسطينيّة، والّتي رمزت للوطن والأم الفلسطينيّة؛ بأنّها هي الأرض، وهي المحبّةوالسّلام، وتستوعب كافّة اطياف البشر دون تمييز عرقي أو ديني، وتقبّل الآخر مع الاختلاف. حقيقة هذه النّهاية هي نهاية مفتوحة وفيها من السّمو والارتقاء بالفكر والشّعور الإنساني للإنسان الفلسطيني، وهذا يُحسب لصالح العمل الادبي.

  برأيي الشّخصي كانت نهاية الرّواية سريعة، وكان الانتقال سريعًا، ولم تحظّ النّهاية بتفاصيل السّرد الّذي رافقنا خلال السّرد في مساحة واسعة من الوصف، الفصل الأخير لم يحظَ بنفس المساحة،لدرجة بأنّه اختفت بعض التّفاصيل الهامّة حول كيفيّة حدوث تسليم الشّاب الفلسطيني لوالديه ووصوله إلى (لوس أنجلوس) عند الوالدة أسينات. 

      عدد الشّخصيّات في الرّواية محدود، الزّوجان: أحمد وريم الفلسطينيّان وابنهم مُنتصر؛ بالمقابل شخصيّة الزّوجين: أسينات وشمعون وابنهما جوناثان، وصديق أسينات علي العراقي. لعبت الشّخصيّات الرئيسيّة أدوارًها،كما تحكّمت بها الكاتبة؛ لكنها تجاهلت شخصيّتين في الرّواية: الأولى شخصيّة علي، صديق أسينات الّذي رافقها، وكان صديقًا جيّدًا لأسينات، وفجأة اختفى ولم يستمر دوره بالرّواية؛ بينما الشّخصيّة الثانية، هي شخصيّة شيمعون زوج أسينات، انتهت مهمّته عند اكتشافه لحقيقة تبادل ابنه مع الزّوج الفلسطيني:أحمد وريم. حبّذا لو استمر دوره ، وأظهرت الكاتبة ردود فعله من هذا الاكتشاف الصّادم!.

  اتقنت الكاتبة بوصف شخصيّة الطفل جوناثان، المضطّرب، ووصف حالته مع سلوكياته بإتقان؛ بالأخص وصف حالة الطفل وإصابته بظاهرة ( الأسبرغر) حالة من انعدام التّواصل الاجتماعي واللّغوي، مع التميّز والتّفوّق بمجال معيّن بقدرة تفوق العادي. 

     أبرزت الرّواية أهم المعالم والأماكن المقدسيّة، بالإضافة لتأثير الحواجز والمعابر ما بين القدس وما وراء الجدار، على المواطنين الفلسطينيين، والمقدسيين بشكلٍ خاص؛ ناهيك عن امتلاك الهويّة واختلاف ألوانها بينهم والتّمييز العنصري، بالإضافة لأسر الأطفال وطريقة معاملتهم السّيّئة من قِبل السّلطات المُحتلّة.

  زمانكيّة الرّواية:مكان أحداث الرّواية تراوح ما بين القدس وضواحيها، ولوس أنجلوس، منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطنيّة الأولى عام 1987.

    عنوان الرّواية: “ألوان وقناطر تعانق السّماء”، يبدو بأنّ العنوان يحظى بمساحة كبيرة ومطوّل؛ لكنه يحمل في طيّاته دلالات رمزيّة عميقة وعديدة، لِما تحتويه الرّواية، من تنوّع في مختلف الاجناس، والانتماءات، والأفكار، والصّراعات؛ لكن القناطر والألوان هي الرّسومات الّتي رسمها الطّفل (جوناثان) أثناء وجوده في القدس، بمسكنه في عين كارم القرية المٌهجّرة، والّتي تتحلّى بيوتها القديمة بالتصميمات الهندسيّ الجميلة المميّزة بالقناطر والأقواس؛ هذه الرّسومات تعانق السّماء؛ لأنّها فلسطينيّة الأصل، وستظل كذلك.

   خلاصة القول: رواية “قناطر وألوان تعانق السّماء” رواية ممتعة، وذات قيمة أدبيّة واجتماعيّة، تحمل في طيّاتها الرّوح المتسامحة، والطّيبة، والفكر المتشعّب، وتقبّل الآخر مهما كان عرقه أو جنسه، أو لونه.

   هذه الرّواية  تُصنّف تحت الجنس الأدبي كرواية واقعيّة، وتأريخيّة سياسيّة، وهي مطعّمة بخيال الكاتبة الخصب، فهي إضافة نوعيّة؛ لإنعكاس الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، الّتي واجهها ويواجهها الفلسطينيّون تحت ظل الاحتلال، وعلى الأخص ما يواجهه المقدسيّون من تضارب الهويّة وقسوة الحياة، وممارسة العنصريّة المُمنهجة ضدّهم؛ على الرّغم من نهج الأسلوب في التّركيب الفنّي للرّواية غير النمطي، كما أوضحت سالفًا. ويبقى التّساؤل: “هل هذا الأسلب مقبول ومتّبع في كتابة الرّوايات؟”.

   من الجدير ذكره، بأنّه يُنصح بترجمتها للغات أجنبيّة؛ للتعريف الحياة البائسة التي يعاني منها المقدسيّون؛ لأنّ القدس لا تشبه أي مكان في العالم، في ألوانها وتنوّعها.

هنيئًا للكاتبة مريم حمد على إبداعها ” قناطر وألوان تعانق السّماء”، والمزيد ون العطاء والإبداع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى