سياسة

أزهار الجليل.. الكتاب الذي أوجع إسرائيل

بقلم: خالد جمعة

تأتي مصداقية أي عمل من موضوعية كاتبه تجاه الموضوع المطروح، وتزداد هذه المصداقية حين “يشهد شاهد من أهلها”.
في هذا السياق يأتي كتاب إسرائيل شامير “أزهار الجليل”، والذي ترجمه ناصر السعدون وصدر عن دار كنعان في دمشق عام 2007، ووقع الكتاب في 468 صفحة من القطع المتوسط.
يستعرض شامير من خلال كتابه رؤيته العميقة للصراع الفلسطيني الصهيوني، مبدياً استحالة الواقع الذي يريده الإسرائيليون حين يتخيلون حب فلسطين بدون فلسطينيين، ويقول بالحرف: “فلسطين ليست جسداً ميتاً، بل هي بلد حي، والفلسطينيون روحها”، ويتطرق إلى أن فلسطين هي ما يعيد الفلسطينيون خلقه في الزمن الواقعي بالطريقة نفسها التي يخلق فيها الفرنسيون فرنسا، ويعيدون خلقه فيها كل يوم.
ينتقد شامير جوهر فكرة التحرر اليهودي في الخروج من “الغيتو”، وكيف أجبر الإسرائيليون أنفسهم على العودة إلى داخله، حيث يعتقد أن الدولة اليهودية هي دولة افتراضية صارت تفقد بسرعة كل ما بقي لها من ارتباط بالواقع، شبح الدولة هذا يقتل الناس ويجمع المال في أميركا، يواصل وجوده الشنيع، كما لو أنه بصيغة قانونية “ملك الموتى”، فالزائر يغادر شواطئنا يرافقه شعور قوي بهويتنا ورخائنا، نحن وحدنا، المقيمون الدائمون، نعرف أنها خدعة من ورق على حد تعبيره.
يستنتج الكاتب كذلك أن التجربة الصهيونية قد انهارت واقعياً، وقد تستمر في الوجود لسنوات عدة اعتماداً على أدوات تعين على مواصلة الحياة، لكنها ميتة الدماغ وعديمة الفاعلية، يمكنها قتل بعض الناس، وربما استطاعت المبادرة بشن الحرب العالمية القادمة، لكن من المستحيل إعادتها للحياة.
ويعلق على سياسة إسرائيل تجاه الأرض الفلسطينية: “يتم الآن تدمير أرض فلسطين أمام أعيننا، القرى القديمة البديعة تقصف إلى حد الدمار، تخلى الكنائس من المصلين، تقتلع أشجار الزيتون، لم يحصل مثل هذا الدمار في هذه الأرض منذ غزاها الأشوريون قبل 2700 عام”. وقد ارتكبت القيادة اليهودية هذه الجرائم من دون جدوى، وفشلت في تحقيق هدفها، حتى لو صلبوا آخر فلسطيني على تل الجلجلة، لن يعيدوا الحياة لدولة إسرائيل اليهودية الافتراضية.
ثم يبدأ بتكذيب الرواية الإسرائيلية: “لم تكن فلسطين أرضاً بوراً قط مثلما زعم الصهاينة الأوائل أنهم وجدوها حين قدموا، لكنها ستصبح كذلك ما لم نوقف عمل الجرافات، فلم يعد المزارعون يجرؤون على الذهاب إلى حقولهم، لأن المستوطنين قساة، يحملون البنادق، ويسارعون لإطلاق النار على القرويين، وكثيراً ما يخطفونهم ويعذبونهم، ويشعلون النار في حقولهم، لا بد من إبعاد المزارعين لمدة خمس سنوات، وبعدها وحسب قانون عثماني عثروا عليه في الكتب القديمة، تعود ملكية الأرض للدولة العبرية، عندها تقوم الدولة بإعطاء الأرض للمستوطنين اليهود، في هذه الأثناء يحاولون تجويع المزارعين، ولكن لا يمكن قهر القرويين الفلسطينيين ما دام ثمة زيتون، ولهذا السبب حول أعداؤهم غضبهم نحو الأشجار”.
“خذ نملة وسوف تبني تلاً للنمل، خذ يهودياً وسوف يخلق غيتو، خذ فلسطينياً سيبدأ ببناء الشرفات ليزرع الزيتون عليها”.
هناك الكثير من الأمور التي يتعرض لها شامير في كتابه، وهذه بعض المقتطفات التي تعبر عن ذلك: “غزة هي تطبيق واقعي لأفلام الخيال العلمي، تذكرنا بسلسلة أفلام كوكب السجن، أسلاكها الشائكة تحرس سراً، إرادة لا تقهر لشعبها، إنها موقع تصوير فيلم من الأفلام الرخيصة، لكن رجالها ونساءها من الطراز الرفيع”.
“ترك فارس عودة وراءه صورة بطل، لوحة تصلح لتعلق قرب صورة تشي غيفارا”
“نحن مثل الملك ريشارد الثالث، استولينا على اللقب والعرش، ومثل ريشارد الثالث، نشعر بعدم الاستقرار ما دام الوارثون الحقيقيون على قيد الحياة، هذا هو التفسير النفسي لمعاملتنا القاسية للسكان المحليين من الفلسطينيين والتي لا يمكن تفسيرها”.
“لقد تفوق شارون بوقاحته على هتلر: فلقد حرص الدكتاتور الألماني على تحاشي إعطاء أوامر معلنة بقتل اليهود، في حين يدعو الحاكم اليهودي بلا خجل لقتل الفلسطينيين عبر التلفزيون في وقت ذروة المشاهدة”.
“الفساد والسرقات التي يقوم بها القادة الدينيون التي تم توثيقها مؤخراً خلال المحاكمات في إسرائيل والعالم تستمر في طرح السؤال عن العلاقة بين اليهودية والأخلاق”.
“تفسير قصير قدمه الجنود عن أسباب رفض الأوامر، قراءة كئيبة مليئة بوصف سوء المعاملة عند نقاط التفتيش وتعذيب الفلسطينيين وتجويعهم، قتل الأطفال، وهو السمة الشاملة للدولة اليهودية، تشغل موقعا مرموقا في قائمة الرعب هذه، لقد زعم معادو السامية قديماً أن اليهود يقتلون أطفال المسيحيين، هذه الأسطورة الدموية قد هشمتها إسرائيل ودمرتها، فنحن نقتل أطفال المسلمين بالسهولة نفسها التي نقتل بها أطفال المسيحيين دون تمييز”.
“صادر اليهود أجزاء من أراضي المسجد الأقصى، الساحة الواسعة أمام الجدار الغربي، كانت جزءاً من محلة المغاربة الجميلة وكانت تابعة للمسجد أيضاً، لكن بعد الغزو الإسرائيلي للقدس عام 1967 تمت تسويتها بالأرض، ظل بعض سكانها مدفونين تحت الركام، إلى هذا الحد كان استعجال الغزاة لمحو الوجود الفلسطيني”.
“الفرق العملي بين ‘اليسار المعتدل’ و’اليمين المتصلب’ أصبح فرقاً شكلياً تجميلياً”.
“يبدو أن ثمة تورط إسرائيلي في أحداث 11 سبتمبر ثبت بما لا يدع مجالاً لأي شك، لقد دفع مؤيدو إسرائيل في الولايات المتحدة بقوة باتجاه حرب أفغانستان وغيرها”.
“موت راشيل كوري الرهيب كان يجب أن يفتح عيون أمريكا للخطر الحقيقي الذي يواجه العالم والذي ينمو في الشرق الأوسط، إذ يملك من قتلها أسلحة نووية، وليس جرافات وحسب”.
“إسرائيل/فلسطين، هي نموذج العالم الذي يريد الأمريكيون تحقيقه، يموت القرويون وقطعانهم عطشاً، وعلى قمة التلال ثمة فيلات وأحواض سباحة للشعب المختار”.
“سيترك الجدار مزارع الزيتون في أيدي المستوطنين، لكن المستوطنين ليسوا بحاجة للزيتون ولا ينوون العمل في الأرض، يفضلون إحراق الأشجار، ليس المستوطنون هم السبب، بل هم عقلنة للسبب، الرغبة في إفراغ فلسطين من أبنائها وقتل الطبيعة”.
“جرت مراسيم دفن د. غولدشتاين بالكثير من الاحترام والمحبة، وصار قبره مزارا جماعيا للمستوطنين والمعجبين بهم من إسرائيل وأمريكا وجميع أرجاء العالم، يأتي إليه شباب، وفتيات يهوديات لوضع الزهور وإشعال الشموع عند قبره، يضع الجنود اليهود الشباب بنادقهم إم 16 أمريكية الصنع على قبره طالبين بركة الرجل المقدس وتوجيهه، يتبادل الأزواج قسم الولاء، ويقرأ الشيوخ الصلوات على روحه”.
“كل رجل وامرأة في إسرائيل يخدم في الجيش، والخدمة العسكرية لا بد منها للحصول على أي عمل من الوزير إلى مصفف الشعر”.
“لا يمكننا إيقاف إسرائيل عن دفن سكان غزة، لكن يمكننا ويجب علينا إيقاف إسرائيل من تلقي التهاني لفعلها الشنيع”.
“نحن نواجه كذبة هائلة، حان الوقت لإيقاف التشهير بالإسلام، لا أتصور أن مشاكل الشرق الأوسط ترتبط مباشرة بالدين، تذكر تعاليم التلمود أن المسيح يحترق في جهنم، وليس ثمة شك أن عداء اليهود للمسيح قد تسبب في إعدامه”.
“الفكرة الصهيونية قد انهارت، ولا يبقيها على قدميها إلا الدم والحروب”.
“يجب على المرء رفض حتى مفهوم الهولوكوست اليهودي ذاته، لأنه يفصل بشكل مصطنع بين موت اليهود والعدد الكبير لمن مات وعانى من مواطنيهم”.
“ما هي القوة الخارجية التي تدعم إسرائيل؟ ما هي الدولة الأم لها؟ إنها ليست الولايات المتحدة، بل هي منظومة الأقليات اليهودية المتنفذة، وهذه هي أولا وأخيرا الأقلية اليهودية الأمريكية”.
“أشعر بالأسف على الفلسطينيين، أكثر شعب تعرض للتشويه على الأرض، لكني أكثر شعورا بالأسف على الأمريكان الذين يشربون سموم وسائل إعلامهم التي يقودها اليهود، إنهم لا يرون أن وكلاء إسرائيل يحاولون الصعود على أكتاف الموتى الأمريكان”.
“أمريكا (بوجود أو عدم وجود يهودي واحد) صارت دولة ذات روح يهودية، واعتنقت عقيدة اليهودية في الجشع والعزلة”.
“لم يكن بمقدور إدوارد سعيد وحده إيقاف آلة التضليل الإعلامي الهائلة لليهود، لكنه شرح لنا كيفية عملها”.
في النهاية يقدم كتاب ‘أزهار الجليل’ لإسرائيل شامير، النموذج الأكثر حيوية للكتاب الذين لم تعد تعميهم الفكرة اليهودية التوراتية، وذهبوا بعيداً في الموضوعية إلى حد الدفاع عن الفلسطينيين في وجه من يهاجمهم من الفلسطينيين أنفسهم، وربما أفضل ما يمكن اختتام هذه القراءة به هو مقولته الواضحة والرائعة: “نحن أفضل من يبيع الأوهام، وما دام ثمة من يشتريها، فنحن نقدم لهم ما يريدون”.
إسرائيل شامير “يوران جرمس”، أو آدم إرماش، صحفي وكاتب سويدي ولد في روسيا عام 1947، انتقل إلى إسرائيل عام 1969، وكان مظليا في حرب أكتوبر، وعمل مترجما للرئيس حاييم هرتصوغ.
قام بنشر عدد من الكتب التي ترجمت إلى عدة لغات، وقد اتهم بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى